-

عدد القراءات: 1152
اعتدال عطيوي – جريدة المدينة
 

أفاق المجتمع على قضية اغتصاب القاصرات متأخراً، لأنها نشرت إعلامياً رغم أنها موجودة ومعروفة لدينا كأخصائيين اجتماعيين، وقد واجهت العديد من الحالات من خلال عملي الطويل في المجال الاجتماعي الطبي، فنحن أول المستقبلين لهذه الحالات، التي تندرج تحت الأمراض النفسية الجنسية وهى أنماط كثيرة، واغتصاب الأطفال إحداها، ويصاب بها البعض وتؤدي بهم إلى التعدي الجسدي على الآخرين، وفى ظل غياب الرقابة الأسرية والاجتماعية والميل إلى إخفاء هذه الجريمة يؤدي إلى التكرار؛ حتى يقع المعتدي بعد فترة طويلة عادة في أيدي العدالة وهى حالات تتواتر في كل مجتمعات الدنيا.

ومعروف أن حالات الاغتصاب المعلن عنها قليلة في كل أنحاء العالم قياساً بالحقيقة، حيث تعتبرها بعض المجتمعات من حالات العار الاجتماعي التي يسعى الجميع لإخفائها، ويصبح الطفل المعتدى عليه الضحية الأولى لها لأنها تدمره نفسياً خاصة إذا لم يعالج ذلك الطفل على أيدي مختصين بمساعدة كبيرة من الأسرة، خاصة وأن الصورة الذهنية الراسخة في أذهان الكثيرين عن المعتدين والمجرمين عادة بأنهم ملفتين للانتباه من خلال قباحة الشكل ورثاثة الهيئة، وهى صورة أكدتها وسائل الإعلام من خلال الأفلام، رغم أن ذلك لا يتناسب إطلاقاً مع الحقيقة على كل المستويات، فقد تكمن النزعات الإجرامية والميول العدائية للمجتمع في أشخاص عاديين ظاهرياً وغير متوقعين ممن هم حولنا. وهذا لا يعني أن نعلي من نبرة الشك في كل المجتمع، ولكن الحذر ضروري ومهم جداً، فكلنا مسؤولون في نطاقنا الشخصي والاجتماعي أيضاً.

وأعتقد من خلال مشاهداتي وخبرتي أننا ما نزال نعاني خللاً في التربية التي تسير على عواهنها، وليست واعية بالقدر الكافي، فكم منّا يتحدث مع أطفاله ويُقدِّم لهم النصائح والإرشادات حول كيفية التعامل مع الناس، والتعاطي مع الغرباء، وعدم الانسياق للإغراءات المختلفة التي يوجهها البعض للأطفال، مستغلين ميلهم الغريزي المندفع للحلوى والألعاب، أو خوفهم من عصيان والديهم وانسياقهم لمرافقة من يدعوهم لاصطحابهم إليهم.. ومَن منّا يتحدث مع أطفاله عن جسده وحرصه عليه، وعدم السماح للآخرين بلمسه، والتحبب إليه بطريقة مبالغ فيها.

وكم منّا يزيل حواجز الخوف بينه وبين أطفاله، ويعوّدهم أن يتحدثوا إليه بكل ما يصادفهم من وقائع في المدرسة والحي والشارع والمتجر.. وغير ذلك من تفاصيل الحياة، التي لا نستطيع أن نراقبهم فيها، وإلا تحوّلنا إلى مهووسين بالمراقبة والشك.

إن التربية الواضحة السليمة ليست مهمة سهلة، ولكنها تتطلب جهداً من الآباء والأمهات حتى يمكن استدراك مواطن الخلل وسد ثغرتها بسهولة أكبر مما نستطيعه بعد وقوع الحوادث المشبوهة والتي تصيب الطفل والأسرة في مقتل نفسي مدمر، من الصعوبة التخلص من آثاره على المدى الطويل، خصوصاً في حالات الاغتصاب.

وأين نحن من المسؤولية الاجتماعية التي تخلّينا عنها في هجولتنا واندفاعنا في الحياة، فقد تربّت أجيال كثيرة في مجتمعنا على اعتبار أن ابن الجار والحي ابناً للجميع، يقوّم خلل سلوكه أو تراخي أبويه أو غفلة أسرته من خلال التوجيه الفوري للطفل والمراهق وإبلاغ أسرته.

بل يرى البعض أن التبليغ عن مواقف مشبوهة أو السؤال عنها يدخل تحت مسمى الفكاهة والتدخل غير المحمود.. لذا تخلى بعضنا عن تلك المسؤولية تحت مسمى أنا ومن بعدى الطوفان، وعدم التدخل في شؤون الآخرين لتجنب وصفه بالحِشَري والملقوف.. وغيرها من الألفاظ التي أدت بالكثيرين إلى الإحجام عنها، رغم أن ذلك يدخل تحت الأمر بالمعروف، الذي لو قُدِّم بشكل رفيق لين متناسب مع الحدث؛ لمنع كثيراً من الحوادث التي تقع على الأطفال خاصة.

فكم نرى مراهقات مندفعات في الأسواق مع الخادمات عرضة للاستهواء تجلس أسرهن بعيداً عنهن في المقاهي الملحقة بالأسواق، وكم نرى مراهقين يصطحبون شباناً أكبر منهم سناً وفتوة منطلقين هنا وهناك لا تعرف وجهتم وماذا يفعلون..؟!

وكم نرى أطفالاً مع السائقين والخادمات يذهبون بهم في كل اتجاه، وقد يلاحظ بعضنا سلوكاً شاذاً أو ملفتاً فيتجاهله، وهذه قمة الإهمال والخطورة، وإلا لما استطاع المغتصب الذي كُشف مؤخراً أن يتوارى كل هذه المدة ويوقع 13 طفلة اختطفهن من أماكن عامة مليئة بالناس.

إن الأمر يحتاج منّا إلى وقفة مع الذات أولاً لتجسير خلل التربية الأسرية، ويتمثل في التقرب إلى أطفالنا ومشاركتهم تفاصيل الحياة وأسرارها، وكيفية التعامل مع النفس والجسد والمجتمع بخيره وشره.

كما أن علينا عدم الاكتفاء بالذهول والتحسر على الأخلاق الحميدة حين تواجهنا حوادث الاغتصاب البشعة بل البدء بتربية اجتماعية تعترف أننا لسنا بمجتمع مثالي وفينا كل النوازع الجيدة والخطيرة ككل المجتمعات مما يحتم علينا تحمل مسؤوليتنا الاجتماعية تجاهها، فكلنا مسؤول في منزله ومكتبه ومدرسته والسوق وكل مكان محتمل للحياة، وعليه أن يُدقِّق وينصح ويردع دون قسوة وشطط.

وبإمكاننا البدء بمحاضرات توعوية تُوجَّه للأسر في المدارس والجمعيات والمنتديات، كما بإمكاننا تقديم محاضرات اجتماعية ونفسية في المدارس للأطفال والمراهقين على أيدي مختصين تتناول كيفية التعاطي الاجتماعي السليم مع الحياة والآخرين مما قد يجنبهم الكثير من المزالق الحياتية التي تصادفهم ويتعرضون لها، وآمل من وزارة التربية أن تأخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار

المصدر: جريدة المدينة

الاربعاء20  رجب 1432 هـ – 22 يونيو 2011م  العدد 17590

المصدر : -