-

عدد القراءات: 1114
لمياء السويلم – جريدة الجزيرة
 

«تشير الاستطلاعات إلى أن ثلث النساء في العالم كله يتعرضن للضرب في البيوت، واحتمال أن تتعرض امرأة بين الخامسة عشرة والأربعين للتشويه أو الموت بسبب عنف ذكوري، أكبر من احتمال موتها بالسرطان أو الملاريا أو حوادث السير أو الحروب كلها مجتمعة، ووجدت دراسة كبرى أجرتها منظمة الصحة العالمية أن30 إلى 60 بالمائة من النساء في معظم بلدان العالم يتعرضن إلى العنف الجسدي أو الجنسي من قبل الزوج أو الصديق «هذه الدراسة الصادمة فقرة وحيدة من فصل واحد من أربعة عشر فصلاً هو كتاب (نصف المجتمع/ تحويل الاضطهاد الى فرصة تستفيد منها نساء العالم) لنيكولاس كريستوف وشريل وودن، ترجمه أحمد حيدر إلى العربية وصدر قبل عام عن الدار العربية للعلوم ناشرون.

قصص الاتجار بالجنس والاغتصاب والعنف الجنسي وختان الإناث ليست قضايا النساء، إنها قضايا إنسانية تخص السياسة والأمن والعلاقات الدولية وهي قضايا اقتصادية بدرجة أساسية، وما نقرأه في هذا الكتاب ليس فقط القصص التي قابل نيكولاس وشريل ضحاياها في كل من كمبوديا وأفغانستان والهند وباكستان وإثيوبيا ودول أفريقية وآسيوية أخرى وعلى مدى أعوام طويلة، بل كيف تحوَّلت بعضهن إلى مناضلات يشكل نضالهن تجارب مهمة في سيبل هذه القضايا دفعت الكثير من المنظمات العالمية إلى دعمهن وتبني تجربتهن الواقعية وعلى رأسها الأمم المتحدة، فالكثير من القصص المأساوية هنا ستذكرنا -كما تقول المقدمة- أن النساء لسن هن المشكلة بل الحل.

يلفت المؤلفان القارئ إلى أن فداحة مشكلتهم كصحفيين هي أولويات الصحافة في نشر الأخبار ونقلها، فاعتقال أحد المنشقين البارزين في الصين كان ينشر بمقالة على الصفحة الرئيسية بينما أن تتعرض 100.000 فتاة للاختطاف والتوزيع على المواخير بشكل دوري لا يعتبر خبرا، ويوردان عن مقياس اللا مساواة الجنسية الذي طوّره حامل جائزة نوبل الاقتصادي امارتيا سين نتيجة أن ما يزيد عن 100 مليون امرأة يفقدن كل عام ولا تذكر الصحافة ذلك.

الكتاب يؤكد في تناوله لمختلف هذه القضايا على أهمية العلاقة بين المساواة بين الجنسين والحالة الاقتصادية للبلد وشدة ارتباطها ببعض، ويذكر منها محمد يونس الحاصل أيضا على جائزة نوبل للسلام في تجربته في التمويل للقروض الصغرى، فمع بداية التسعينات قدر البنك الدولي أن الاستثمار في تعليم البنات هو الأكثر عائدية على الإطلاق في البلدان النامية، وفي 2001 خرج البنك بدراسة عن أن المساواة بين الجنسين عامل في منتهى الأهمية في مكافحة الفقر العالمي، وينبه المؤلفان إلى أن الانفجار الاقتصادي في آسيا في جزء كبير منه كان ناتجا عن التفعيل الاقتصادي للنساء، وأن مركز التنمية العالمية قد أصدر تقريره «كيف ولماذا يجب وضع النفايات في محرق عملية التنمية»، وهو ما يؤكد إعلان مؤسس مجموعة أطباء بلا حدود» أن التقدم يتحقق عبر النساء».

