د. قيصر حامد مطاوع - جريدة المدينة

عدد القراءات: 3851

يعتبر يوم السبت ما قبل الماضي، الموافق 11/5/1434هـ، يوماً تاريخياً للجالية البرماوية في منطقة مكة المكرمة، حيث افتتح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل -أمير منطقة مكة المكرمة- حفل البدء بتصحيح أوضاعهم.إن هذا الإنجاز الرائع، الذي وضع خطته ومعايير تنفيذه على أرض الواقع أمير منطقة مكة المكرمة، هو ثمرة عمل دؤوب لسنوات عديدة.

لقد بدأت علاقة المملكة بالبرماويين، منذ ما يزيد عن (60) عاماً وذلك عند فرارهم من بلدهم بورما (ميانمار حالياً) إلى أرض المملكة، بسبب تنكيل وبطش السلطات الحاكمة في بلادهم بهم لكونهم مسلمين. وبتصحيح وضع هذه الجالية التي يزيد عددها عن نصف مليون نسمة، فإنه سيتم منح أفرادها إقامات نظامية وتمكينهم من الاستفادة من الخدمات المتاحة للمواطن السعودي، سواء كانت صحية أو اجتماعية أوإنسانية أوتعليمية وغيرها. وهذا التصحيح يعتبر نور أمل لهذه الجالية التي مكثت لفترة طويلة دون حصولها على إقامات نظامية في المملكة، الأمر الذي لم يتح لها العمل بشكل نظامي في المملكة والاستفادة من الخدمات المهمة التي توفرها الدولة، خصوصاً التعليمية والصحية، مما انعكس بدوره على الوضع الاجتماعي للجالية بشكل عام، وأصبحت طبقة أغلبها فقيرة غير متعلمة تعليماً عالياً مؤسسياً، حيث كان يتعلم العديد من أبنائها في أماكن أشبه ما تكون بمدارس بدائية أو في حلقات تحفيظ القرآن الخاصة بهم، وهي غير تابعة للدولة. ناهيك عن الوضع الصحي المتدني لهذه الجالية، وذلك لعدم قدرة أفرادها على العلاج في المستشفيات الحكومية، لتعذر ذلك عليهم بسبب عدم نظامية إقامتهم في أراضي المملكة. ومع ذلك فقد تعايش أغلب أفراد هذه الجالية مع الصعاب، واستطاعوا بعزيمتهم إتقان العديد من الحرف، مثل النجارة والسباكة والحدادة وغيرها، وعملوا فيها ليقتاتوا منها،حتى وإن لم تكن إقامتهم نظامية.

وبعد هذا الإنجاز غير المسبوق لتصحيح وضع هذه الجالية، إنه لمن المستغرب أن تتعالى صيحات البعض الآن لتطالب بترحيل هذه الجالية لبلدها، بحجة أن عددها الكبير فاق التوقعات وسيزاحمون شباب المملكة في الوظائف. وهذا الرأي يجانبه الصواب لعدة أسباب، أهمها أنه من الصعب أن يتم ترحيل هذه الجالية لبلدها لما سوف تلاقيه من قبل السلطات هناك، هذا إذا اعترفت بهم أصلاً وسمحت لهم بالدخول. من جهة ثانية، أن أغلب أبناء هذه الجالية ولدوا وعاشوا في المملكة ولا يعرفون شيئاً عن بلدهم الأصلي وهم متشبعون بالعديد من عادات وتقاليد المملكة. وعليه، إن حصر مهنهم وتوظيفهم في القطاع الخاص، الذي يحتاج عمالة في بعض المهن، يعتبر أفضل بكثير من استقدام عمالة جديدة من الخارج لا تعرف أنظمة وعادات المملكة ولا اللغة العربية، في بعض الأحيان، خصوصاً في ظل الكفاءة العالية التي يتمتع بها العديد من البرماويين، بشهادة العديد من الذين تعاملوا معهم.ومن جهة ثالثة، إن إجبارهم على الرحيل لن يكون سهلاً وسيجعلهم بلا شك يفرون من تنفيذه، الأمر الذي سيعزلهم مرة أخرى عن المجتمع السعودي، وهو ما نحاول تصحيحه الآن. لقد تم أخيراً حل معضلة الجالية البرماوية في منطقة مكة المكرمة وذلك بتصحيح وضعها،ويعود الفضل بعد الله في ذلك إلى الجهد المضني الذي بذله الأمير خالد الفيصل. ونأمل بأن يكون ذلك فاتحة خير لتصحيح وضع العديد من الجاليات الأخرى وإنهاء معاناتهم بشكل جذري.

 

المصدر : جريدة المدينة - 21 جماد الأول 1434هـ الموافق 2 ابريل 2013م