عدد القراءات: 1438

شكلت كارثة سيول جدة رأياً عاماً موحداً ضد الفساد وأوجد عزيمة وطنية نحو اجتثاثه من أطنابه ونوه المشاركون في ندوة الجزيرة التي حملت عنوان (حماية النزاهة ومكافحة الفساد) بأن الفساد بكافة أشكاله أخذ في النمو السريع بناء على تقارير هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة ما يستلزم منح صلاحيات واسعة لمجلس الشورى ودعم الأجهزة الرقابية كديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق كذلك مشاركة المجتمع المدني من خلال إنشاء الجمعيات وإجراء الدراسات واستطلاعات الرأي العام وخرج المشاركون في الندوة بعدد من التوصيات المهمة منها تعزيز الأجهزة الرقابية مثل هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة ودعمها بزيادة صلاحيتها والكوادر البشرية وتفعيل قرار إنشاء إدارة الرقابة الداخلية في جميع المؤسسات وتقوية صلاحياتها:

 (الجزيرة): كثر الحديث عن الفساد وظهرت تعريفات عدة فما هو تعريف الفساد؟

د. صالح الخثلان:

في البداية أشكر صحيفة الجزيرة على تنظيم هذه الندوة ضمن إطار حملة الرأي العام التي تشهدها المملكة بسبب كارثة جدة، والتوجيه الكريم من القيادة لمعالجة أسباب ما حدث في جدة. وتعريف الفساد – بإجماع الآراء – هو إساءة استخدام الوظيفة العامة، واستغلالها لأغراض شخصية، ويجمع على ذلك حتى المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسواهما من منظمات الشفافية العالمية.

أما عن أشكال الفساد؛ فالفساد كل لا يتجزأ كأن نقول: الفساد الإداري والفساد الأخلاقي. وأرى أنه قد زاد في السنوات الأخيرة، ويتضح ذلك في تقارير ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق التي تشير إلى حالات نمو الظاهرة. وقد لاحظنا في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان العديد من أشكال الفساد كشفتها وسائل الرأي العام؛ ففي تقرير الجمعية الصادر قبل أشهر تناول ظاهرة الفساد بالتفصيل.

الأستاذ محمد الحسين:

يعرف الفساد بلغة عالمية موحدة فجميع الاتجاهات تتفق في تعريف الفساد من إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص؛ وللفساد أوجه وأشكال عدة منها الفساد الاقتصادي والفساد الإداري والاجتماعي أضف إلى ذلك الفساد السياسي وحتى على المستوى الشعبي والعامي فكلمة فاسد دائماً توحي بالنتانة والرائحة الكريهة التي يجب الابتعاد عنها وما نلاحظه مؤخراً أن هذا العفن زاد وانتشر واتخذ طرقا وسبلا جيدة وصلت في هذه المرحلة إلى فساد يقتل ويشرد أهل هذه البلاد فما حصل في جدة هو تجسيد للفساد بكل ما يعنيه

الإعلامي عبدالله الكويليت:

لا أزيد على ما قاله الزملاء حول تعريف الفساد وإنما أرى مظاهره واضحة للعيان، وقد بلغ مرحلة يجب عندها الوقوف في وجهه ومحاربته والقضاء عليه والفساد ينتشر في جميع الدول منذ وُجدت الخليقة، وفي الدول المتقدمة هناك ضوابط ومؤسسات تراقب هذا الفساد، منها مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الحكومية، وكلها تراقب وتضبط الفساد، أما لدينا فإننا -وأقولها بكل صراحة- لم نسمع يوماً ما أن هناك مسؤولا رفيع المستوى حُوكم بما اقترفته يداه وأفضل طريقة لمحاربة الفساد هي الاعتراف أولاً بوجوده؛ فنحن لسنا بدعاً بين البشر مبرئين من الزلل ومثاليين كما في المقولة المتداولة بيننا بأننا مجتمع له خصوصيته أو كأن لنا أجنحة ملائكية! نعم هناك فساد، وفساد شرس، وفساد يقتل، وفساد مدعوم، وهناك فساد له صولته وسلطته، وهناك مَن يحاول أن يشرعه بالالتفاف على القوانين والنظم.

لذلك يجب أن تقوى مؤسسات المجتمع المدني، وأن تؤسس عبر الإنترنت والإعلام جمعيات لمحاربة الفساد؛ فمثلاً البيئة في مدننا، وخصوصاً الساحلية، نجد فيها التعدي على الأراضي وتجارة العمالة والالتفاف على النظم. يجب أن نبدأ من هنا، وما لم توجد رقابة فأعتقد أن الفساد سيستشري ويتعاظم، وما لم نشر إليه وإلى مَن ارتكبه فإننا كمبلط البحر، وعدا ذلك فإنه يفرق عواطفنا ولا يقدم أي خير لنا.

