منصور الزغيبي - جريدة الحياة

عدد القراءات: 1211

إن الأخلاق هي أساس وجوهر القانون، وبه يتحقق مقصد العدالة وتقوم أركانه ويظهر أثره، وإلا تحول القانون غطاءً للعبث والممارسات الكارثية. ومن أبرز القوانين الحديثة الصادرة التي من المناسب الإشارة إليها، القانون الذي يعرف اختصاراً بـ«جاستا»، الذي خالف العرف القانوني الدولي وانتهك سيادة الدول، وكسر المبادئ والمفاهيم الأخلاقية، وهنا في ظل هذه الظروف الراهنة والاضطراب الذي يعيشه العالم نحو القيم، يأتي دور علماء الأخلاق والقانون لتعرية هذه الأزمات والقضاء عليها، من خلال رفع الوعي الأخلاقي والقانوني، ورفض كل ما يخالف ذلك بكل الوسائل القانونية والنظامية المشروعة، لحماية العالم والأجيال من التضليل والعبث والكوارث.
وقواعد الأخلاق هي التي تحكم صياغة القوانين واللوائح وإصدارهما روحاً ومعنوياً، ومن خلاله يتحقق أثره على أرض الواقع، وتزداد ثقة الناس بالقوانين، بحكم ما تحمل من قيم صريحة وضمنية.
ولذلك فإن الأنظمة السعودية لاحظت ذلك وأبرزته، فعملية اختيار القضاة في المملكة العربية السعودية مرسومة وفق إجراءات معيّنة، ومن أهم معايير الاختيار للقضاة الاستمساك بالفضيلة، والعدل، والحيدة، والحلم والصبر وسعة الصدر وعدم القلق، والتحكم في العواطف والاستقامة، وأن يكون ذكياً ولديه سعة الإدراك عالية، ويتميز بقوة الاستدلال والقدرة على استنباط الحكم، وأن يكون واسع الاطلاع ولديه الخبرة العميقة.
ومن المعلوم أن من أهم الفوارق الجوهرية بين القانون والأخلاق أن الأول يتضمن إيقاع العقوبة، بينما الأخلاق لا يتبعها ذلك، وإنما مقصورة على تأنيب الضمير والندم ورفض المجتمع له. وفي هذا السياق، حتى مسألة إيقاع العقوبة على الجاني الهدف منها إصلاح الجاني، والانتصار للمجني عليه، ورد حقه الطبيعي، وكف الجاني عن الأذى وتأديبه، وأن يأخذ الآخرون العظة والعبرة من ذلك.
وبالمناسبة، من خلال البحث والتفتيش عن المؤلفات المختصة في ذلك وجدتها شبه معدومة ونادرة، وفي الفترة الأخيرة صدر كتاب جديد بعنوان «القيم في الأنظمة العدلية في المملكة العربية السعودية»، وهو عبارة عن دراسة استقرائية شاملة للقاضي الدكتور السعودي حمد الرزين، وهي رسالة دكتوراه مميزة وتعتبر الأولى، سلّط الضوء فيها على جمال أنظمة المملكة وما تضمنته من قيم عظيمة وعميقة، وهو من مطبوعات الجمعية العلمية القضائية السعودية. وتناول المؤلف فيه أهمية هذا الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومفهوم القيم وخصائصه وأنواعه، ولمحة عن القوانين العدلية في العصر الحديث، والتعريف بقوانين المملكة العربية السعودية. وفي الباب الأول تناول حقيقة القيم في الأنظمة العدلية، ومصادرها. وفي الباب الثاني كذلك تناول أثر القيم في الأنظمة العدلية وتطبيقاتها.
خلاصة القول، إن العالم يعيش اضطراباً في المفاهيم والقيم، وتغيّر الكثير منها واستغلال القوانين بطريقة غير أخلاقية، مع أن الواجب العكس، وهذا يستدعي عودة الأخلاق لحماية الأجيال من آثار ذلك، وهذا يكون من خلال بناء جيل أخلاقي، وتعزيز الفضائل لديهم، وتأسيس القدوات. ومن الضروري إبراز جمال القوانين، ومدى عمق التزامها بالقيم الأخلاقية التي تحمي الإنسان وتنتصر له من الظلم ومن كل ضرر.

المصدر : جريدة الحياة - 14 نوفمبر 2016م