طلال الجديبي - جريدة الرياض

عدد القراءات: 719

انتشرت أخيرا تلك القصة الرمزية التي تقارن بين شركتين تواجهان القرارات الصعبة والمصيرية نفسها أثناء الأزمة الاقتصادية. في القصة تخلت الشركة الأولى عن بعض موظفيها بالفصل والإبعاد، الأخرى طلبت منهم مشاركتها الأزمة وأخذ إجازات بلا رواتب ليصبح إجمالي ما خفضته الشركتان متساويا في القيمة النقدية ولكن مختلفا في الأثر، لم تضح الشركة الثانية بحياة موظفيها وأسرهم، وحافظت على فرص نموها بحفاظها على الموظفين. توضح القصة الفارق الكبير بين أساليب التعامل مع قضية التكاليف التي تصبح ساخنة جدا أثناء الأزمات، كيف لا وهي تهدد بقاء الشركة وقد تقضي بإفلاسها وخروجها من السوق، أو على الأقل، خروج مسؤوليها من دفة القيادة.
قدرة أي منشأة على مقاومة الظروف الصعبة تقوم على مجموعة من العناصر المختلفة. بعض القطاعات تتأثر قبل غيرها، وكفاءة الأداء تصنع حاجزا وقائيا جيدا أثناء الأوقات العسيرة – ناهيك عن تأثيرها الإيجابي في الربحية في كل الأوقات – وتؤثر مرونة المنشأة وثقافتها في تقبل موظفيها للتغييرات السريعة وتعاملها مع البدائل غير الاعتيادية. قد يقوم البعض بالتمحور وتعديل أسلوب ونموذج العمل لكيلا تتخلف منشأته مع الخاسرين الذين لا يفهمون المتغييرات بسرعة حدوثها نفسها. هناك قائمة طويلة من الخطوات التي تسبق فصل الموظفين وربما تحويل التكلفة للمستهلك وخسران ثقته عاجلا أو آجلا فهو سيتركهم بمجرد وجود البديل المناسب. معالجة المشكلة بأسوأ الطرق تعد ضعفا إداريا وربما تنبئ عن خلل أخلاقي في بيئة العمل.
من جانب آخر، تتجه الجهات الحكومية لدينا بشكل أقوى من أي يوم مضى نحو التخصيص، لكن القطاع الخاص يعاني مشكلات في الأداء لم تسمح فرص النمو السابقة لها بالظهور، سواء إذا تحدثنا عن الهدر أو سوء تصميم الأنظمة والإجراءات ونماذج العمل أو حتى غياب أفضل الممارسات ونزاهة وفاعلية البرامج الإدارية المطبقة، التدريبية منها والتحسينية عموما. هذا يعني أن النماذج الفعلية الموجودة على أرض الواقع تحتاج إلى التوجيه والتطوير الجذري والسريع، مع بعض الاستثناءات القليلة.
بعض المنشآت تتكبد مزيدا من التكاليف وتخسر الموارد بلا قيمة ولا تتقدم نحو الحل بشكل فعال وملائم. نجد مثل هذه المنشآت تبتعد عن بناء الكفاءات داخل المنشأة وتتجه نحو الاعتماد بشكل أكبر على ما يقلل التكلفة بلا قيمة حقيقية – مثل المبالغة في تعهدات الـ Outsourcing – ومحاولة حصد النجاحات المؤقتة التي تؤجل مواجهة المخاطر وتهوي بالمنشأة في مشكلات عميقة وتركات سيئة. نجد هذه المنشآت كذلك لا تعي أهمية الأجواء الإبداعية ودورها في تحفيز الموظفين والمحافظة على الجو الإيجابي في مكان العمل، ناهيك عن صنع الأجواء المناسبة للتحسين والتطوير وليس التذمر والتسخط. مثل هذه المنشآت لا تملك معامل للبحث والتطوير وربما تعجز عن تنفيذ الأساسيات الإدارية لتستعين بالمستشارين في أمور بسيطة كان يمكن أن ينفذها فريق العمل بالتوجيه والتحفيز الجيد، وبالطبع تتعقد الأمور وتتباطأ الخطوات ويفوتها قطار التربح ما يدفعها في نهاية الأمر إلى فصل الموظفين بتبرير الظروف الاقتصادية!
لم تتطور مفاهيم إدارة التكاليف لاستخدامها أوقات الأزمات، فهي متطلب أساسي يعد اليوم من الممارسات الكلاسيكية التي تتبناها الإدارات وينفذها موظفوها بكل حماس. المشكلة لدينا أن المنشآت التي تنفذ بعض متطلبات إدارة التكاليف قليلة جدا وربما تنحصر في الشركات التي ترتبط إجبارا بممارسات شركاتها “الأم” في الخارج. هناك فرق بين إدارة التكاليف وبين تقليل التكاليف، فالهدف ليس التقليل من عناصر التكاليف التي تتكبدها المنشآة، وإنما هناك كثير من الخطوات التي يمكن القيام بها بشكل مستمر وذكي ولطيف كذلك، ينقذ المنشآة من أزمتها ويمنحها درع وقاية من الأزمات القادمة ويعزز ثقة العاملين فيها. ومثال على ذلك، تقوم بعض الشركات بالتخلص من التكاليف بطريقة تثير الاستغراب وتقلل من جودة ما تقدم وتخسر به ثقة موظفيها وعملائها، بينما مراجعة الإجراءات الداخلية – وربما بعض الإجراءات القليلة المحورية داخل المنشأة – مع التواصل الداخلي الجيد ترفع من كفاءة الأداء وتحسن الخدمات وربما تزيد من قاعدة العملاء والمبيعات ما يمكنها من تفادي تقليل التكاليف بشكل مفاجئ ومضر. معظم من يقوم على هذا النوع من القرارات ينشغل بالتركيز على الحدث ويندمج مع الضغط الذي يقع عليه من رؤسائه الذين بدورهم يعانون المشكلة نفسها بشكل يجعل النظر إلى أبعاد التحسن الأخرى وبقية التفاصيل شيئا قد يكون من الصعب تحقيقه، مع أن الربح في التفاصيل والخسارة كذلك في التفاصيل.

المصدر : جريدة الرياض - 14 أكتوبر 2016م