الجزيرة: أجهزة الرقابة الموجودة كهيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة وغيرها، هل عجزت عن أداء دورها المنشود، وأين يكمن الخلل؟

د. صالح الخثلان:

بهذا الخصوص قد أشار الأستاذ أسامة فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة في تقريره السنوي المرفوع إلى خادم الحرمين الشريفين إلى ضعف أداء الديوان، وطلب توسيع صلاحياته ليقوم بمهامه، كذلك هيئة الرقابة والتحقيق؛ لأن مثل هذه المؤسسات تعاني ضعفاً في عدد وتأهيل الكوادر البشرية والإمكانات التقنية ومحدودية صلاحياتها هذا على الجانب الرسمي، أما الآلية لمكافحة الفساد فهي غائبة، وهي تتمثل في الرقابة الشعبية عبر مجلس الشورى، وللأسف أن مجلس الشورى لا يمتلك الصلاحيات التي تمكنه من القيام بهذا الدور، ولو ظل كذلك فلن يستطيع فعل شيء، ولن نحارب الفساد وسنظل نعاني منه ومن تبعياته.

كذلك لابد من وجود مؤسسات الرأي العام لتقوم بقياس انتشار الفساد وأشكاله من خلال الاستبيانات ووسائل قياس الرأي العام.

الأستاذ محمد الحسين:

أن يصدر تقرير من منظمة الشفافية العالمية يعطي المملكة المرتبة 78 من 160 ماذا يدل عليه؟!..

كلنا مجمعون على وجود الفساد، ومنذ زمن، لكن الآن أصبح هناك قنوات إعلامية قوية تسلط الضوء عليه وتحث على اقتصاصه وقد تضاعفت حركة إظهاره مع نشاط مواقع الإنترنت التي كسرت احتكار الصحف الورقية للمعلومات بل أصبحت تكشف الحدث بكافة جوانبه وفي نفس الوقت أما سابقاً كانت الأخبار الرسمية والصحف هي مصدر المعلومة، التي كانت دائماً تصف كل حدث بأن الأمور تسير على خير، على سبيل المثال: اطلعت على خبرين في إحدى الصحف السعودية الأول عام 1400هـ لمسؤول في أمانة جدة يقول: سننتهي قريباً من تصريف السيول في شوارع جدة وما اعتمد لذلك 600 مليون ريال والخبر الثاني عام 1415هـ تصريح لأمين جدة بأنه تم اعتماد مبالغ لتأهيل الصرف الصحي، وقد وضعنا الخطط لإنهاء المشروع خلال ثلاث سنوات.. ومرت السنوات، واتضح أنه لم يتم شيء من المشروعين، فلماذا لا يحاسب المسؤول المقصر؟ أليس ذلك فساد؟ والسبب أن المحاسبة غائبة، والفساد موجود ويعرف من زمن ولكن لا يثار -للأسف- إلا عند حدوث كارثة. ويبلغ الأمر أن تتدخل أعلى سلطة في البلد لإيقاف هذا الفساد؛ ففي كارثة جدة اتضحت فداحة ما يجره الفساد من إزهاق للأرواح وضياع للمقدرات العامة والخاصة.

وأشير هنا إلى نقطة أشار إليها الدكتور صالح، وهي أن ديوان المراقبة العامة أورد في تقريره أن صلاحياته ضعيفة، وأنه ينشد توسيعها، ونحن لا نعلم ما هي صلاحياته؛ لنحكم بمدى فعاليتها من عدمها، وهذا التقرير لم نسمع سوى أنه رفع إلى الملك – حفظه الله – ثم نوقش في مجلس الشورى، ولكننا لا ندري ماذا بعد!

ومن واقع عملي السابق في إحدى الجهات الحكومية انصب اهتمام ديوان المراقبة على متابعة الحضور والغياب للموظفين بشكل عام. أعتقد أن هناك قصوراً في الأنظمة الرقابية، ونقصاً في اللوائح التنظيمية؛ فالنظام لا يغطي بشكل عام كل الإجراءات منذ بداية الإجراء حتى اكتماله، فالأمر متروك للتأويل والاجتهاد وهذه ثغرات عرفت واستغلت أسوأ استغلال لنشر الفساد وتقرير المنظمة العالمية أعطى كل ذي حق حقه.

د. صالح الخثلان:

ما ذكره الأستاذ محمد حول عدم صدور لوائح تنفيذية للأنظمة يشير إلى أن هذا منفذ لاستغلال السلطة، وذلك يعد نوعاً أو صورة من صور الفساد، ومن المؤسف أن بعض المسؤولين لا يحرصون على صدور هذه اللوائح التنفيذية لأمر في نفس يعقوب! وذلك على الرغم من أن المنصوص عليه أن أي نظام يجب أن تصدر له لوائح تنفيذية خلال فترة محددة، ولكن – للأسف – تمر سنوات وسنوات دون صدور اللوائح، وهنا يفتح المجال أمام الاجتهاد الذي قد يصيب، وقد يخطئ، وقد يستغل.

