د. عبد الإله بن عبدالله المشرف - جريدة الجزيرة

عدد القراءات: 1100

عُرِف الاعتماد الأكاديمي في الغرب قبل مائة عام تقريباً، وكان ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية بعدما شعر المجتمع بأن المدارس لم تعد تُقدّم التعليمَ المطلوب، وبضرورة وجود جهاتٍ تقيّم عمل المدارس والمؤسسات التعليمية وتتحقق من كفاءة أدائها وفق معايير جودةٍ يتم تحديدها حسب

متطلبات المجتمع وأهداف التعليم في الولاية المعنيّة، وعليه فقد نشأ عدد من المنظمات غير الربحية في شمال أمريكا وجنوبها وشرقها وغربها كلها تهدف إلى تقيّيم التعليم وحوكمة النظم التعليمية، وقد ساعدت هذه المنظمات على تأدية دورها بكفاءة واقتدار عددٌ من العوامل أهمها:

1. النظام اللا مركزي والمستوى العالي لمساحة التطوير في المدارس.

2. وعي المجتمع وقدرته على ممارسة دوره الرقابي والتطويري وفق أطر نظامية.

3. تنامي أهمية تطبيق الجودة ودورها في الارتقاء بمستوى الأداء والمخرجات.

إنّ الاعتماد الأكاديمي هو الاعتراف العملي بمدى جودة التعليم بناءً على التقويم المعياري، وهو أيضاً الشهادة التي من خلالها يتم الإقرار لمؤسسة معينة بأن تقدّم خدماتها اعترافاً منا بأن ما تقدّمه من خدمات يحقق في أسوأ حالاته الحد الأدنى من الأداء التربوي المنشود.

والاعتماد الأكاديمي هو أحد الأسس التي ينبغي التأكيد عليها في تحفيز المؤسسة التعليمية على التطوير المستمر، إذ إن معايير الاعتماد لا تقبل الجمود والوقوف على مستوى معين، بل تطالب المؤسسة بشكل مستمر بالتطوير الدائم والتغيير المستمر.

وعلى الرغم من انتشار الاعتماد الأكاديمي للتعليم العالي في جميع أنحاء العالم المتقدّم إلاّ أن العالم العربي بشكل عام، ونحن في المملكة العربية السعودية بشكل خاص لم نتعرّف عليه ونطبّقه إلا في الأعوام الأخيرة وفي نطاق محدود.

أما في التعليم العام فلا نزال لم نلحق بالركب في هذا المجال، فالاعتماد الأكاديمي ينحصر فقط في التعليم العالمي ويعاني من أخطاء جسيمة جعلت الوزارة تنأى بنفسها عن اعتماد أيٍ من مؤسسات الاعتماد العالمية العاملة في القطاع الخاص لعدم قناعة الوزارة من جانب، ولتيقنها من تداخل المصالح الشخصية في كثير من شهادات الاعتماد الحالية. ولا يزال المجتمع التربوي ينتظر أن تشرق شمس هيئة تقويم التعليم وينطلق وهجها فتسهم في تطوير الأداء، وتخليص البيئة التربوية من كثيرٍ من الممارسات غير التربوية التي لم يعد من المقبول السماح لها بالاستمرار.

والحقيقة أن واقع أساليب التقويم الحالية لا يتواكب مع تطلعاتنا وطموحاتنا في المملكة، فالتقويم الحالي في مجمله يقتصر على الاختبارات التحصلية والزيارات الإشرافية والتقارير النظرية، وهذه كلها أثبتت التجارب السابقة أن تأثيرها محدود جداً، بل في بعض حالاتها سلبية وغير مفيدة، كونها مقيدة برضا المسؤول عنها، وكثير ما يتم خلالها مراعاة مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.

ولا شكَ أن تقّويم التعليم من قِبَلِ جهةٍ خارجيةٍ محايدة سوف يكشفُ لمجتمعنا بكل شفافية وموضوعية ووضوح عن واقع التعليم الحالي، وسوف يقودنا إلى التعرّف على الأسباب الحقيقة وراء ضعف مُخرجات التعليم، وقصورِ منتجاته في تلبية متطلبات التنمية التي تشهدها المملكة العربية السعودية في مختلف مجالات الحياة.

وتقّويم التعليم سيكون تلك المرآة التي نتعرّف من خلالها على واقعنا ونقارن بها حالنا بغيرنا، بحيث يظهر لنا مقدارَ جوانب القوة في التعليم فنعزّزها، وجوانب القصور والضعف فنعالجها، فالطالب يقضي في مدرستهِ معظم يومهِ وزهرةَ شبابه، ويكتسبُ من المدرسة جُلّ قيمه وأخلاقياته الإيجابية والسلبية، لذا فمن حق أبنائنا أن يشارك المجتمع بكل فِئاته في تقويم الأداء وتطوير العمل.

إن تقويم التعليم – بإذن الله- سوف يكونُ الفاحص الأمين لكل التجارب والمشروعات التربوية التي نسمع عنها كل يوم، فيعزِّز ويدعم ما كان صحيحاً منها، ويقوّم ما نفذ بطريقة خاطئة، ويحاسب ما تعثّر وتعرقل منها ناظراً في الأسباب والمسببات مطوّراً في الأدوات والآليات.

وبشكل عام فإن تقويم التعليم سوف يساعدنا على تحديد خط سيرنا بوضوح بناءً على مستوى أداء مؤسساتنا الثقافية التربوية، فتكون خطط التنمية لدينا متواكبة مع حاجتنا ومخرجاتنا، وبالتالي يتم استثمار الطاقات البشرية والمادية بشكل أكثر فعالية وأجدى نفعاً.

إننا كآباء وكتربويين ننتظر وبفارغ الصبر أن يتم تشغيل هيئة تقويم التعليم العام، وأن تمارس دورها بكل شفافية، وأن تكون مَعلماً من معالم التغيير التي نفخر بها، وأن تنتشر ثقافة الاعتماد، وأن يكون للمجتمع دور رقابي محاسبي أكثر في تقويم أداء المدارس وإدارات التعليم، والمؤسسات التعليمية والتربوية الأخرى.

والحديث في مجال تقويم التعليم والاعتماد الأكاديمي يدعونا إلى مزيد من التجلية والتحلية حول التعليم وهمومه، ولعلنا في مقالات لاحقةٍ نتطرق إلى تطلعاتنا والتحديات المتوقعة حول الاعتماد الأكاديمي. والله الموفّق.

 

المصدر : جريدة الجزيرة - 14 رجب 1434هـ الموافق 24 مايو 2013م