د. عبدالإله محمد جدع - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1139

خبران يُبشِّران بخير خلال أسبوع واحد، تنتظرهما شريحة كبيرة من المواطنين، الذين لا سكن لهم، ويرزحون تحت وطأة الإيجارات الباهظة، رغم ازدياد العمارات وفتح باب تصاريح الأدوار المتعددة حتى في الحارات الضيقة، والتي كان من المؤمل أن تؤدي إلى خفض أسعار السوق بعد زيادة العرض، غير أن المشكلة الأخرى ظهرت من تنامي الإقبال والطلب على شراء الشقق هربًا من ارتفاع أسعار الأراضي البيضاء والفلل السكنية الجاهزة على نظام (الدوبليكس) التي رغم ضيق مساحاتها ترتفع أسعارها بشكل مبالغ فيه نظرًا لدخول شركات الاستثمار في بناء المخططات والتي لا ترحم بعضها أصحاب الحاجة التي أسهمت بشكل كبير في ارتفاع الأسعار.. وعود على ذي بدء فإن الخبرين المنشورين أولهما يشير إلى عزم شراء وزارة الإسكان للأراضي البيضاء حتى تنهض في إنجاز مشروعها الحيوي الذي أراد به المليك المفدى عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- حل مشكلة الإسكان بتنفيذ 500 ألف وحدة سكنية في مشروع الاستراتيجية الوطنية للإسكان.. وأن الوزارة بصدد الرفع بشأن التنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لاستغلال الأراضي البيضاء.. المطوّرة منها وهو ما يعتمد على عامل الوقت الذي يلعب دورًا في تأخر هذا المشروع الحيوي الذي يحل مشاكل العديد من المحتاجين للسكن عن طريق توفير بدائل استفادة المواطن إما بالقرض أو الأرض المطوّرة مع القرض إلى جانب القرض الإضافي في برنامج (القرض المعجّل)، وهو الخبر الثاني السعيد الذي يعد إنجازًا للوزارة بالاشتراك مع القطاع الخاص، فبرنامج (القرض المعجل) هو برنامج تعمل فيه الوزارة مع البنوك المحلية لتمكين المواطنين من الحصول على قروض إضافية عاجلة، تُساند مع قروض صندوق التنمية العقارية (البالغ خمسمائة ألف ريال) لبناء سكن يليق بهم وأسرهم، ولي ثمة ملاحظات على ذلك فيما يلي:

1- إن أمر إشراك البنوك في المسؤولية الاجتماعية في حد ذاته يعد إنجازًا كبيرًا، فكم كتبت وغيري من الكتاب لغير مرّة عن تقاعس البنوك عن أداء هذا الواجب الوطني الذي تؤديه مثيلاتها من البنوك في أنحاء العالم مُجبرة، في الوقت الذي تجد فيه تلك البنوك منافسات ضارة في الخارج، فضلًا عن الضرائب وإصرار عملائها على حصولهم على فوائد إيداع أموالهم فيها، وهو ما لا يوجد في بلادنا، مما يتيح لها ظروف تشغيل ونسب أرباح أكبر من غيرها.

2- لكن الخبر المنشور عن المواطن الذي حصل على القرض الإضافي بمبلغ وقدره مليون وثلاثمائة ألف ريال يُضاف إلى قرض صندوق التنمية (500 ألف)، مما يشكل له مبلغًا معقولًا لتأمين السكن، لم يفصح الخبر عن نسبة الفوائد، فالمشكلة لا تكمن في قناعة البنك بمنح القرض فحسب، بل إنها فيما تُحملّه المقترض من فوائد مرهقة مجحفة، وهو ما يحصل ويشتكي منه الكثيرون اليوم عند اللجوء لقروض البنوك لشراء المساكن، ولا بد من تحديد أسعار الفوائد عند حصول المواطن على (القرض المعجل) وإعلانها للناس.

ثم إنه لابد من الربط بين هذه الآلية لبناء المساكن واستفادة المواطنين وبين استغلال الأراضي الفضاء حتى تكتمل معادلة الفائدة المرجوة من حل مشكلة السكن.. فالوضع القائم الآن في ضوء أسعار السوق يُعطي مؤشرًا بارتفاع مبالغ فيه بأسعار الأراضي الفضاء المعروضة للبيع بسبب ما ذكرت عن جشع بعض شركات المقاولات، وحتى تنجح خطة الإسكان فإنه لا بد من توفير الأراضي البيضاء بأسعار معقولة، وإلا فإن ذلك المواطن الذي نُشر اسمه في الخبر لن يكفيه قرض مليون وثمانمائة ألف ريال لشراء الأرض المطوّرة في منطقة تصلها الخدمات والبناء عليها، رغم تكبدّه فوائد القرض!! وهو أسلوب القرض وفق أنظمة التمويل والرهن العقاري

وحتى يسهم برنامج التمويل الإضافي في حل أزمة الإسكان وتملك الأراضي فإنه لا بد من الكشف عن تفاصيل البرنامج وحدود فوائده وتحديدها، والمساهمة في توفير أراض بأسعار معقولة ومقبولة، بدلًا من ترك الأمر للعرض والطلب، الذي رفع أسعار الأراضي وزاد في أعباء القروض وسوف يضاعف من فوائد القروض المعجلّة، فالبنوك لا يعنيها أمر توفر الأراضي أو المساكن بأسعار مناسبة مخفضة، لأن ارتفاع السعر سوف يزيد من قيمة القرض الذي تزيد بالتالي فوائده وهكذا.. وعندها سوف يلجأ المواطن إلى حل مجحف كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

إن تعجيل فرض رسوم على الأراضي الفضاء سوف يعيد الاتزان إلى أسعار الأراضي التي تقبع بيضاء غير مطوّرة يتسابق هوامير الأراضي في الحصول عليها منحًا وشراء وتوريثها للأبناء والأحفاد دون اعتبار للمسؤولية الاجتماعية الوطنية والمشاركة الإنسانية التي يثيب الله عليها أضعاف ما لا يحقّقه الذي يكنزها ويذهب فيتركها ربما لمن لا يسأل أو يتصدق عنه.

 

المصدر : جريدة المدينة - 24 جماد الأول 1434هـ الموافق 5 ابريل 2013م