محمد الحسين:

في المنظومة التراتبية الإدارية هناك نظام ويهدف للتشريع ثم اللائحة التنفيذية، وتهدف إلى تحويل هذا التشريع إلى برنامج وخطة عمل واضحة ثم تأتي السياسات والإجراءات التي تحدد كل إجراء بالتفصيل، ووفق جداول ومعلومات وبيانات محددة، وتلخص باسم إجراءات العمل، بل للأسف هناك لائحة تنفيذية أعدت بإضافات لم يشرعها النظام وقد ذكر ذلك في إحدى الصحف الرئيسة صراحة وتمت الإشارة إلى المخالفة للنظام وهي حتى هذه الساعة فاعلة ولم يوقفها أحد فمن المسؤول وأين الجهة الرقابية؟ أليس هذا من أهم أدوارها! وليس لدي سبب إلا أن المسؤولين على رأس العمل فوق المساءلة، وأن الجهة الإدارية المسؤولة لم ولن تلاحظ!.

عبدالله الكويليت:

نحن نتحدث بفرح عن حوكمة الشركات، فإذا كنا نطالب الشركات والمؤسسات بالشفافية والحوكمة، فمن باب أولى نطالب بحوكمة القطاعات الحكومية وأنظمتها التي نتعامل معها كأنها قدر محتم علينا الانصياع له.. ما زالت المناقصات والرقيب المالي والإجراءات وشركات مقاولات معينة تفوز بكل المشاريع فعندما نقول عندنا فساد فإنه يكون عندنا فساد مدعوم، بمعنى أن هناك جهات متنفذة وقوية جداً تستفيد من هذا الفساد وشريكة فيه، ما دام هناك غياب للرقابة أياً كانت. وأنظمة وزارة المالية في الدرجة الأولى يجب أن تراقب، ونظام المشتريات يجب أن يعاد النظر فيه، ونظام طرح المناقصات يجب أن يعاد من جديد وأن يراقب، ويجب أن يحصر عدد الشركات التي تفوز بنصيب وافر من المشاريع الحكومية ومعرفة الأسباب حول ترسية عدة مشاريع لشركة واحدة وما لم يكن هناك (برلمان) مجلس شورى قوي يسائل ويحاكم هذا الوزير وذاك؛ فلن تكون له هيبة حتى يخشى المسؤول أن يُستدعى إلى مجلس الشورى ويفكر ألف مرة قبل أن يوقع على مناقصة أو قرار أو مسودة مشروع؛ فالركون إلى الضمير وحده لا يكفي.

كما أنوه إلى أن تفعل أجهزة المجتمع المدني ويتاح لها المجال؛ فهي تحارب حتى داخل مجلس الشورى؛ فهي المنفذ الحقيقي، وأضرب مثلاً بالاتحاد السوفيتي الذي سقط بسبب حجب رقابة النقابات عن الحزب، ليس لضعف الحكم بل بسبب عدم الرقابة. يجب أن نبدأ بالقمة من مجلس الشورى؛ ليمارس الرقابة بقوة.

 الجزيرة: ما المخاطر والمساوئ التي يخلفها الفساد؟

د. صالح الخثلان:

 المخاطر عالية وعلى جميع المستويات: الاقتصادي، والسياسي، والإداري؛ فالفساد يشكل خطراً على النظام السياسي من ناحية قبول الشعب له وفقدان الثقة به، وهذا أعظم خطر للفساد الذي تعانيه معظم دول العالم الثالث. وعلى المستوى الاقتصادي يشكل هدراً لمقدرات المواطنين بسرقة المال العام الذي هو حق للجميع، وليس لفرد أن ينفرد به، مع تعطيل الخدمات أو إنجازها بمواصفات سيئة وتأخير الاستفادة منها، إضافة إلى فقد الثقة العالمية وعرقلة الاستثمار الأجنبي نتيجة السمعة السيئة؛ فتتعطل نواح تنموية، وللأسف كأن الفساد أصبح أمراً مسلّماً به ومقبولاً في أوساط المجتمع؛ فالكل يحاول أن يحقق ما يبتغي بأي وسيلة، ولا ينظر أبعد من ذلك.

محمد الحسين:

مما يحز في النفس أننا نرى الفساد يومياً أمام أعيننا. وكما ذكر الدكتور صالح أنه أصبح سلوكاً بل وينتقد صاحب المنصب إن لم يتخذه منفذاً لاستغلال سلطته لتحقيق مصالحه الخاصة وممارسة الفساد والسكوت عنه يصيب الوطن بمخاطر جسيمه فيؤدي إلى الاستهتار بالقوانين والأنظمة والتشكيك بها وخرقها باستمرار، وإلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية والروحية فيه كالثقة والأمانة ويضعف النمو الاقتصادي من خلال انعكاس الرشوة على الكلفة الاجتماعية والاقتصادي