عدد القراءات: 2173

دعا أول تقرير للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة صدر أمس إلى إنشاء محكمة أو مجلس أو هيئة عليا تختص بالفصل في دعاوى مخالفات القواعد الشرعية، المتعارضة مع النظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها المملكة، ويكون لقرارها أو لحكمها حجية في محو آثار تلك المخالفات، إذ إن ما يتناوله النظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية من حقوق وضمانات لن يتحقق إلا بوجود هذه الجهة التي يقتصر اختصاصها على رعايته، وغياب هذه الجهة لا يوفر آلية يعتمد عليها في تطبيق الحقوق الأساسية الواردة في هذه الأنظمة والاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة.
وطالب التقرير بتعزيز مبدأ المساءلة في كافة الأجهزة الحكومية وخاصة المعنية بالضبط لمنع إساءة استخدام السلطة والنفوذ، وأكد على تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في العمل والحوار واحترام حرية الرأي والدفاع عن الحقوق.
كما دعا التقرير إلى مبادرة مجلس الشورى بالإضافة إلى الهيئات ذات العلاقة إلى الاهتمام بسد النقص في التشريعات الوطنية في الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان ومواءمة الأنظمة القائمة مع ما صادقت عليه المملكة من اتفاقيات دولية في هذا الشأن وإزالة ما قد تشمله من نصوص تنتقص أو تتجاوز على أي حق من حقوق الإنسان.
وشدد على تعزيز استقلال القضاء وحماية القضاة من التدخل والتأثير ومحاسبة المقصرين منهم مع اتخاذ كافة الإجراءات التي تطمئن المواطن والمقيم إلى ذلك والاستمرار في تطوير القضاء والإسراع في إعادة هيكلته مع زيادة أعداد القضاة لمعالجة ظاهرة الـتأخير في البت في القضايا, وتفعيل تطبيق الأنظمة العدلية وتطوير التفتيش القضائي.
واقترح إعداد مقرر دراسي جامعي يسمى “حقوق الإنسان في المملكة” يصبح تدريسه إلزامياً على كل طلاب جامعات المملكة. على أن يُدرس هذا المقرر مع التعمق لطلاب الكليات العسكرية والأمنية ولطلاب المعهد العالي للقضاء، وعقد دورات تدريبية منتظمة حول موضوع حقوق الإنسان لأجهزة الدولة المعنية بالموضوع.
وأوصى التقرير بالمبادرة إلى معالجة شكاوى وتظلمات المواطنين المنتسبين لبعض المذاهب في البلاد سواء كانت إدارية أو ثقافية تتعلق بتمتعهم بكامل حقوقهم الوطنية.
وقال تقرير جمعية حقوق الإنسان إنها رصدت ممارسات من بعض فئات المجتمع تتضمن التفرقة بين مواطني الدولة على أساس المنطقة أو القبيلة أو المذهب أو الأصل مما يهدد وحدة الشعب ويؤثر سلباً على مفهوم الانتماء إلى الوطن كما يعزز العصبية والانتماء إلى جماعات عرقية أو إقليمية، وذلك رغم ما تبذله الدولة من جهود كبيرة في سبيل محو هذه العادات التي تتنافى مع قيم الدين الإسلامي، ويتطلب العلاج أولاً التوعية بمدى فداحة هذه الأمور ومخالفتها لقيم الدين، وثانيا سن عقوبة نظامية تطبق على من يصدر عنه أفعال أو أقوال ماسة بالمساواة، وليس هذا الأمر جديداً فقد عرفت الشريعة الإسلامية حالات عديدة عوقب فيها من تكبر وانتقص غيره بأصله أو لونه أو عرقه.
