هالة القحطاني - جريدة الشرق

عدد القراءات: 1276

اهتز المجتمع الخليجي والسعودي خاصة لخبر ذبح الخادمة (الإندونيسية) الطفلة ذات الأربع سنوات وفصل رأسها عن جسدها بدم بارد وهي نائمة في سريرها في مدينة ينبع غرب السعودية، التي ادعت على حسب التحقيقات أن ما دفعها لذلك (مكالمة هاتفية)، وكان المجتمع وقتها لم يفُق من قصة الخادمة (الإندونيسية) في المنطقة الشرقية التي تسببت في مقتل الرضيع ابن الأربعة أشهر مسموما، حين دست له في رضاعته مع الحليب خليطا من سُم الفئران، مع أدوية مسكنة لإسكاته عن البكاء،

والأسبوع الماضي صُعق العالم بجريمة خادمة حوطة بني تميم (الإثيوبية) التي نحرت طفلة الست سنوات وفصلت رأسها عن جسدها بكل وحشية في سيناريو يتكرر وتركتها غارقة في دمائها في دورة المياه، علما بأن والدتها وبعض أفراد أسرتها في غرفة مجاورة بالمنزل…وعلى الرغم من التحذيرات التي تحيط بكل جريمة ويذهب ضحيتها الأطفال الأبرياء، لم تتعظ عديد من الأسر بل ما زالت تواصل بحثها وبقوة وبأي ثمن عن أي خادمة حتى لو كانت هاربة من كفيلها قبل شهر رمضان!!

إن تضخم الاتكالية في مجتمعنا والاعتماد بشكل بغيض ومبالغ فيه على الخدم والسائقين أصبح مشكلة تنهش في استقرار وأمان المجتمع الخليجي على وجه الخصوص، إذ تُشكل نسبة الاعتماد على الخادمات في المملكة (89%) حيث تجد خادمة واحدة على الأقل في كل أسرة، تنتهك أسرارها وتتدخل في خصوصيتها، لتصل بعض جرائمهم لتفكيك الأسرة بأنواع لم نسمع عنها من السحر بداية من الأسود إلى استحضار الجن الأزرق لتنتهي بالذبح والناس مستمرة في الاستقدام!

في عام (2011) بلغ عدد الجرائم التي ارتكبتها الخادمات فقط في مدينة صغيرة مثل دبي (665) جريمة، وفي مدينة مثل أبو ظبي يتجاوز عدد الخادمات المليون وفقاً لإحصائية متخصصة في ذلك، وبلغ حجم إنفاق الأسر في الإمارات فقط على سبيل المثال على خدم المنازل نحو ثلاثة مليارات درهم سنوياً، فهل نتخيل كم مليارا من الريالات حجم إنفاق بلد بحجم السعودية على خدم المنازل!!

خاصة وفي بعض الأسر تجد عدد الخدم يفوق عدد أفراد الأسرة، ويأتي ارتفاع عدد العمالة المنزلية أحياناً إلى التباهي والتفاخر لأن هناك من يعتقد أن زيادة العدد من مظاهر علو الشأن وعِلِية القوم، فباتت بعض الأسر تتسابق على زيادة عددهم لتتزايد عمليات الاستغلال، ليتحول نقصهم من مشكلة أسرة إلى مشكلة مجتمع، لتتبناها الدولة وتصبح شاغلا أساسيا لقطاعات حكومية أهدرت كثيرا من وقتها بالتفاوض مع بلدان من العالم (السابع والعاشر) لإرضاء رغبة المجتمع بحثاً عن الأقل تكلفة!

فبعد أن ذبحت الخادمة في المملكة (مشاري- وتالا- ولميس) وأصابت وجرحت آخرين فكم من الأطفال يجب أن تُراق دماؤهم قبل أن نتناول ملف الخادمات بصرامة، وقبل ذلك كيف نستطيع إعادة المجتمع إلى صوابه إذا لم تؤثر فيه تلك الجرائم البشعة!!

المجتمع بحاجة إلى خدمات توفر احتياجاته، (جزء) منها تطبيق أنظمة العمل وواحد من أهم حقوق الأم العاملة، بإنشاء حضانة متخصصة ورياض أطفال، المجتمع بحاجة لمن يوقظه من غفلته ويحثه على التعاون بين أفراد الأسرة الواحدة، نريد من القطاعات المتخصصة بشؤون الأسرة والإعلام المرئي العمل على مبادرة تشجع ربة المنزل على الاستغناء عن الخادمة والعودة لدفء التعاون الأسري الذي كان يربط العائلة الكبيرة التي تربينا ونشأنا تحت أعينها برعاية آبائنا وأجدادنا دون مساعدة الغرباء، حتى الأمهات العاملات في الدول الأجنبية وشمال إفريقيا وممن سبقونا في العمل لا يتركن أبناءهن في عهدة خدم، بل يكلفون أقارب موثوقا بهم من نفس العائلة بذلك لساعات محدودة جدا، وأغلب الأزواج في تلك البلدان يتناوبون على الاعتناء بأطفالهم ويتقاسمون أعمال المنزل مع أبنائهم وزوجاتهم دون تأفف أو تملص لأن الحياة أساسها المشاركة.

أصبح من الضروري توعية الأزواج وتشجيع الأبناء وحثهم على المشاركة بنصيب في أعمال المنزل التي لا تحظى بالتقدير المناسب منهم على الرغم من طبيعتها التراكمية التي تحتاج إلى مجهودات متكررة يومياً، بل تجد كثيرا من الأزواج والأبناء يتعامل مع زوجته وأمه وكأنه في مطعم أو فندق، يطلب ما تشتهي نفسه من الأطعمة التي يدعي إليها أصدقاءه وأسرته بشكل أسبوعي، دون أن يشارك في تحضيرها أو التنظيف بعدها ، بل يغادر الفرد منهم منزله تاركاً فِراشه من غير ترتيب لمن في البيت دون أن يخجل من نفسه، ما أدى لمبالغة الزوجة في اعتمادها على الخادمة في جميع تفاصيل حياتها، بعد سوء معاملة وتقدير من الزوج والأبناء سواء كانت موظفة أو عاملة، لذلك تجد كثيرا منهن اليوم لا يتحركن بسبب معاناة سابقة، وهذا لا يعني أننا نتعذر للاتكالية بل نوضح (جزءا) من الأسباب التي جنحت بالأسرة إلى هذه المرحلة، ولن يفيدنا الآن أي شيء سوى أن نتعاون كأسرة ومجتمع من أجل الحفاظ على سلامة العائلة والأهم أمان الأرواح البريئة داخل كل أسرة في المجتمع.

المصدر : جريدة الشرق - 24 شعبان 1434هـ الموافق 3 يوليو 2013م