قراءة أولية لمشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية
نشرت جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الأحد 25-3 مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية المعروض أمام مجلس الشورى لاعتماده، هذا المشروع في حال إقراره – وهو أمر متوقع – سيؤسس لمرحلة جديدة للعمل الأهلي، ونظراً لأهميته لكونه يضع الإطار التنظيمي لمؤسسات المجتمع المدني وقد يكون أهم نظام في التاريخ الحديث للمملكة، فسأسمح لنفسي بالتقدم لأعضاء المجلس للنظر في هذين المطلبين:
أولاً: عدم الاستعجال في إقرار مشروع النظام فهو يختلف تماماً عن كافة الأنظمة التي أقرها المجلس منذ تأسيسه، والحرص على منحه الفرصة الكافية للمناقشة والتداول والاستماع لكافة الآراء بقصد التعديل والتطوير بما يكفل للنظام أن يساهم في تطوير العمل الأهلي كما نص على ذلك المشروع.
ثانياً: آمل أن يتعامل الأعضاء مع المشروع من خلال رؤية إصلاحية مستقبلية يمثل فيها المجتمع المدني الركيزة الأساس، وبدونه تصبح كافة الأطروحات الإصلاحية مجرد إجراءات تطوير مؤقتة.
وفي هذا الإطار ومن أجل المساهمة في بدء نقاش يشارك فيه المهتمون من الناشطين والقيادات الاجتماعية والفكرية ومختلف شرائح الرأي العام المعنية بالمشروع فسأسجل هنا جملة من الملاحظات الأولية التي خرجت بها بعد قراءة المشروع. والقراءة الموضوعية تستوجب ذكر الإيجابيات والسلبيات في المشروع، أما الإيجابيات التي وجدتها فهي ثلاث:
أولاً: أن المشروع نظر للجمعيات والمؤسسات الأهلية من زاوية توسيع المشاركة حيث جاء ضمن أهداف النظام المذكورة في المادة الأولى (إشراك المواطن ومشاركته في إدارة المجتمع وتطويره)، وهذا ما يعزز ما دعينا له من التعامل مع المشروع كجزء من عملية الإصلاح السياسي.
ثانياً: المشروع لم يستثن أياً من الأنشطة الإنسانية التي يمكن للجمعيات الأهلية القيام بها، وإن كان قد ذكر أنواعاً منها – كما جاء في المادة الثالثة – وهي الأنشطة الدينية، الاجتماعية، الثقافية، الصحية، التربوية، التعليمية، والإبداعية، ويفهم من هذا التعداد التمثيل، وليس الحصر، وتمثل هذه المرونة في تعريف الجمعيات الأهلية إضافة حقيقية للمشروع.
ثالثاً: من إيجابيات المشروع ما نصت عليه المادة الثالثة والعشرون المتعلقة بحل الجمعية حيث كفل للجمعية التي يتم حلها حق التظلم أمام ديوان المظالم ضد قرار الحل.
أمام هذه الإيجابيات فإن هناك جملة من الملاحظات التي لا بد من الوقوف عندها والمطالبة بإعادة النظر فيها حيث تعد نقاط ضعف جوهرية في المشروع وتتعلق جميعها بالهيئة التي يؤسسها المشروع باسم الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية هدفها تنظيم العمل الأهلي وتطويره وتسهيل مهام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وحمايتها وتذليل الصعاب التي قد تواجهها.
