هيفاء صفوق - جريدة الحياة

عدد القراءات: 1514

بعض المواقف الإنسانية تستوقفنا لحظات لتجعلنا نعيد المشهد بطريقة أخرى، ربما بسؤال أو عبرة أو تعاطف أو تقديم مساعدة، وهذه رحمة الله في عباده، يحرك بها قلوبنا لنتعاطف ونساعد بعضنا. نحن وحدة واحدة وإن اختلفت الأشكال والظواهر والثقافات واللغات، تظل صفاتنا مشتركة، وعيشنا وحياتنا وظروفنا كبشر متشابهة، حتى لو اختلف الشكل والطريقة في أسلوب حياتنا، نظل بشراً تجمعنا عوامل عدة ثابتة ومتغيرة، ولا نستطيع أن ننهض بأنفسنا من دون مشاركة غيرنا، وتبادل الخبرة والمعرفة والمساعدة والمخالطة، ومن يبتعد عن هذا تجرّد من إنسانيته، ليصبح أي اسم آخر.
شاهدت مقطعاً قصيراً لبعض المتشردين في إحدى الدول الأجنبية، وكم أبكاني الموقف لا لفقرهم، بل لشهامة بعضهم وكرمه وهم أشد حالاً وأفقر، ينفقون ما تبقى من المال لبعضهم من المتشردين، موقف جعلني أتساءل؛ لماذا لم تولد في قلوبهم العدائية أو الطمع؟ بل إن فقرهم وتشردهم في الشوارع زادهم إنسانية وجعلهم يشعرون بمعاناة الآخر وألمه، هل لأنهم تذوقوا مرارتها فأصبحوا يعرفون معنى الألم والحاجة والذل والمهانة؟ وهذا جعلني أتساءل، هل من الضروري أن يمرّ الإنسان بتجربة معينة مؤلمة لكي يستشعر ألم الآخرين؟ هل يحتاج لأن يجوع كي يشعر بالجوعى؟ هل لا بد من أن يهان لكي يشعر بالذل والانكسار؟
أعلم أننا كبشر نمتلك قلوباً رحيمة، لكن هل أصبحنا نقف ونتعاطف بمشاعرنا من دون الخوض أكثر في تقديم المساعدة الحقيقية الفعلية، ومن دون طلب من الآخر. أي نتصرف بشهامة إنسانية لا تنتظر المقابل أو الثناء، بل نعتبره واجبنا ودورنا في الحياة. هذه الأفعال هي أدوارنا الحقيقية والاجتماعية في مساعدة من يحتاج، في تخفيف ألم من يعاني، في تخليص الإجراءات الضرورية للمحتاجين من دون مِنّة ولا سؤال.
هل يحتاج الذين يعانون لأن يظهروا علناً في فيديوات لنشر معاناتهم ودموعهم يستعطفون الآخرين لحل أزماتهم أو مشكلاتهم، ألا توجد طريقة أخرى تحفظ للإنسان كرامته وتسد حاجته من دون أن نجعله يضطر لنشر أموره الشخصية أمام الملأ، وإن انحلت ظروفه بهذه الطريقة ماذا دونت في نفسه وشخصيته من إشارات المذلة والإهانة وبأطفاله وأسرته.
أعود إلى سؤالي الأول، ما الذي جعل هؤلاء المتشردين أكثر رحمة وعطاء؟ هل تبنوا فلسفة إنسانية غابت عنّا وعرفوا تماماً معنى الحياة في قوة العطاء والمساعدة، فأصبحوا يدركون ما لا ندركه نحن بالمعنى الفعلي للحياة كواجبات نقوم بها لبعضنا ونشعر بمن يحتاجنا قبل أن ينطق؟
هؤلاء المحرومون أو الذين يعانون المرارة من أمر ما تعلموا درسهم جيداً كيف يقسمون لقمة العيش بينهم، وكيف يحمون بعضهم، فهل نحتاج إلى أن نخوض غمار تجربتهم لكي نتعلم الدروس؟
العطاء ليس فقط في المادة والمال، بل أحياناً في تخليص أوراق ثبوتية أو حقوقية سريعاً، من دون الانتظار والمماطلة، العطاء يكمن بمعرفة ظروف جارٍ ماذا نقدم له من مساعدة معنوية أو وقفة صادقة، العطاء أن نعلّم بعض أبناء الأسر الفقيرة مهنة يعيشون منها، ونفتح لهم السبل لتوظيفهم ومساعدتهم وعدم تركهم من دون هوية، ما يضطرهم لسلك مسالك أخرى أكثر عنفاً أو تمرداً.
نعيش في عصر التغيرات والنمط السريع، غيبت عنا أمور كثيرة أفقدتنا إنسانيتنا وطبيعتنا البسيطة، التي كانت تستشعر وتحس بألم جارٍ أو ظروف صديق أو حتى غريب، وأصبحنا ندور في فلك العزلة الذاتية والتمجيد لها، حتى تضخمت «الذات» فينا وتقمصت دور «الأنا» المتطلبة والأنانية، فنسينا نحن من نكون.

المصدر : جريدة الحياة - 26-07-2017