عدد القراءات: 1274

المصدر: جريدة الوطن  الثلاثاء26 شوال 1431 هـ. الموافق  5 أكتوبر 2010

http://www.alwatan.com.sa/Dialogue/News_Detail.aspx?ArticleID=23682&CategoryID=4

الرياض: موسى بن مروي 2010-10-05 2:54 AM

أقر نائب رئيس “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان”، الدكتور صالح بن محمد الخثلان، بوجود تراجع في نشاط الجمعية، معللا ذلك بما أسماه “حالة الركود العامة التي يمر بها المجتمع”. معترفا في ذات الوقت بـ”إخفاق مؤسسات حقوق الانسان”، في تحقيق تقدم في مجال الحقوق المدنية والسياسية، رغم أنها تدخل في صلب المشروع الإصلاحي، لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي يؤكد الخثلان أنه وقف ضد محاولات تحييد الجمعية، وتقييد ممارساتها.

الخثلان أوضح أن “المديرية العامة للسجون”، أصبحت ترحب بزيارات أعضاء الجمعية، بعد أن وجدت في تقارير الجمعية عوناً لها .

وفيما يتعلق بـ”ضعف الوعي بحقوق الإنسان”، أرجع الخثلان السبب إلى “انقسام النخب المثقفة حول المفهوم، ووجود بيروقراطية شديدة، تجعل الإنسان لا يفكر في الاستعانة بكثير من الأجهزة الحكومية المعنية”، والتي اعتبر أنها تفتقد للحس الحقوقي، في ظل عدم وجود نصوص تشريعية دقيقة، تضمن حقوق الإنسان، مطالباً بجعل احترام حقوق الإنسان، معياراً لكفاءة الأداء، وقياس الفاعلية في الأجهزة الحكومية. وهنا نص الحوار:

يلحظ البعض تراجعاً في نشاط وحضور الجمعية في المجتمع، مقارنة بأدائها خلال سنواتها الاولى، ما سبب ذلك؟

نعم، سمعنا هذه الملاحظة، كما أننا أنفسنا لدينا مثل هذا الشعور، بالتراجع النسبي في أداء الجمعية. ولكن ومن أجل الموضوعية، لابد من الإشارة أولا إلى عدم دقة المقارنة، بين أداء الجمعية اليوم، وأدائها في السنوات الأولى لتأسيسها. فمعلوم أن البدايات في أي عمل تحمل، زخماً كبيراً، ودافعية عالية للعمل، خاصة في مجال كحقوق الانسان، حيث مثَل تأسيس الجمعية ذلك الوقت، حدثاً استثنائياً في المملكة. ثانياً، التراجع النسبي في نشاط الجمعية – اذا صح ذلك- لا يخرج عن الحالة العامة في المجتمع. فاليوم هناك حالة ركود عامة في المجتمع، مقارنة بخمس سنوات مضت. فالانتخابات البلدية تأجلت، والحراك الثقافي فقد زخمه، وحتى هامش الانفتاح النسبي في الاعلام أصبح أضيق. إذاَ مشكلة الركود عامة وليست خاصة بالجمعية. وهذه حالة يؤسف لها حقاً.

أسباب التجاوزات

هل اتضح لكم سبب أو أسباب حدوث التجاوزات للحقوق، من واقع عمل الجمعية؟

نستطيع القول أن هناك عدة أسباب لحدوث الانتهاكات، تتمثل أولاً، في غياب التشريعات التي توفر ضمانات واضحة تحمي الحقوق. وثانيا، في حال وجود بعض هذه الضمانات، يحدث الإنتهاك بسبب الجهل بها، سواء من قبل يتعرض حقه للانتهاك، أم من يمارس الانتهاك. وثالثاً، تحدث الانتهاكات نتيجة محاولة البعض ممارسة حقوق لهم، نصت عليها قواعد شرعية أو قانونية، ضمن المواثيق الدولية، التي انضمت لها المملكة، وأصبحت جزء من منظومتها التشريعية، إلا أن الممارسين للسلطة يجهلون هذه الحقيقة. والسبب الرابع، ويعد الأهم للكثير من الانتهاكات التي يتعرض لها الافراد في المملكة، يتعلق بسوء ورداءة الأداء في الكثير من الأجهزة الحكومية، وعدم وجود مؤسسات رقابية فاعلة، وهذا ما يفسر حالات الفساد والتعامل السلبي مع الأفراد، مواطنين ومقيمين، عند مطالبتهم بأبسط حقوقهم.

