-

عدد القراءات: 1862
د.خالد النويصر – جريدة الاقتصادية
 

ما زالت السجون تكتظ بمساجين الحق الخاص رغم أن هذه العقوبة لم يعد يُعمل بها، وتم إلغاؤها في العديد من دول العالم إما منذ قرون أو عقود مضت نظراً لأن أضرارها أكثر من منافعها. إن السجن ليس مكاناً للمدينين، إنما هو مكان للمجرمين والإرهابيين وتجار المخدرات والمحتالين والنصابين والسارقين والمزورين وأصحاب القضايا الجنائية وغيرهم.

إن المسألة لا تحتاج إلى تأمل وتفكير كبير، فأضرار هذه العقوبة جمة على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة كذلك، فالسجن عامل محطم للفرد ومذل لكرامته وكبريائه والزج به في السجن يهيئ أرضية ليغدو مجرماً، وإن لم يكن كذلك فيصبح مريضاً ومقهوراً نفسياً ومعنوياً، بل خصماً وكماً مهملاً من رصيد البناء وليس قادراً على العمل والإنتاج فحسب، إنما عالة على ذاته وأسرته ومجتمعه، وقد يشكل خطورة عليه وعلى السلام الاجتماعي برمته.

بيد أن ضرر سجن الفرد عادة ما يطول أسرته كذلك، فهي بعد أن اتخذت منه راعياً وقدوة حسنة ومثالاً يُحتذى في التربية والتنشئة، فكيف يكون الحال بتلك الأسرة وراعيها قد أصبح رهين الحبس في قضية حق خاص؟ وما انعكاسات ذلك على الأبناء ومستقبلهم؟ كما أنها تفقد مصدر دخلها ومعيشتها نتيجة لحبس راعيها، ناهيك عن حزمة كبيرة من المخاطر النفسية والأخلاقية والتربوية التي تحيق بالأسرة كلها التي تجعلهم في وضع لا مندوحة عنهم للجنوح، بل الانحراف وضياع مستقبل الأسرة بكاملها والأبناء على وجه الخصوص. وعلى صعيد المجتمع فإن الأضرار عليه فادحة وعظيمة، نظراً لأن الفرد الذي يتم سجنه ثم يُفرج عنه ولو بعد حين يُتوقع أن يتحول في حالات كثيرة إلى شخص غير سوي تنتابه ميول إجرامية خطيرة، أما الدولة فتتحمل مبالغ باهظة نظير ما تقوم بتوفيره لذلك الشخص المسجون من رعاية معيشية وصحية ونفسية ومتابعة مستمرة له، فضلاً عن الرعاية والمتابعة الأمنية التي تقوم الدولة بتوفيرها للأعداد الكبيرة من أولئك المسجونين.

وعلاوة على ذلك فإن هذه العقوبة تتعارض مع عدد من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، التي على رأسها الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، خاصة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1948 التي تضمنت المادة التاسعة منه على أنه لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه، والميثاق العربي لحقوق الإنسان المعتمد من القمة العربية في تونس في 23/5/2004، حيث تضمنت المادة (14/2) منه على عدم جواز حرمان الأشخاص من حرياتهم، كما نصت المادة (18) من الميثاق نفسه على أنه (لا يجوز حبس شخص ثبت قضائياً إعساره عن الوفاء بدين ناتج عن التزام تعاقدي)، وصادقت المملكة على هذا الميثاق، كذلك إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر في 5/8/1990، حيث تضمنت المادة (19/د) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة، وكل هذه المواثيق والاتفاقيات تعارض مثل هذا النوع من العقوبات.

إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله – أقر نشر ثقافة حقوق الإنسان، كما أن ولاة الأمر – رعاهم الله – منحوا صلاحيات واسعة وكبيرة لهيئة حقوق الإنسان في أن تتابع كل ما يتعلق بحقوق الإنسان في المملكة، لذا فإنه يؤمل ويعول كثيراً عليها أن تضع في صدارة أولوياتها مساعدة كل الجهات المعنية الأخرى بوضع الأنظمة اللازمة أو تعديلها للتعجيل بإلغاء عقوبة السجن عن سجناء الحق الخاص، كما أن نظام هذه الهيئة الصادر في عام 1426هـ أوكل العديد من الأهداف والاختصاصات إليها، إذ تضمنت المادة الأولى من نظامها على أن هدف الهيئة هو حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية وتأكدها من تنفيذ الجهات الحكومية للأنظمة واللوائح السارية، وكذا إبداء الرأي في مشاريع الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن هنا يأتي دورها في الالتفات لهذه العقوبة، وبالذات تأثيراتها السلبية في الصورة المشرقة للمملكة.

المصدر: جريدة الاقتصادية 24  رجب 1432 هـ  الموافق 26 يونيو 2011م

المصدر : -