أزمة النماذج التي لانعرفها
نجوى هاشم - جريدة الرياض
(إذا علّمت صبياً فإنك تعلم فرداً واحداً وإذا علمت فتاة فإنك تعلم عائلة بأكملها)
الروائي الهندي شاشي نادور
* في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي أقيم في الشهر الماضي وخلال أحد المؤتمرات قال أداما كوين مدير معهد التعليم والعلم والثقافة “بوتسكو” إن “774” مليون شخص بالغ أي ما يعادل خمس سكان العالم لا يعرفون القراءة. وأضاف أن القدرة على القراءة أحد حقوق الإنسان.
وبالعودة إلى التقرير الأول عن أحوال حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية الصادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عام 1427ه – 2006م الفصل الخامس (حقوق الإنسان الاجتماعية والثقافية في المملكة بند (حقوق التعليم) وجدت أن المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على (إن لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يوفر التعليم مجاناً على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليم الابتدائي إلزامياً ويكون التعليم الفني والمهني متاحاً للعموم، ويكون التعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءتهم).
كما أن المادة “13” من المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نصت على أنه (تقر الدول الأطراف في هذا المعهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والإحساس بكرامتها، وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية،وهي متفقة على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم.
كما نصت المادة “34” من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أن (محو الأمية التزام وواجب والتعليم حق لكل مواطن، على أن يكون الابتدائي منه الزامياً كحد أدنى وبالمجان وأن يكون كل من التعليم الثانوي والجامعي ميسوراً للجميع، ونصت المادة “28” من اتفاقية حقوق الطفل على أن (تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم) .
والواقع أنه من خلال قراءة المواد السابقة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،والاتفاقيات الدولية، أو العربية، يتضح أن أغلب الدول تعي أهمية التعليم، وحق أي إنسان في أن يقرأ على الأقل، ولا يمسك بورقة ويعجز عن فك رموزها بلغته، وقد صادقت على هذه الاتفاقيات واشتركت أحياناً في صياغتها، ومع ذلك لا يزال في العالم “774” مليون شخص أمي، في ألمانيا هناك أربعة ملايين شخص من “82” مليوناً وهم إجمالي عدد السكان لا يعرفون القراءة بشكل يمكنهم من قراءة وفهم مقال صحفي أو كتابة نموذج طلب بشكل صحيح. رغم أن الأمية تعتبر في الغرب مشكلة صغيرة لكنها خطيرة.
الروائي الهندي شاشي نادور يرى أن تعليم الفتيات يُعدُّ أحد مفاتيح القضاء على الأمية. وروعة هذا التعبير أنه اختصر أهمية المرأة البالغة في الحياة بأسرها وفي تكوين الثقافات وبناء الأسرة علمياً واجتماعياً.
الكارثة أن ثلاثة أرباع الأميين البالغين في العالم يعيشون في “12” دولة فقط بمعنى أن “564” مليون أمي بالغ يعيشون في جنوب آسيا والشرق الأوسط ودول عربية وأفريقية أخرى، ولم يذكر التقرير الدول في أمريكا أو أوروبا.
ومنذ أيام قرأت خبراً ملفتاً ومسبوقاً في إعلانه لدولة في أمريكا اللاتينية تحررت تماماً من الأمية وهي “بوليفيا” حيث لم يتبق لها سوى عامين وتحتفل بتسليم شهادة إتقان (لاحظ إتقاناً وليس محواً) القراءة والكتابة لآخر أمي في البلاد، وسوف تصبح بعدها ثالث دولة في أمريكا اللاتينية تتخلص تماماً من الأمية بعد كوباوفنزويلا، وتستخدم حملة محو الأمية في بوليفيا المنهج الذي صممه علماء تربويون كوبيون بعنوان (نعم أنا أستطيع) وهو برنامج يعتمد على الحوار لا التلقين، ويتعامل مع مفردات الحياة والواقع الاجتماعي للأفراد.
مع العلم أن كوبا التي صممت البرنامج والتي تُعدُّ من أفقر دول العالم يوجد بها أكبر نسبة أطباء بارعين على مستوى العالم وخريجين جامعيين والسبب التعليم، وعدم وجود مبدأ (لا ما أقدر) ومش ضروري، واللي عندي مكفيني، وبرامج التعليم العقيمة،والبعيدة أحياناً عن الواقع، والتي ينبغي مواصلة تحديثها، وإعادة صياغتها.
وفي الوقت التي تستعد فيه الدولة الثالثة في العالم للتحرر من آخر أمي لا يزال لدينا هنا في المملكة كماً هائلاً من المشاكل التي تعترض التعليم رغم مجانيته ورغم الوفاء بحق كل إنسان في التعليم كما رصدتها جمعية حقوق الإنسان ومنها:-
ضعف التدخل من جانب الجهات التعليمية لمتابعة الأسر التي تحجم عن تعليم أبنائها،والطلب المسبق للأوراق الثبوتية لقبول الأطفال في المدارس , افتقار نسبة من المدرسين والمربين إلى ثقافة حقوق الإنسان.
ضعف الثقافة الحقوقية في المناهج الدراسية في جميع المراحل ,ومع ذلك لا بد أن تطالب الدول بتحديد مواعيد زمنية حتى وإن كانت بعد عشر سنوات لتحديد مواعيد إغلاق مدارس محو الأمية (أو نحو الأمية)، وليس إتقان القراءة والكتابة.
المصدر : جريدة الرياض -