أ. نجيب الخنيزي - جريدة عكاظ

عدد القراءات: 1358

واقع الطفولة البائس لم يعد محصورا في العالم الثالث (الجنوب) حيث تبين الإحصاءات الأمريكية في أكبر اقتصاد في العالم أن نحو 21 في المائة من الأطفال في الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر عام 2010، وهو أعلى معدل منذ عقدين. ويقدر أن نحو 15.6 مليون طفل أمريكي، يعيشون في خط الفقر هذا العام، كذلك يعيش نصف مليون طفل دون مأوى، ويتوقع أن يرتفع عدد أطفال العائلات التي لا يتمتع فيها أحد الوالدين بوظيفة ثابتة ومصدر دخل دائم، إلى قرابة 20 مليون طفل هذا العام

عندما نستعرض واقع الطفولة على الصعيد العربي، علينا أن نشير إلى ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي يوميا من مجازر وقتل بحق المدنيين الفلسطينيين، وما ترتكبه من تدمير وحصار وتهديم للمنازل وجرف ومصادرة الأراضي والمزارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن حروبها العدوانية السابقة (منذ قيامها وحتى اليوم) ضد الفلسطينيين والعرب، وآخرها عدوانها الهمجي على قطاع غزة في مطلع العام 2009 ، والذي كشف تقرير غولدستون بعض تفاصيله ونتائجه المخيفة وخصوصا لجهة قتل الأطفال وترويعهم وقصف بيوتهم ومدارسهم، بل وتدمير الملاجئ التي احتموا بها والتي تستظل بعلم الأمم المتحدة ومنظماتها. ناهيك عن عدوان وجرائم إسرائيل المستمرة منذ قيامها وحتى الآن ضد البلدان والشعوب العربية ونستذكر هنا مجزرة مدرسة بحر البقر التي قامت بها القوات الجوية الإسرائيلية حيث قصفت مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر، في 8 أبريل 1970م، وأدت إلى مقتل 30 طفلا.. كما نشير إلى عدوانها على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006 ، وما ارتكبته قواتها من مجازر بشعة، وتهجير قسري طال مئات الآلاف من المدنيين اللبنانيين وجلهم من النساء والأطفال. الأمر ذاته ينطبق على ما يجري يوميا، في العراق الجريح القابع تحت هيمنة الاحتلال، وما قامت به قوات التحالف وخصوصا القوات الأمريكية وجماعات المرتزقة (وتر بلاك) من قصف وتعديات وقتل وعقاب جماعي بحق المدنيين، وما يحدثه تصاعد وتيرة العنف والإرهاب (الديني والطائفي والاثني) من قبل المليشيات الطائفية تحت مختلف العناوين، وعلى وجه الخصوص الجماعات التكفيرية، والذي نجم عنه مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من المدنيين العراقيين في الداخل والخارج في الآن معا وجلهم من النساء والأطفال. لقد سلطت العديد من التقارير العراقية والدولية الضوء على الظروف الحياتية المفزعة للأطفال العراقيين، وخصوصا اليتامى والمعاقين في مقرهم ببغداد وغيرها من المدن العراقية، ناهيك عن اتساع نطاق الفقر والبطالة وترد الخدمات، وانتشار الجريمة المنظمة وتجارة الجنس والتي يأتي في مقدمة ضحاياها نساء وأطفال العراق الجريح والمنكوب بالاحتلال، ونظام المحاصصة الطائفية المقيت، وشيوع الفقر والبطالة وتردي الخدمات، وقد لوحظ لجوء المجموعات الإرهابية إثر تقلص إمكانياتها اللوجستية وقدرتها على التحرك بحرية نسبية، إلى تجنيد النساء والأطفال في تنفيذ عملياتها الإرهابية. هناك أوضاع مشابهة كما يحدث في الصومال والسودان وأفغانستان واليمن وغيرها من المناطق الساخنة. إضافة إلى ما يحدثه انتشار مخلفات حقول الألغام والقنابل العنقودية المنتشرة في مناطق النزاع والحروب من الضحايا كل يوم، بل إن إسرائيل إمعانا في ساديتها لم تتردد في إلقاء القنابل العنقودية والفتاكة وبعضها على هيئة لعب للأطفال. وفي كل تلك الحالات كان النساء والأطفال في مقدمة الضحايا. تلك الانتهاكات الصارخة لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية في الحياة والعمل والصحة والكرامة والعدالة الإنسانية تحدث تحت سمع وبصر عتاة العولمة المتوحشة

تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002م أورد أرقاما مخيفة عن تردي حياة أغلبية المجتمعات العربية التي طالت النساء والأطفال على وجه الخصوص. وقد أكد التقرير على ثلاثة نواقص أساسية تواجه غالبية الدول العربية وهي نقص الحرية ونقص تمكين المرأة ونقص المعرفة. من جهة أخرى قدم تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1995م فكرة معيار تمكين المرأة لقياس مساهمة المرأة التي يعكسها الدخل لكل فرد وحصة المرأة في المراكز المهنية والتقنية وحصتها في قاعة المجالس النيابية، وقد وجد أن ترتيب العالم العربي أقل من أية منطقة أخرى في العالم، عدا أفريقيا جنوب الصحراء. كما أن نصف الإناث في الوطن العربي أميات ومعدل الوفيات من النساء الحوامل وحديثات الولادة ضعف نظيره في أمريكا اللاتينية وأربعة أضعافه عن شرق آسيا كما أن هناك 65 مليون عربي من البالغين أميون وثلثاهما من النساء كما يعاني 12 مليون عربي من البطالة السافرة معظمهم من النساء.