كما ورد إلى الجمعية العديد من الشكاوى الخاصة بالجنسية وتشمل أفراداً سحبت هوياتهم دون سبب معروف ولم يمنحوا أي سند دال على جنسيتهم السعودية. وعلمت الجمعية أنه تم سحب جنسية هؤلاء نتيجة بلاغات تفيد بعدم نظامية حصولهم على الهوية الوطنية. وذكرت بعض هذه الشكاوى أنهم أقروا بذلك بسبب الإكراه بعد القبض عليهم، وقدم بعضهم أوراقاً تفيد بأنهم خدموا في وظائف حكومية لمدد طويلة، وقد ترتب على سحب الجنسية منهم تركهم بدون جنسية منذ أكثر من 15 عاماً، ولديهم أوراق تفيد بأنهم سعوديو الأصل والمنشأ والولادة، ولا يزال شيوخ قبائلهم يشهدون ويؤكدون تلقت أنهم من أصول سعودية ومع ذلك لم يحل وضعهم حتى الآن.
كما توحد شكاوى تخص أشخاصاً تقدموا إلى اللجنة المركزية لحفائظ النفوس لتصحيح بيانات هوياتهم عملاً بالأمر السامي رقم 8/471 وتاريخ 16/6/1410هـ ولكن سحبت هوياتهم ولم ترد إليهم بزعم عدم ثبوت انتمائهم القبلي السعودي، وأشخاصاً ولدوا في المملكة دون الحصول على أية جنسية لأسباب تتعلق بالأم أو الأب، وأشخاصاًَ آخرين يسمون بالحلفاء ويحملون بطاقة الخمس سنوات ولم يمنحوا الجنسية السعودية رغم الأمر السامي رقم 8/786 وتاريخ 11/9/1422هـ الذي قضى بأن من يحمل البطاقة ذات الخمس سنوات وهو ينتمي إلى إحدى القبائل ذات المنشأ السعودي يمنح وأسرته الجنسية السعودية بموجب المادة 9 من نظام الجنسية.
وأوصى التقرير بالنظر في قضية البدون سواء من أبناء البادية أو القبائل النازحة أو المقيمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ سنوات طويلة دون هويات وتصحيح أوضاعهم بما يضمن حقوقهم ويحول دون الآثار السلبية لوضعهم غير القانوني، وطالب بتفعيل محاسبة المقصرين والمتجاوزين للأنظمة.
واقترح تعيين مُنسق لحقوق الإنسان في الأجهزة الحكومية يكون همزة الوصل بين الجمعية والجهاز الذي يعمل به، وأن يتم البدء في ذلك بالأجهزة الأساسية مثل وزارة الداخلية ووزارة العدل وإمارات المناطق.
وشدد على تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بمعالجة قضية البطالة وحماية العاطلين عن العمل من خلال الإعانات المالية أو أي حلول أخرى تحقق الأهدافالمرجوة، وأكد الاستمرار في طرح البرامج الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين ذوي الدخول المتدنية.
كما رصدت الجمعية بعض الانتهاكات لضوابط المحاكمة العادلة، منها عدم المساواة بين الرجل والمرأة في بعض الحالات، حيث لا يسمح للمرأة بالحضور إلا بولي أمرها أو محرم لها، مما يعطل حقها في التقاضي، كما ينظر إليها بشك في الدعاوى الزوجية، وأنها تفتعل المشاكل للطلاق من زوجها، وبالتالي لا تحصل على الطلاق، في بعض الحالات، إلا بعد مدة طويلة في التقاضي، وقد يجبرها ذلك على التنازل عن بعض حقوقها من نفقة أو مؤخر الصداق أو حضانة الأبناء، لتحصل على الطلاق.
ورأت الجمعية أنه عندما يكون أحد أطراف الدعوى امرأة فإنها أحيانا لا يعطى لها هذا الحق، ويفرق بالتالي بين الرجل والمرأة بهذا الشأن، ويصل الأمر أحياناًإلى أنه لا يسمع منها كل ما تطلبه, ومع ذلك فقد رصدت الجمعية تقدما في تمكين المرأة من حقوقها في التقاضي في بعض المحاكم وإن لم يشمل ذلك كل مناطق المملكة، وتبذل وزارة العدل جهوداً مقدرة في هذا المجال.