يقول فريد زكريا الصحفي المشهور: «إذا كنت تتساءل دائما ما إذا كان بإمكانك تغيير العالم فاقرأ هذا الكتاب» ويعلق الممثل جورج كلوني «أعتقد أنه من المستحيل الوقوف وعدم فعل شيء بعد قراءته»، كتاب نصف المجتمع يختلف عما سبق لنا قراءته، أنه يقدم الحقائق المبكية في قصص فردية تمثل ثقافات كاملة ومتأصلة لا تقتصر على أحد دون غيره، إنه يقدم مشهد الاغتصاب كمهر للزواج في الريف الإثيوبي بثقافته الإسلامية، ويذكر بما حدث في أمريكا مع بداية القرن العشرين حيث كانت تشهد عدد وفيات أمهات مرتفع جداً رغم توفر المداخيل والأطباء، بينما يهبط العدد في الأربعينيات من القرن لأن المجتمع الذي أعطى المرأة حق التصويت قد بدأ يبدي الرغبة السياسية في صحة الأمهات، فعندما أصبح بإمكان النساء التصويت أصبحت حياتهن فجأة مهمة، يقدم الكتاب مشهد ختان في السودان ويذكر أن الإنجليز مارسوا هذه العادة حتى ستينيات القرن التاسع عشر، إنه عالم واحد بأخطاء مكررة وتواريخ مختلفة فقط.

320 صفحة من أربعة عشر فصلاً، أولها بعنوان تحرير رقيق القرن الواحد والعشرين وآخرها ماذا تستطيع أن تفعل، هي مجموع هذا الكتاب الذي لا يزيد عن أي شعار لكنه يأمل وبوضوح وصراحة أن يتجند القارئ للانضمام إلى مبادرة تحرير النساء ومحاربة الفقر العالمي، فعلى أوراقه سيتوقف هذا القارئ على كثير من الوقائع، كيف يمكن للاغتسال بالصابون أن يتسبب بخلل أمني في أفغانستان! مختار التي حكم عليها عقابًا بالاغتصاب الجامعي في باكستان وتحوّلت إلى مناضلة تستضيفها أمريكا وتطاردها حكومة بلدها! كيف يمكن لغضب الولايات المتحدة من الاجهاض القسري في الصين أن ينعكس على إغلاق المستوصفين الوحيدين في مدينة كينية ومساهمة ذلك في ارتفاع نسب وفيات الأمهات هناك!

وأخيرًا لماذا يعتبر زي المدرسة هو مانع الحمل الأفضل للفتيات.

الكتاب يحذر من الانزلاق إلى وهم أن الرجال وحدهم الجناة في كل هذه القضايا، لأن النساء أيضاً يحملن ثقافة العداء لأنفسهن، ويذكر أن حسن النوايا لا ينجح دائماً، وأن على المؤمنين بهذه القضايا أن يغيّروا الواقع لا القوانين، لأن الناس إذا تغيّرت ستغيّر حكم القانون، وينبه إلى أن زيادة التعليم ليس هو في بناء المدارس كما نعتقد دائماً، لأن دراسة في كينيا قد أثبتت أن إزالة الديدان أدت إلى انخفاض ظاهرة التغيب عن المدارس بنسبة الربع، يراهن المؤلفان على أن هذه القضايا العالمية لا تنجح بحلول دولية بل بدعم دولي لحلول محلية وشعبية بشكل أكبر، إنهم المقاولون الاجتماعيون من يجب على كل المؤمنين بحق المساواة والعدالة أن يدعموهم، فالمقاول الاجتماعي مثل الأفغانية سكينة يعقوبي هو من شكل بالحقيقة حلقة الوصل المفقودة بين أصوات وأموال المدافعين والداعمين وبين واقع الضحايا.

كتاب نصف المجتمع، قضيته المساواة والمساواة ليس عدوها إلا الفقر والجهل، الكتاب يصدقنا الحقيقة والحق معاً «وفقاً للأمم المتحدة لا تمتلك النساء اليوم سوى 1 بالمائة من الأراضي المملوكة في العالم.. وهو واقع لا بد من تغييره».

المصدر : جريدة الجزيرة 29 محرم 1434 هـ الموافق 13 ديسمبر 2012 م

المصدر : -