إلا أن قراءة بقية مواد مشروع النظام توضح بشكل لا يدع مجالاً للشك أن الهيئة المقترحة ستمارس دوراً رقابياً وإشرافياً كبيراً على الجمعيات قد يلغي الهدف الأساس الذي من أجله جاء النظام وهو تطوير العمل الأهلي، هذه المواد تظهر أن دور الهيئة لن يقتصر على تنظيم العمل الأهلي كما أشارت المادة الرابعة بل سيتولى توجيهه وتقييده والتدخل المباشر فيه، وستباشر الهيئة سلطة وصاية على الجمعيات والمؤسسات الأهلية يحرمها استقلاليته، والهيئة بهذه المهام الواسعة الموكلة لها ستتسبب في تفريغ العمل الأهلي من محتواه وستحول دون نشوء المجتمع المدني المأمول، لقد أناط المشروع بالهيئة جملة من المهام ومنحها صلاحيات من أبرزها:
1 – تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية المادة (4) حيث لا يمكن أن تنشأ الجمعيات دون موافقة الهيئة عليها، وفي هذا الجانب فإن المشروع لم يحدد مدة زمنية تلتزم فيها الهيئة بالبت في طلب التسجيل مما يسمح لها بالمماطلة أمام تسجيل بعض الجمعيات، لقد كان الأولى والأجدى تقييد صلاحية التسجيل بمدة زمنية محددة (شهر على سبيل المثال) إذا انتهت المدة دون رد من الهيئة تصبح الجمعية موجودة كأمر واقع، وفي حال رفض التسجيل فلا بد أن يكون الرفض مسبباً، كما أن من الضروري حفظ حق الجمعية التي لا يوافق على تسجيلها في التظلم ضد قرار الرفض أمام جهة قضائية مثل ديوان المظالم.
2 – الموافقة على فتح الجمعيات فروعاً لها المادة (8).
3 – إلزام الجمعيات بتبليغ الهيئة باجتماعات جمعياتها العمومية قبل خمسة عشر يوما، ومنح الهيئة حق حضور هذه الاجتماعات.
4 – إلزام الجمعيات بتزويد الهيئة بصور من محاضر اجتماعات الجمعيات العمومية المادة (11).
5 – إلزام الجمعيات بتزويد الهيئة بصورة من محضر اجتماع كل جلسة من جلسات مجالس إداراتها المادة (17).
6 – حق الهيئة في الاعتراض على قرارات مجالس الإدارات للجمعيات المادة (17).
7 – حق الهيئة في تعيين مجلس إدارة مؤقت للجمعية في حالات منها: إذا خالف المجلس أياً من أحكام النظام أو أحكام اللائحة التنفيذية أو اللائحة الأساسية للجمعية المادة (17).
8 – حق الهيئة في دعوة الجمعيات العمومية للجمعيات الأهلية لاجتماعات غير عادية المادة (13)، وخطورة استخدام هذا الحق في التدخل تتضح في طبيعة المواضيع التي تبحثها الاجتماعات غير العادية حيث تختص بالمسائل المهمة والعاجلة ومن بينها: تعديل لائحة الجمعية، حل الجمعية، إبطال قرار من قرارات الجمعية المادة (14).
9 – إلزام الجمعيات بإبلاغ الهيئة بأسماء المرشحين لعضوية مجالس إداراتها المادة (17).
10 – حق الهيئة في إلغاء نتيجة الانتخابات مجلس الإدارة المادة (17).
11 – إلزام الجمعيات بتقديم تقرير سنوي يحتوي على وصف كامل لنشاطات الجمعية خلال العام المنصرم المادة (20).
12 – إلزام الجمعيات بتقديم صورة من حسابها الختامي وصورة من الميزانية التقديرية المادة (19).
13 – حق الهيئة في حل الجمعية في حالات منها: إذا خرجت عن أهدافها، أو ارتكبت مخالفة جسيمة للائحتها الأساسية، إذا خالفت النظام العام، أو الآداب العامة، أو التقاليد المرعية في المملكة. المادة (23) هذه المادة ورغم أنها قد حفظت للجمعية المعنية حق التظلم ضد قرار الحل أمام ديوان المظالم، إلا أنها تمنح الهيئة سلطة تقديرية واسعة لتحديد بقاء الجمعيات أو إنهائها، ويظهر ذلك في الطبيعة الفضفاضة والواسعة للنص (مخالفة النظام العام أو الآداب العامة أو التقاليد المرعية في المملكة) الذي يسهل إساءة تفسيره للتضييق على الجمعيات.