وأشار التقرير إلى أن المظاهر التي تنتقص من حقوق المرأة في المملكة منها عدم تمكين المرأة الراشدة من التصرف، تبرز بين الحين والآخر في بعض الحالات, إلاَّ عن طريق ولي الأمر أو الوكيل، مما يضر بها في كثير من الأحيان، ويعمق النظرة الدونية لأهليتها الشرعية والنظامية، حتى لو أرادت رفع دعوى أمام القضاء والاشتراط على المرأة أياً كان سنها ومؤهلها العلمي موافقة ولي أمرها على حصولها على بطاقة الأحوال الشخصية أو جواز السفر، وبالرغم من التسهيلات والتوجيهات الأخيرة الصادرة من الجهات المختصة في هذا الشأن إلا أنه لا يزال حضور ولي الأمر ضروريا فإن لم يكن للموافقة على إصدار بطاقة لهافمن أجل التعريف بشخصيتها أمام الموظف المختص أو حتى القاضي, وتمييّز نظام الجنسية السعودي بين الرجل والمرأة، بإعطاء الرجل حق منح جنسيته تلقائياً لأولاده من زوجته الأجنبية دون قيد أو شرط، ومنع المرأة السعودية من حق منح جنسيتها لأولادها من الرجل الأجنبي، كما منح النظام الرجل حق منح جنسيته للزوجة الأجنبية بعد استيفاء عدد من الشروط، في حين منع المرأة من حق منح جنسيتها لزوجها الأجنبي.
كما تعاني المرأة من ضيق في مجال التعليم، بسبب محدودية مجالات التخصص في المعاهد والكليات والجامعات ومراكز التأهيل الفني والمهني. إذ تقتصر التخصصات على مجالات محدودة في الآداب والطب والتمريض والخدمة الاجتماعية، وأضيف حديثاً تخصص القانون في بعض الجامعات، ولكون سوق العمل بحاجة إلى مهارات ومعارف وتقنية جديدة فلا بد من التوسع في فتح مجالات التخصصات العلمية الحديثة المعاصرة للمرأة التي تناسب طبيعتها وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية،حتى تتمكن من الولوج إلى سوق العمل, والمعاناة من تعسف الذكور في التعامل مع المرأة، فبعضهن تجبر على الزواج أحياناًويرفض زواجها بمن تريد أحياناً أخرى. كما أن تعليمها وعملها ونشاطها العام وحركتها مرهونة بمحرمها الذكر مهما كان سنه أو مؤهله الدراسي ومهما كان سنها أو مؤهلها، ورغم أن الخلع حق شرعي ثابت للمرأة، إلا أنه تكتنفه بعض التعقيدات، وحضانة الأطفال ونفقتهم تدور وقتا طويلاً في أروقة المحاكم. ولذلك ينبغي وضع قواعد تلزم القضاء بالفصل الفوري والكلي في القضايا المتعلقة بالأسرة من طلاق وحضانة ونفقة ورؤية أو زيارة, والمعاناة من العنف الأسري حيث يشير حجم القضايا الواردة للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان اتساع حجم هذه المشكلة مما قد يجعلها ظاهرة في المستقبل يعاني منها المجتمع السعودي، ومعلوم أن قضايا العنف الأسري تتسم بدرجة عالية من الحساسية مما يحول دون الكشف عنها وهو ما يتسبب في تعرض الكثير من النساء من زوجات وأخوات وكذلك الأطفال للعنف المتكرر على يد الآباء والإخوة أو الأزواج، وقد شكلت قضايا العنف ضد المرأة والأبناء نسبة كبيرة بين القضايا التي تلقتها الجمعية، ورغم أن بعض من يمارس العنف قد يكون دون وعي منه نتيجة مرض نفسي أو تعاطي المخدرات، إلا أن هناك من الآباء ومن بيدهم حق الولاية يتعسفون في استخدام سلطة الولاية ويقومون بممارسات عنيفة ضد النساء والأطفال يتسبب بعضها في الإعاقة الدائمة أو الوفاة. وطالبت الجمعية بسن أنظمة وتشريعات تجرم العنف وتنص على عقوبات مغلظة ضد من يمارسه. كما أن هناك حاجة إلى إنشاء المزيد من دور الإيواء في مختلف مناطق المملكة، لضحايا العنف لتوفير حماية مؤقتة لهم لأن العنف الذي يقع عليهم قد يدفع بهم إلى الهروب من المنازل مما يوقعهم في مخاطر ويعرضهم للأذى.