على صعيد بلادنا، فقد صادقت المملكة على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1996 مع التحفظ على جميع البنود والمواد التي تعتبرها تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما صادقت على ميثاق حقوق الطفل في الإسلام. وقد قرر مجلس الوزراء السعودي في 14/9 / 1426هـ برئاسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحويل مسمى (اللجنة الوطنية السعودية للطفولة) إلى اسم (اللجنة الوطنية للطفولة) وتشكيل أمانة عامة للجنة ترتبط مباشرة بوزير التربية والتعليم وتخصص لها ميزانية محددة ضمن ميزانية وزارة التربية والتعليم، ونص القرار على أن تشكل اللجنة الوطنية للطفولة من: وزير التربية والتعليم رئيسا، وعضوية كل من: وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، وكيل وزارة التربية والتعليم، وكيل وزارة الصحة، وكيل وزارة العدل، وكيل وزارة الثقافة والإعلام، وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب، إضافة إلى ثلاثة من المختصين المهتمين بالطفولة عضوا.

غير أن هناك العديد من الحالات التي رصدتها تقارير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، والعديد من البحوث والدراسات الرسمية والمستقلة (المنشورة في وسائل الإعلام المحلية) وغيرها من الجهات المعنية بحقوق المرأة والطفل في السعودية عن تزايد حالات ومظاهر العنف الأسري ضد الأطفال والنساء المتزوجات مستندة في ذلك إلى تقارير وإحصاءات رسمية موثقة، والتي تضمنت قضايا تقدر بالآلاف لحالات إيذاء وعنف وتعذيب جسدي ونفسي وتحرش جنسي. على هذا الصعيد صدرت مسودة نظام مكافحة التحرش، ومازال لدى مجلس الشورى لدراسته، كما تدرس لجنة الإصلاح الإداري ومجلس الشورى توصيات، لإقرار مشروع للحد من إيذاء الأبناء، وإنشاء هيئة وطنية لحماية المرأة والطفل وقد تطرق وزير العدل محمد بن عبدالكريم العيسى، عن النية لإنشاء محاكم أحوال شخصية في ثماني مناطق، موضحا توالي افتتاح هذه المحاكم في المناطق الأخرى لاحقا. كما شرعت وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع عشر جهات حكومية في مختلف مناطق المملكة بافتتاح وحدات أطلق عليها

«وحدات الحماية الاجتماعية» يكون من اختصاصها التدخل السريع في معالجة حالات العنف الأسري، من جهتها، دعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى المبادرة إلى وضع حد لمعاناة المواطنات السعوديات المتزوجات من غير مواطنين وخصوصا ما يتعلق بوضع أطفالهن على صعيد حق نيل جنسية الأم أسوة بالرجل وضمان حق الدراسة والعمل. وضمن هذا السياق يمكن إدراج زواج القاصرات، بل وإطلاق الفتاوى حول زواج الرضيعات بدعوى أنها تستند إلى «دليل شرعي» ، كما نقف عند حالات متكررة لفسخ عقود الزواج الشرعية تحت مبرر عدم التكافؤ في النسب أو المذهب وخلافه مع ما يحمل ذلك من مخاطر مباشرة على استقرار وتوازن الأسرة والأطفال على وجه الخصوص. لقد طالبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية بتوحيد سن الرشد (18 سنة) إذ الوضع الحالي من شأنه اعتبار الطفل مرة رشيدا ومرة قاصرا، مع ما يترتب على ذلك من مساس بحقوقه خصوصا في المسائل الجنائية (العقوبات) أو المسائل المدنية (العمل وإبرام العقود). أهمية صيانة حقوق الطفل في السعودية مسألة في غاية الأهمية، خصوصا أن من هم دون سن العشرين يشكلون حوالى 10 ملايين نسمة أو قرابة 56،5% من إجمالي عدد السعوديين وفقا للبيانات الصادرة في 2008 ..

إن تغيير واقع المرأة والطفولة في البلدان العربية يتطلب اتخاذ إجراءات جذرية لإصلاح البنية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتطوير التشريعات والأنظمة التي تحد من اضطهاد المرأة ومنعها من القيام بمهامها ووظائفها كأم رشيد، وممارسة حقوقها كافة جنبا إلى جنب مع الرجل وبما يتفق مع إمكانياتها وخصائصها الإنسانية التي أكدت عليها المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية والحضارية، وهو ما سينعكس في خلق بيئة اجتماعية ونفسية وتربوية صحية للأطفال.

نتطلع ونتمنى من القلب عودة سريعة للملك عبد الله بن عبد العزيز، المحبوب من قبل الشعب إلى أرض الوطن، وهو معافى من رحلته العلاجية، وهو الأمر الأساس بالنسبة للجميع، وكي يواصل مسيرة الإصلاح والبناء والتنمية والتقدم في بلادنا الغالية كما نرحب أجمل الترحيب بزيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز (والمعروف عنها مدى تعاطفها وتفاعلها العميق مع قضايا وحقوق المرأة في بلادنا) ووجودها معنا في محافظة القطيف، لحضور بعض الفعاليات الثقافية والتراثية، والالتقاء مع الجمعيات النسائية وممثلات المجتمع المدني، وهو ما يعكس حسها المدني والحضاري العميق، وتعاطفها الشديد مع قضايا وحقوق المرأة، والذي نأمل أن يتطور إلى برامج ومشاريع عمل ملموسة على الصعيدين الرسمي والمدني.

المصدر : جريدة عكاظ -