مطلق بن سعود المطيري - جريدة الرياض

عدد القراءات: 793

العمل في الشأن العام بشكله الخدماتي والإنساني وحتى السياسي، سلوك مطلوب التعرف عليه جيدا خاصة ونحن نعيش في حقبة التحول الوطني التي تتطلب تعريفاً عملياً للوطن والمواطن.. تجربة خدمة الأوطان ليست تقليعة حديثة “موضة” إنما هي أساس وطني نبت مع بداية تشييد البلدان كقيمة حقيقية تثبت الانتماء للوطن والتضحية من أجله..

مجالات خدمة البلد كثيرة، ولكن مؤسسات خدمة البلد قليلة، وهذه الوفرة والندرة لنفس العمل والحاجة جعلت الإنسان العادي ينظر في المبادرة لخدمة الناس والوطن كعمل خارج دائرة مسؤوليته، وتصنيفها كعمل رسمي يحتاج لقرار رسمي وأموال رسمية وموظفين رسميين، وكل من أراد ان يجتهد بعمل خارج هذا الإطار وجد نفسه محاصرا بعدة عقبات بيروقراطية، فأصبح كل من أراد ان يقدم عملا خدميا للوطن عليه أن يفكر بالطريقة التي يبيع هذه الخدمة للجهة الرسمية التي هي بحاجة لها، فالمجان عمل لا ينظر له كعمل له أهميته لأنه عمل لا يدر مالا.. هذا جعل الرأسمال الوطني محدودا بفهم السوق: أنت تبيع ونحن نشتري، فأصبح العمل الخيري مرتبطا بأفراد يبحثون عن الأجر من الله، وجمعيات خيرية محدودة الأهداف وضعيفة في المشاركة في جانب وبالجانب الآخر أصبحت مؤسسات استثمارية لها ميزانية يجب ان تكون دائما محصنة من العجز حتى لا تخرج من السوق.

أغلب الوزارات لديها أعمال مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الناس ليس كعمل متخصص مهني أي مهمتها الأساسية، مثل وزارة الصحة مهمتها علاج الناس، ولكن هناك خدمات طبية يحتاجها المريض ليس في المستشفى أو كعلاج طبي، مثل التوعية والاستشارات الطبية البسيطة، هذا مجال للخدمة العامة لكن وجوده مرتبط بالاستثمار المالي، فالتوعية الطبية تحتاج لميزانية والاستشارة ايضا تحتاج لثمن، وفي الإعلام لا تستطيع أن تصنع عملا وطنيا ينهض بصورة الوطن خارجيا وداخليا الا من خلال عمل تجاري له ميزانية، واحسب كذلك تجميل الشوارع، وغيرها، هذا الاستثمار جعل المنافسة دائما بين الشركات التي لها علاقة ببعض الجهات، مما أدى إلى ضعف الإنتاج لارتباطه بالعلاقات الشخصية وابتعاده عن مفهوم رأس المال الوطني.

فكل شيء يقدم للبلد يجب أن يكون مدفوع الثمن، الواضح في هذا المفهوم انه مفهوم تجاري عادي، ولكن قيمته التربوية سلبية جدا، فعندما يتربى الإنسان على ان خدمة الوطن دائما مرتبطة بالمقابل المادي تصبح الوطنية بضاعة مثل الملابس والسيارات، وكذلك تقتل المواهب التي تبحث عن فرص لإثبات جدارتها وانتمائها، وتقليل الاحترام للمبادرات التي لا يوجد لها عائد مادي، الشباب اليوم يبحث عن فرص لإثبات تفوقه وانتمائه خاصة في مجالات الخدمات التي تقدم للناس والبلد بشكل عام، ولكن جميع المشروعات التي يمكن أن يقدم بها هؤلاء الشباب عملا مفيدا، تم حصرها بشركات تعرف كيف تأخذ من الوطن ولا تعطيه.. الأمر يتطلب فتح المجال للشباب الباحثين عن الفرص لخدمة أوطانهم وحمايتهم من المؤسسات التي تعطل الشاب ولا تجمل الوطن.

المصدر : جريدة الرياض - ١٧ اكتوبر ٢٠١٦