كلمة الاقتصادية - جريدة الأقتصادية

عدد القراءات: 1029

لا شك أن التغيرات الاقتصادية العالمية التي شهدها القرن الحالي في بداياته كانت هائلة جدا، بل متميزة وحدثت بسرعة كبيرة، كل المعرفة عن الظاهرة الاقتصادية، عن الأسعار والمنافسة والأسواق، وكل النظريات التي استقرت طوال القرن العشرين، وجدت نفسها في تحدي البقاء أمام حجم التحديات التي أتي بها القرن الحادي والعشرون، وقد وجد العالم نفسه في تغيرات تكنولوجية سريعة جدا وضخمة للغاية مع تنامي ظاهرة تعقد عملية إنتاج القيمة، فلم تعد المصانع حكرا على دولة ولم تعد المواد الخام عائقا للنمو، ولم تعد العمالة مسألة مهمة، أصبحت إدارة المصنع في دولة والتصنيع في أخرى والتبادل النقدي الإلكتروني، وتنامت كمية وحجم النقود الائتمانية في العالم بشكل لم يسبق له مثيل، وأصبحت القدرة على إيجاد القيمة أسرع من ذي قبل، والمنافسة عليها تحوّلت نحو السرعة في ابتكار القيمة وتحويلها إلى منتج قبل الآخرين، وبيعها في الأسواق بمستويات جودة عالية، مع كل هذا نمو غير مسبوق في البيانات والمعلومات والشفافية ونظم الحوكمة وضبط الأسواق المالية وتحرير رأس المال، وفوق كل هذا تنافسية هائلة بين الحكومات على جذب رؤوس الأموال، ليس من أجل تشغيل العمال فقط، بل لدعم الابتكار والمحافظة على العقول من الهجرة، والدفاع عن العملة المحلية في خضم سرعة الهجوم في أسواق النقد وتقلبات مرعبة في سعر الصرف وأسعار الفائدة. وفي خضم كل هذا فلا مجال للتردد ولا جدل في قبول التحدي وإعادة هيكلة الاقتصاد ليتماشى مع التغيرات الهائلة، فمن لا يقبل التحدي لن يكون باستطاعته البقاء حتى منتصف القرن الحالي، وفي هذا لا يوجد استثناءات، ولا فرق بين حكومات وأفراد، من أراد البقاء في هذا العالم المتسارع عليه أن يتملك مهارة تغيير سرعته في الوقت وبالشكل المناسبين.
ولأن المملكة دولة مهمة جدا على الصعيدين العالمي والإسلامي، وعليها مسؤوليات ضخمة شعبا وحكومة تجاه العالم الذي يبحث عن أقطاب التوازن وينظر للمملكة كقطب عالمي ومرتكز للسلام، لهذا يجب أن تقبل المملكة بالتحولات ولا ترضى أن تكون على هامش العالم تتقبل الهبات وترضى بمجرد الدعم من أجل البقاء، بل لها مقام رفيع أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دوما ووضع من أجله “رؤية المملكة 2030” وما يتخللها من برامج ومبادرات للتحول الوطني لبناء اقتصاد قوي ومتين يعتمد على تعزيز التنافسية وتنويع دعائم الاقتصاد الوطني.
وكما أشار خادم الحرمين الشريفين في كلمته بمناسبة تكريم المنشآت الفائزة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة في دورتها الثالثة، إلى أنه يثق بأبناء وبنات هذا الوطن وأنهم قادرون على فهم ومواجهة التحدي، وقادرون بحول الله على صناعة تجربة اقتصادية أساسها الجودة والتميّز، وخاصة أن هذا التحول يتطلب جهودا مخلصة ورؤى واضحة تمكن السوق السعودية من جذب الاستثمارات وتحسين قدرتها على التنافس مع الاقتصادات العالمية. ولم تكن رعاية خادم الحرمين الشريفين الجائزة وتكريمه الفائزين، إلا رسالة واضحة لأهمية التطوير والجودة، وخاصة أن الجائزة لم تكن مقصورة على النشاطات الاستثمارية فحسب، بل تعدت ذلك إلى أنشطة أخرى أساسية تشهد تطورا وازدهارا في الخدمات مثل التعليم والصحة والتقنية، وهو ما انعكس في المنشآت الفائزة في هذه الدورة الثالثة.

المصدر : جريدة الأقتصادية - 27 أكتوبر 2016م