تحفيز الموارد البشرية وأداء المنشآت الحكومية
د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس - جريدة الأقتصادية
بعد مقال الأسبوع الفائت وصلني تعقيب من بعض الإخوة الذين ذكروا أني ركزت على النماذج السلبية في التعامل مع الموارد البشرية، ولم أتطرق للنماذج المشرقة التي تحفز القراء بصورة إيجابية. هذا الكلام صحيح جزئيا وإن كان هدف مقال الأسبوع الفائت إيضاح الفرق بين المنشآت التي ستعاني بصورة كبيرة في ظل سياسة ترشيد الإنفاق والمنشآت التي ستعاني ولكن بصورة أقل، لذا كان تركيز المقال على إيضاح أهم الفروق بينهما. ولهذا ختمت المقال بالقول إن الفترة المقبلة ستكون ساحة لظهور الاختلافات بين المنشآت الحكومية التي لديها كفاءات بشرية مؤهلة وبين المنشآت التي ما زالت في مرحلة الصدمة ولم تستثمر في الكفاءات المؤهلة لأنها تعتقد أن المال كفيل بحل كل مشكلاتها.
البعض من القراء كان سلبيا جدا في نظرته للعمل الحكومي في ظل كثرة الأخبار السلبية التي وافتنا بها وسائل الإعلام المختلفة من صور لفساد العمل الحكومي خصوصا خلال الأسبوع المنصرم.
البعض ذكر أنه قد لا يكون هناك اختلاف حقيقي بين المنشآت التي لديها موارد بشرية مميزة والمنشآت التي تفتقد الموارد البشرية الخبيرة لأن التحرك الإداري في نطاق العمل الحكومي محدود. فمثلا لا يمكن استحداث طرق لزيادة دخل المنشأة إلا عبر الرفع للجهات الرسمية ما يتطلب معاملة قد تأخذ عقدا من الزمان. فلا يمكن تطوير العمل الحكومي لكون الإجراءات محددة ولا يمكن تجاوزها بل إن تجاوزها في بعض الأحيان يعتبر ضربا من الفساد.
قد أختلف مع هذا الرأي لأن الفروقات ستظل موجودة بين مسؤولي المنشآت التي لديها موارد بشرية تتمتع بالقيادة وبين المنشآت التي تفتقد الموارد البشرية المحفزة. فمثلا، المنشآت التي لديها قادة حقيقيون ستكون قادرة على تحفيز العاملين لديها بصور وأشكال أخرى ليست مادية بالضرورة. فمفهوم القيادة ومدى القدرة على إلهام الآخرين للعمل جزء رئيسي من نجاح القائد. هذا التحفيز يتم عبر توفير البيئة الإيجابية المحفزة للبذل والعطاء. الشخصية القيادية قادرة على أن تجعل هناك تناغما بين أهداف منشآتهم وأهداف العاملين لديها.
لذا فإن المديرين القياديين سيكون لهم التأثير الأقوى على موظفيهم بصورة مباشرة وغير مباشرة خلال الفترة المقبلة وذلك عبر فرض احترامهم وشخصياتهم وتحفيزهم بطرق إبداعية حديثة. هذه الشخصيات بإمكانها تشجيع موظفيها على الاستفادة من خبراتها وطريقة إدارتها ما يشعر الموظفين أثناء تأديتهم أعمالهم بأنهم في دورة مجانية في كيفية التعامل مع مختلف الأحداث والظروف.
لذا فإن الفترة المقبلة ستكون مساحة للاختلاف في أداء المنشآت الحكومية وفقا لتوافر القادة القادرين على التكيف مع التغييرات المالية واللوجستية وبين المديرين الذين ينظرون للموظفين كأدوات لتنفيذ أجندة شخصية أو أقل ما يقال عنها أجندة غير مهنية.
باختصار، التأثير المبني على قوة شخصية القائد علميا وعمليا بغض النظر عن التغيرات المحيطة ببيئة العمل سواء كانت مالية أو غيرها، سيحقق نجاحات حقيقية خلال الفترة المقبلة لكون منبع التأثير في شخصية القائد وليس بالضرورة الأدوات التي لديه.
لا شك أن هناك أنماطا أخرى للشخصيات القيادية كالشخصية التي تستخدم سياسة العصا والتهديد لتحقيق أهداف المنشآت التي يعملون فيها. هذه السياسة قائمة على استخدام صلاحيات التهديد والتخويف كرفع شعار الخصومات والإنذارات أو التقييم السنوي. هذه السياسة لم تنجح خلال فترة الوفرة المالية فضلا عن أن تنجح أثناء فترة محدودية الميزانيات لأن طبيعة العمل الحكومي لا تشجع على نجاح مثل هذه السياسة خصوصا أن الأوراق التي لدى مدير الإدارة الحكومية ستكون محدودة أكثر. فمثلا في السابق وفي ظل تعدد البدلات وساعات العمل الإضافي والانتدابات كان بعض مديري الإدارات يستخدمونها كأدوات للتحفيز، لكن لم يعد لهذه الأدوات تأثير الآن في ظل توقف معظمها فلم يعد هناك ما يخسره الموظف. لذا سيعاني هذا النوع من المديرين ضعف تأثيرهم في موظفيهم خلال الفترة المقبلة لمحدودية أثر الأدوات التي سيستخدمونها.
لذا ستبقى القيادة بالتحفيز والإلهام أساسا في إدارة العمل مستقبلا، وإن كنت لا أزعم أنها ستحفز كل العاملين لأنه سيظل البعض – وإن كان قليلا – لا يمكن تحفيزهم إلا بسياسة العصا وإن كانت مكسورة.
المصدر : جريدة الأقتصادية - 1 نوفمبر 2016م