المعوقات

هناك معوقات كثيرة، تحد من نشاط الجمعيات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان، في كثير الدول. ما هي المعوقات الخاصة بالمملكة، على وجه التحديد؟

كثيرة هي المعوقات، و لكن أبرزها عدم وجود نصوص تشريعية دقيقة، تضمن الحقوق. نعم الإسلام يعد المرجع الأول لنا في المملكة، في مسائل حقوق الإنسان، والشريعة الإسلامية غنية بالتوجيهات التي تحفظ للإنسان كرامته و حقوقه. كما أن المملكة طرف في جملة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية، المعنية بحقوق الإنسان، ولكن يبقى هناك فراغ تشريعي واضح. النظام الأساسي للحكم اشتمل على نص عام، يشير إلى أن الدولة تحمي حقوق الإنسان، بالإضافة إلى نصوص تتضمن بعض الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، كالحق في العلاج، والتعليم، ونحوه. و كذلك نص صريح حول حرمة المساكن والمراسلات. فيما عدا ذلك لا توجد أي نصوص، تتناول بشكل صريح حقوق الإنسان، من زاوية شمولية.

بين الجمعية والهيئة

يرى البعض أن هناك ازدواجية في العمل، بين “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان”، و”هيئة حقوق الإنسان”. كيف تعالجون مثل ذلك إن وجد، وما مدى صحة حجيث البعض عن محاولة جهات حكومية، تحييد الجمعية، والاكتفاء بالتعامل مع الهيئة؟

من يقول بالازدواجية، ينطلق من افتراض أن مؤسسة واحدة كافية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهذا غير صحيح، فالمجال واسع والمهام كثيرة، وتتطلب وجود أكثر من جهة. المسألة الثانية، هي أن الجمعية جهة حقوقية أهلية، تقوم على أسس تطوعية، وجميع أعضائها غير متفرغين، في حين أن هيئة حقوق الإنسان تعد جهازا حكوميا مرتبطة بمجلس الوزراء، وموظفوها خاضعون لنظام الخدمة المدنية. ولعل المهمة الأبرز للهيئة، تتمثل في تقديم الموقف الرسمي للمملكة في مجال حقوق الإنسان، من خلال إعداد التقارير و مناقشتها في المحافل الدولية، والرد على الانتقادات التي توجه للمملكة في هذا الشأن. فيما الجمعية معنية فقط برصد وتوثيق ومعالجة الانتهاكات والتجاوزات، ومراقبة كافة الأجهزة من زاوية حقوقية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والمساهمة في اقتراح مشاريع أنظمة تعزز حقوق الإنسان في المملكة.

أما بخصوص عدم التعامل مع الجمعية، من قبل بعض الجهات الحكومية، فهذا غير صحيح، فكافة الجهات تتعامل مع الجمعية، وإن كان بعضها يتردد في قبول الدور الرقابي للجمعية. من جهة أخرى، كان هناك محاولات لتحييد الجمعية، وتقييد عملها، ولكن موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كان واضحا و جازما، حيث أكد في توجيهه الكريم رقم ( 4616/م ب) على الاستقلالية التامة للجمعية. و من زاوية سياسية أظن أن هذا التوجيه يمثل وثيقة تاريخية مهمة، في التطور السياسي للمملكة، ويعبر عن رؤية واعية بدور مؤسسات المجتمع المدني.

الإخفاقات

برأيك، ما هي أبرز الملفات التي أخفقت جمعية وهيئة حقوق الإنسان، عن تلمس الحل لها؟

الملفات التي أخفقت الجمعية والهيئة فيها، أرى أنها في الغالب تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية. وللحق أقول، إننا لا نزال في البدايات، ولم نتحرك كثيراً بسبب حساسية البعض، رغم أنها تدخل في صلب المشروع الإصلاحي للملك عبد الله.

زيارة السجون

تقارير الجمعية والهيئة، تشير إلى معالجة حالات كثيرة في السجون العامة، ماذا عن السجون ذات الطابع الأمني؟

حتى هذه اللحظة لم نتمكن سوى من زيارة السجون العامة، وقدمنا تقارير مفصلة عن أحوالها. أما بالنسبة لسجون المباحث، فتمت زيارة واحدة فقط، لمقابلة المعتقلين السعوديين العائدين من المعتقل الامريكي “جوانتانامو”، وطلبنا زيارتها عدة مرات، وموعودون بذلك. وبالمناسبة، قد تستغرب أن القليل من المؤسسات الحقوقية الأهلية في الوطن العربي، يتاح لها فرصة زيارة السجون، حتى العامة منها، ونحن نقدر لوزارة الداخلية قبولها ذلك. كما أن المديرية العامة للسجون أصبحت ترحب بالزيارات، بعد أن كانت مترددة، حيث وجدت في تقارير الجمعية عوناً لها فمعظم ما تم رصده من ملاحظات، بشأن السجناء، يتعلق بجهات غير إدارة السجون، ومنها وزارة “العدل”، من حيث التأخر في نظر القضايا، وكذلك وزارة “المالية”، التي تتحمل مسؤولية كبيرة في تردي أحوال السجون وتكدسها، بسبب عدم تخصيص الأموال اللازمة، لبناء إصلاحيات حديثة.

