في ثقافتنا هل تُؤخذ الحقوق أم تُعطى؟!
د.زيد علي الفضيل - جريدة المدينة
في ختام حواري الأخير بمعية أخي العزيز الدكتور يوسف العارف عبر برنامج «يا هلا»على قناة روتانا خليجية، شدني تعليق مقدم البرنامج الأستاذ علي العلياني بأنالحرية هي التي تُؤخذ ولا تُعطى، مصححًا -بحسب ظنه- لقولي بأن الحقوق تُؤخذ ولا تُعطى، أقول شدني تعليقه هذا للتفكير مليًا في لب إشكالنا الثقافي، الذي تلتبس علينا فيه بعض المفاهيم، إما لسوء فهم أو لضبابية في الرؤيا. أسوق هذا الأمر لأشير إلى أن الأصل في القاعدة هو أن الحقوق الأساسية للإنسان، كالحق بأن يعيش حرًا،ويستمتع بحياة كريمة، ويحظى بالأمن، ويمارس حقه الكامل في الاختيار، إلى غير ذلك، من الواجبات التي يتحتم استيفاءها لجميع بني البشر كواجب مُستحق، وليس كمنَّة تُعطى، لكون ذلك مما قد قرره الله في محكم آياته، وبينه خاتم أنبيائه في العديد من أقواله وأفعاله، وشدد على تطبيقه -فعلًا لا قولًا- الخلفاء الراشدون في مجملسلوكياتهم العملية، فكان أن حفظ لنا تراثنا الخالد مقولة الخليفة عمر بن الخطاب الرائعة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وقول الإمام علي بن أبيطالب: «لا تكن عبدًا لغيرك وقد خلقك الله حرًا»، وفي موضع آخر قال للأشتر حين ولاه على مصر: «ولا تكونن سبعًا ضاريًا فتغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». لكن وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أننا كمجتمع عربي مسلم وبخاصة من بعد نهاية عهد الراشدين، لم يترسخ في أذهاننا ووعينا الوجداني حقيقة الإيمان بأهمية استيفاء جميع الحقوق الإنسانية الواجبة لجميع البشر بوجه عام، وبالتالي فلم تنعكس كثير من الواجبات الحقوقية في كثير من سلوكياتنا العملية، ومظاهر حياتنا الفكرية إزاء بعضنا البعض أولًا، وإزاء كل المخالفين تاليًا؛ ولا يحتاج المرء للتدليل على ذلك إلى بذل عناء كبير في البحث، إذ أن تاريخنا الفكري والإنساني زاخر بالعديد من الشواهد التي مورست فيها جوانب متعددة من الانتهاك الكلي أو الجزئي لحقوق فئات متنوعة من مجتمعنا، وتمَّت فيها مصادرة عديد من الأفكار المختلفة عن السائد الرسمي، الأمر الذي وضحت آثاره المشينة في بروز العديد من مظاهر العنف الممارس ضد الآخر، التي بلغ مداها إلى حد القتل والذبح وسفك الدماء بشكل غير مبرر. والسؤال: كيف بلغنا هذا الحال من السوء في فهم وممارسة كثير من جوانب الحقوق الإنسانية؛ بالشكل الذي لا يتطابق مع جميع الإرشادات النبوية والسلوكيات الراشدية؟. في تصوري أن الأمر يحتاج إلى كثير من التحليل وإعمال التدبر لطبيعة تطور مسيرة حراكنا الذهني، وصولًا إلى المرحلة المعاشة، وبيان مواقع بدايات الخلل في تشويه مسيرتنا الذهنية إن جاز التعبير، لكوني أؤمن بأن الإشكال ليس في الجوانب الآلاتية الإجرائية، بقدر ما هو كامن في طبيعة الخلفية الذهنية المحركة لذلك، التي نحن في أمس الحاجة إلى تغييرها بالصورة الإيجابية، وفقًا لجوهر قواعدنا الإيمانية، ومنطلقاتنا التشريعية، التي تقضي بأهمية تمكين الإنسان من ممارسة حقه أولًا في الحرية والاختيار مصداقًا لقوله جل وعلا: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وقوله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وتأكيده المتكرر لخاتم أنبيائه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ليس مسؤولًا عن مختلف تصرفات من دعاهم، كما ورد في مواضع عديدة كقوله تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ، والله بصير بالعباد)، إلى غير ذلك من الشواهد التي تؤكد على أن الداء كامن في جوهر الذهنية المحركة للإنسان، وليس في الجانب الإجرائي؛ ولعل أبلغ شاهد على ذلك، ما يلمسه القارئ في مقالة «الحوار الوطني» لرئيس تحرير نشرة حقوقي الصادرة عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في عددها (53) لشهر يونيو 2010م، الذي حكم فيها بشكل مُتعسف وبجرَّة قلم، على جميع العاملين في صحافتنا الوطنية، بأنهم تيار إقصائي لا يؤمن بالحوار مع الآخر، حيث يقول: «ولك أيها القارئ الكريم أن تجرب الكتابة في سياق لا يؤمن به التيار الإقصائي المسيطر على الصحافة والثقافة، فستشعر بأن الحوار عندهم مجرد شعارات مستهلكة..»؛ فهل بعد هذا القول من حُجَّة؟ وكيف يستقيم ذلك مع طبيعة وأهداف الجمعية؟! ولك أيها القارئ بعد ذلك أن تتخيل باقي أجزاء مشهدنا الحقوقي
المصدر : جريدة المدينة -