14 – يمنح المشروع الهيئة حق الاطلاع على دفاتر الجمعيات وسجلاتها ووثائقها التي تتعلق بعملها ونشاطها، ويلزم الجمعيات بتقديم أي معلومة أو بيان أو مستند تطلبه الهيئة المادة (40)، ولا شك أن هذا يعطي الهيئة سلطة واسعة جداً تسمح لها بالتدخل المباشر في عمل الجمعيات ويحرم الأخيرة من حق الخصوصية أيا كانت درجتها.
15 – للهيئة حق وقف تنفيذ أي قرار يصدر عن الأجهزة القائمة على شؤون الجمعية متى كان مخالفاً لأحكام هذا النظام أو القرارات الصادرة بمقتضاه أو لائحة الجمعية الأساسية المادة (40)، وهذه كذلك تعد سلطة واسعة غير مقيدة تجعل الجمعيات تحت رحمة الهيئة.
16 – لا يجوز للجمعية أن تشترك في أي مؤتمر أو اجتماع خارج المملكة إلا بترخيص مسبق من الهيئة المادة (40)، هذا الشرط هو في الحقيقة محل استغراب، ولا نرى حاجة له، وتجربة الحصول على موافقات مسبقة لحضور المؤتمرات الخارجية التي لا تعطى في كثير من الأحيان سوى بعد انقضاء المؤتمر، تظهر أن هذا الشرط سيتسبب في تقييد عمل الجمعيات لذلك نأمل حذفه أو تقييده على الأقل بأن تحدد سلطة الهيئة في منح الموافقة بمدة زمنية (أسبوع) وإذا لم ترد الهيئة خلالها فإن ذلك يعني الموافقة، وفي حال الرفض فلا بد أن يكون مسبباً ويحفظ للجمعية حق التظلم ضده، هذا الحق في التظلم أمام جهة قضائية محايدة يجب أن يحفظ للجمعيات والمؤسسات الأهلية في كافة الأحوال التي تدخل فيها في خصام مع الهيئة.
بهذه الصلاحيات الواسعة التي منحها المشروع للهيئة فإننا قد نكون بالغنا في تفاؤلنا بالقول: إنه يؤسس لمجتمع مدني حيث إن الجمعيات الأهلية ستفقد أي درجة من الاستقلال وتصبح تابعة للهيئة وخاضعة لها وتحت مراقبة دائمة منها مما يشل قدرتها على العمل والنشاط الذي يمنحها صفة المجتمع المدني. إن هذا المشروع بحاجة إلى قراءة دقيقة متأنية وإقراره بشكله الراهن سيكون قاتلاً للمجتمع المدني وعائقاً أمام إصلاحات حقيقية، ولا بد أن لدى الذين قاموا بصياغة المشروع مبرراتهم لإنشاء الهيئة حيث كان أمامهم خيار آخر وهو الاكتفاء بربط الجمعيات والمؤسسات الأهلية بوزارة العدل لغرض محدد وهو التسجيل دون أن يكون لها هذا الدور الرقابي الشامل الذي تمارسه الهيئة. وتبقى المشكلة في منح الهيئة هذا الكم الكبير من الصلاحيات التي جعلتها تتمتع بسلطة شمولية على الجمعيات الأهلية تتناقض بشكل واضح وصريح مع طبيعة العمل الأهلي الذي تعد الاستقلالية ميزته الأساسية وفقدانها – كما يظهر في المشروع – يجعل الجمعيات لا تختلف عن الهيئات الحكومية، ومن ثم ينتفي هدف تطوير العمل الأهلي والتأسيس للمجتمع المدني.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن مشروع النظام قد تضمن ما يبدو أنه خطأ مطبعي – كما نأمل – حيث ورد في المادة (6) الخاصة بإنشاء الجمعية ما يلي (تكون للجمعية الشخصية الاعتبارية بعد تسجيلها في السجل الخاص الذي تعده الوزارة لهذا الغرض)، كما أن المادة (24) تورد إشارة إلى (الوزير)، وهنا نتساءل عن المقصود بالوزارة والوزير في هذا النظام، وهل ستخضع الجمعيات إلى سلطة وزارية أخرى بالإضافة إلى خضوعها التام للهيئة؟
المصدر:جريدة الجزيرة 8 ربيع الثاني 1427هـ الموافق 6 مايو 2006م .