أحمد الجميعة - جريدة الرياض

عدد القراءات: 1104

الفساد لا يفرّق بين مجتمع شمولي وآخر ديمقراطي، وإنما بتوافر الظروف المساعدة على ظهوره وانتشاره في صور متعددة، وهو ظاهرة عالمية مركبة ومعقدة ومتداخلة في عواملها، ودوافعها، والجهات المرتبطة بها، وعلى صلة دائمة بضعف الأنظمة، ومستوى التنسيق بين الجهات الرقابية، وهنا يكمن الخلل الذي لم نستطع طوال ست سنوات من إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن نستدركه، أو نواجهه، حيث ما زالت الأنظمة دون المستوى التي ترقى للتحصين بلا ثغرات، كما أن مستوى التنسيق بين الجهات خاضع لصلاحيات محددة لكل جهة، وإجراءات طويلة جداً، وتحوطات غير مبررة أحياناً، وبالتالي توقفت هيئة الفساد عند التحري المالي والإداري، وإحالة المخالفات إلى الجهات الرقابية التنفيذية، ومتابعة التحقيق فيها، وما يستدعي التدخل والرفع إلى الجهات العليا لاتخاذ ما تراه.
هذه السلسلة الإدارية بين الجهات الرقابية (هيئة مكافحة الفساد، هيئة الرقابة والتحقيق، ديوان المراقبة العامة، هيئة التحقيق والإدعاء العام)؛ للنظر في أي قضية فساد بحاجة إلى تنسيق عاجل، مدعوماً بأنظمة واضحة، ومحدّثة، وفي مقدمتها نظام إقرار الذمة المالية للمسؤولين، ونظام القسم الوظيفي، وشموليته للجهات ذات العلاقة بالمال العام تحديداً، فضلاً عن إعادة النظر في نظام هيئة الفساد، بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030 التي ارتكزت على مبادئ الشفافية، ومكافحة الفساد، ونزاهة التحول إلى اقتصاد متعدد المصادر، وكفاءة الإنفاق، وهو ما أكد عليه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مع إعلان الرؤية من أن الفساد موجود، ولكن التحدي الأكبر هو في مواجهته.
الإشكالية أن المواجهة لم تعد محصورة في مؤسسات الدولة، وإنما أصبح المواطن شريكاً في هذه المواجهة، وهو أمر إيجابي، ومطلوب، ونحث عليه، ولكن من دون إثارة إعلامية، وضجيج ينتهي إلى حالة من اليأس والإحباط، خاصة ممن يثير أرقاماً غير دقيقة عن جهات حكومية، أو مخالفات لم يتم التثبت منها، ثم تتحول بفعل إعلام مضاد إلى قضية رأي عام، وانتكاسة في ردة فعل غير واقعية، مدعومة بتخرصات واجتهادات النخب الفكرية والإعلامية في المجتمع، ونصل في النهاية إلى طريق مسدود، وظنون وهواجس وشائعات لا ترقى مطلقاً للحقيقة فضلاً عن تصديقها.
هيئة مكافحة الفساد ليس مطلوباً منها أن تدخل طرفاً في مواجهات إعلامية حول قضايا تفصيلية لا تفيد، أو تقتات عليها، أو تستغلها للاستعراض على مسرح الإعلام الكبير، وهي تدرك أنها تعاني من جهات حكومية لا تستجيب لها، ولا تبادر معها، ولهذا يجب أن يبقى دور هيئة مكافحة الفساد رصيناً على المستوى الإعلامي، وتبتعد عن أي حالة جدل مجتمعي تجاه أي قضية مثارة، ولا تتسابق في التعليق عليها، أو جرّها إلى صراع لا يليق، وهذا ما نراه في الإدارة الحالية لهيئة مكافحة الفساد من أنها أكثر هدوءاً وتعقلاً وحكمة في التركيز على الإستراتيجيات من دون الدخول في التفاصيل، أو معترك الإعلام، أو ما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن، على هيئة مكافحة الفساد أن تتحرك سريعاً مع الجهات العليا للدولة في تنسيق جهودها مع الجهات الرقابية الأخرى، وحل إشكالات التأخير في الاستجابة لمطالبها، وتساؤلاتها، وأن تعجّل بمشروع إقرار الذمة المالية للمسؤولين، وتحدّث نظامها الحالي تبعاً لذلك، واقتراح ما يمكن تعديله من أنظمة أخرى تتعارض معها، وهو ما يجعلنا مطمئنين وفق رؤيتنا الجديدة أننا نسير في الاتجاه الصحيح.

المصدر : جريدة الرياض - 16 نوفمبر 2016م