واقترح التقرير إلغاء نظام الكفالة الذي تسبب في كثير من الانتهاكات لحقوق العمالة الأجنبية وعدم الاكتفاء بتغيير المصطلحات، ويوصي التقرير بإجراء دراسة لإيجاد بدائل له تتلافى عيوبه.
كما أوصى بتوسيع انضمام المملكة إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنفاذ مضمون الاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة في المجال الداخلي، وإن اقتضى ذلك تعديل بعض نصوص الأنظمة الداخلية حتى لا تظهر المملكة بمظهر المخل بالتزاماته الدولية.
ودعا إلى التعريف بنظام الإجراءات الجزائية وتدريب منسوبي كافة الأجهزة المعنية على تطبيقه، كأجهزة وزارة الداخلية والقضاة، وجهات الضبط الأخرى، وكذلك محاسبة كل من يخالف ما نص عليه النظام من ضوابط سواء من الجهات أو الأفراد، أدى في بعض الأحيان إلى عدم تطبيق ما جاء في النظام وإضعاف الحماية المقررة لكثير من حقوق الإنسان، واقترح إنشاء أكاديمية أو معهد لإعداد المحامين وتأهيلهم تأهيلا مهنياً سليماً.
بعد أن فرضت الدولة على الجهات ألا تقبل توظيف أشخاص إلا بعد دخولهم “مسابقة وظيفية” لدى وزارة الخدمة المدنية.
ورصدت الجمعية وجود بعض الجهات الحكومية التي لا تجري مسابقة وظيفية للمتقدمين، كما أن معيار التوظيف يختلف بين التخصصات المتقدمة، فتارة يقبل من هو أقدم في التقديم وتارة يقبل من هو أكثر في الخبرة أو الأعلى في المعدل، وتارة أخرى تدخل وساطات لتعيين من يملك معرفة مع أشخاص لهم نفوذ بحكم وظائفهم أو وضعهم الاجتماعي. كما رصدت الجمعية أن الإعلان عن بعض الوظائف العامة لا يتم بالشكل النظامي في جميع الحالات.
كما طالبت الجمعية بإعادة صياغة اختصاصات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلغة دقيقة، بما يضمن عدم إساءة استخدام السلطة المخولة للهيئة من قبل بعض منسوبيها بشكل يترتب عليه انتهاك لحقوق الإنسان.
ودعت الجمعية إلى المحافظة على الشفافية الملحوظة، وعدم محاولة التضييق على العاملين في المؤسسات الإعلامية ومنعهم من الكتابة لقيامهم بتحقيقات صحفية كشفت بعض التجاوزات أو الإهمال، مما يعتبر تعديا على حرية الصحفيين في أداء مهامهم والمساهمة في كشف التجاوزات، عملا بما ورد في المادة 24 من نظام المطبوعات والنشر التي تنص على أن “لا تخضع الصحف المحلية للرقابة، إلا في الظروف الاستثنائية التي يقرها رئيس مجلس الوزراء”. وانتقدت الجمعية طريقة نشر بعض البيانات التي تصدرها.