د. جاسر الحربش - جريدة الجزيرة

عدد القراءات: 691

أبطل القضاء الشرعي في محكمة العيينة عقد نكاح بعلة تدليس الزوج في نسبه عند عقد الزواج. يبدو أن الأب كان قد وافق على الزواج بعد التثبت الشرعي دون الاجتماعي، وابنته قبلت بالزوج برضى وتوصية ولي أمرها، هكذا كانت البداية. الآن المرأة حامل وراضية بزوجها وهو راض بها، لكن الأب غير رأيه ويريد فسخ النكاح بحجة عدم تكافؤ النسب الذي لم يتأكد منه قبل الزواج ثم طعن فيه بعد ذلك.
نحن أمام هذا الوضع: جنين في رحم أمه لا علاقة له بخصومات الكبار واشتراطاتهم الاجتماعية، وزوجة راضية بزوجها لأنها تراه زوجاً صالحاً، وزوج راض بزوجته لأنها امرأة صالحة، لكن الاعتراض على استمرار الأسرة الصغيرة يأتي من الأب الذي قصر (إن صح التعبير) قبل الزواج في التأكد من صلاحية الزوج لابنته، ليس حسب الشروط الشرعية وإنما لأسباب الأعراف والتقاليد حسب تصريح المحكمة التي قضت ببطلان الزواج.
هل في الموضوع ضغوط اجتماعية على الأب، ذلك ما يعلمه الله عالم الغيب والسرائر. مثل ذلك حدث مراراً في بلادنا لزيجات سابقة. مع بقاء هذا الافتراض كافتراض فقط، يبقى احتمال تساهل الأب في الشرط الاجتماعي وليس الشرعي قبل أن تدخل ابنته وجنينها في هذه المحنة المتكررة في المجتمع السعودي، ربما فيه لوحده دون غيره. العجيب في هذا التقليد هو أن المجتمع يقبل زواج أحد رجاله من غريبة عن الدين والوطن والعادات والتقاليد دون أن يحتج أقارب أو عشيرة أو قبيلة.
الآن يقرر طرفان حق الطفل بعد ولادته في الأهل والمجتمع والمواطنة، هما المحكمة والأب، والخالق المدبر العادل هو الحكم. هذا هو الحق المبدئي والمقدم على العادات والتقاليد، طالما أنه حمل شرعي برضى زوج وزوجة راضيان باستمرار الارتباط على سنة الله ورسوله بعقد شرعي أشرف عليه مأذون وصدقت عليه محكمة الأنكحة.
أريد فقط أن أسأل، إذا كان الزوج دلس والأب فرط في التأكد من النسب، أليسا هما من يستحق العقاب بحكم تعزيري يكون دون فسخ الزواج ولكن يحافظ على حقوق الزوجة والجنين الذي تحمله ؟. هذا مجرد سؤال لا أملك الإجابة الشرعية عليه. عندما أتخيل ما ينتظر الزوجة وطفلها من مصاعب الحياة فيما لو أصبح حكم فسخ النكاح نهائياً أشعر بألم لا حدود له. أتساءل عن هذه القسوة في قلوب الأوصياء الكبار التي تجعلهم، لاعتبارات اجتماعية فقط يدفعون بالأبرياء من النساء والأطفال إلى طريق شقاء لا نهاية له، بينما هؤلاء الكبار الأوصياء هم الذين فرطوا بالأساس.
اللهم ارحم هذا المجتمع وأهده إلى سبل الرحمة والعدالة إنك أنت الرحمن الرحيم.

المصدر : جريدة الجزيرة - ١٧ اكتوبر ٢٠١٦