القضايا الملحة

ما هي القضايا الملحة، التي تعتقدون أنها تحتاج لتدخل من خادم الحرمين، لعلاجها جذرياً؟

الملك حفظه الله دعم الجمعية بشكل قوي، حين أكد في توجيهه للأجهزة الحكومية على استقلاليتها، وهذه الاستقلالية تعد مصدر قوتها، وأكد على ضرورة المحافظة عليها. أما بالنسبة للوضع الحقوقي بشكل عام، فأظن أن من أهم المسائل التي تتطلب تدخله حفظه الله، هي تضمين النظام الأساسي للحكم مواد تتناول بشكل مباشر حقوق المواطن و مسؤولياته، وإفرادها في باب منفرد في النظام. كما يمكن دعم حقوق الإنسان من خلال تعزيز مبدئي المراقبة و المساءلة، ودعم المؤسسات المعنية بهذه الأدوار، وهي مجلس الشورى، وكذلك الأجهزة الرقابية، وفي مقدمتها ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق. فبدون المساءلة والمحاسبة لكل من تولى منصباً عاماً مهما علا، فمن الصعب ضمان الكفاءة والفاعلية، واحترام حقوق الإنسان.

التجربة الحقوقية

إلى أي مدى تأثرت أفكارك حول المجتمع المحلي، بعد انخراطك في معالجة موضوعات حقوق الإنسان؟

لا شك أن سبع سنوات من العمل في أول جمعية حقوقية في المملكة، يعد تجربة ثرية، أكدت الكثير مما لدي من تصورات، كما أنها كشفت مسائل لم تكون واضحة لي، وفي مقدمتها حجم العنف الأسري في المجتمع السعودي.

تجربة العمل في مؤسسة حقوقية أكدت لي، ما سبق أن عرفته كمتخصص في العلوم السياسية، من أن المجتمع السعودي قطع شوطاً كبيراً في مجال التنمية التعليمة والاجتماعية والثقافية، بدرجة غيرت من الثقافة السياسية لدى المواطن، من الحالة التي توصف بالتبعية، إلى حالة المشاركة والبحث عن دور، وهو ما يستوجب حدوث تحولات في البنى السياسية والإدارية، تنسجم مع تلك التغيرات، بما يحقق التوازن، ويحفظ الاستقرار. كما ظهر لي كذلك، انقسام النخب المثقفة من مسألة حقوق الإنسان، فمن جانب هناك النخب المحافظة، التي تقف موقفاً سلبياَ من هذه الحقوق، فتنظر إليها كترجمة لمنظومة فكرية غربية، يراد تطويع المجتمع السعودي لها، ومن ثم تدعوا إلى الوقوف ضدها ورفضها، والاكتفاء بمجرد ترديد المقولة الجامدة، من أن الإسلام سبق الغرب في إقرار حقوق الإنسان. هذه حقيقة لا شك فيها، ولكن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم كيف نترجم هذه الحقيقة لواقعنا اليوم؟ هذا ما تقف هذه النخب المحافظة عاجزة أمامه. من جانب آخر، نجد أن ما يوصف بالنخب “الليبرالية” تتبنى موقفاً اختزاليا لحقوق الإنسان، حيث تقصرها على الحقوق المدنية والسياسية فقط، وتعيب على الجمعية أي تحرك في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الموقف الاختزالي، هو ما كانت الدول الغربية تتمسك به قبل عقود، في صراعها الأيدلوجي مع الاتحاد السوفيتي، و لكنها تجاوزته لاحقاً، وأصبحت تنظر لحقوق الإنسان من زاوية شمولية، وهذا ما نأخذ به في الجمعية.

الوعي بالحقوق

هل تعتقد أن هناك وعي بحقوق الإنسان، من الموظفين في أجهزة الدولة، ومن الأفراد المنتهكة حقوقهم؟

لا شك أن هناك معرفة بمسألة حقوق الإنسان بشكل عام، وقد زادت درجة الوعي بها في السنوات الأخيرة، و لكن حين نتحدث عن التفاصيل، فالصورة لا تبدو واضحة كما ينبغي. فمن واقع ما نرصد، وما يرد لنا من شكاوى، هناك من الأفراد من يعتقد أن أي مشكلة تواجهه، تعد قضية حقوقية، ويتوقع من الجمعية التدخل فيها، وأظن أن السبب في ذلك يعود لانقطاع المجتمع السعودي عن مفهوم حقوق الإنسان لفترة طويلة، بسبب موقف سلبي منها، باعتبارها فكرة غربية. إضافة إلى أن هناك عجز في المؤسسات التي يمكن للأفراد التواصل معها، لمعالجة قضاياهم. بعض هذه المؤسسات موجودة بالفعل، ولكنها ضعيفة الفعالية، وتحكمها ثقافة بيروقراطية شديدة، تجعل الإنسان لا يفكر في الاستعانة بها أصلا، وتصبح مصدراً لزيادة معاناته، بدلاً من أن تكون عوناً له. وبالنسبة للكثير من الأجهزة الحكومية، فأظن أنها تفتقد للحس الحقوقي، وسبق أن اقترحت أن يكون احترام حقوق الإنسان وضمانها، مؤشراَ و معياراً لكفاءة الأداء، وقياس الفاعلية في الأجهزة الحكومية.