عدد القراءات: 1923

لما كانت الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع وترابطه, و بها دوام الحياة البشرية وعمارة الكون على وفق ما شرعه الله, اهتم الإسلام ببنائها على المودة والرحمة والألفة, وحسن المعاشرة, قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)- الروم21.

إن من الظواهر الخطيرة, والمآسي الإنسانية التي بدأت تنتشر بين المسلمين, وتفرز لنا كثيراً من مشاكلها, ومآسيها المحزنة, وآثارها الضارة التي تهدد حياة البشر وترابط الأسرة, واستقرار المجتمع ظاهرة العنف الأسري بجميع أشكاله وصوره.

ومعنى العنف الأسري شرعاً: ممارسة القوة والإكراه بطريقة متعمدة وغير شرعية من قبل فرد أو أكثر من أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر من الأسرة ذاتها, ويكون المجني عليه واقعاً تحت سيطرة الجاني وتأثيره مما يلحق به الهلاك, أو الضرر والأذى.

وأنواع العنف الأسري وأشكاله تعددت في هذا العصر وازدادت ضراوة وعنفاً بسبب جهل مرتكبيه, أو حب التسلط, وقلة الوازع الديني وزيادة الضغوط النفسية والمادية, والتأثر بمشاهد العنف والإجرام. والسلوك العدواني الناتج عن العنف الأسري تختلف درجته وأنواعه فقد يكون بدنياً, معنوياً مالياً, أو جنسياً.

ولا شك أن العنف الأسري محرم شرعاً, ويتنافى مع تعاليم الإسلام, بل قد يكون العنف الأسري من أكبر الكبائر خاصة إذا ترتب عليه إزهاق الروح أو العقل أو عقوق الوالدين, أو قطيعة الرحم. ومن ذلك يتبين لنا أن العنف الأسري من أعظم الجرائم لما يترتب عليه من الأضرار العظيمة والمفاسد الكثيرة والنتائج المؤلمة.

فالمربي الصالح, والوالد المشفق والزوج المسؤول والأم الحنون, ينبغي أن يحتضن كل منهم من تحت يديه باللين والرفق والمحبة, لا بالشدة والغضب وقسوة القلب ولا برفع الصوت, ولا بالعصا ولا بالسوط, فالتربية والتعليم وتقويم الأخلاق بالحب والرحمة وحسن المعاملة, والمحاورة الهادئة من أهم الأسباب التي تجعل الأولاد والزوج والزوجة يقلعون عن العادات السيئة, ويستجيبون لما طلب منهم, ولذلك ينبغي التغاضي عن الأخطاء البسيطة والهفوات التي تصدر منهم أحياناً عن غير قصد, أو عدم أدراك لعواقبها خاصة إذا كان لا يترتب عليها انتهاك لحرمات الله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما انتقم النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم الله )- أخرجه البخاري.

إن الناظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أزواجه يجد أنه جميل المعشر, حسن الملاطفة وحسن الخلق والمداعبة والمزاح معهن, يعاملهن أجمل معاملة وأتمها. ولم يكن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب نساءه, وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تضربوا إماء الله ), ولما اشتكى بعض نساء الصحابة صلى الله عليه وسلم من ضرب أزواجهن لهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس أولائك بخياركم ).

أما ما يفعله بعض أرباب الأسر والأولياء من المعاملة القاسية واتخاذ الضرب الشديد مسلكاً للتأديب وتقويم السلوك في كل صغيرة وكبيرة, وجعله أول الحلول, ويزعمون إن حق الولاية والقوامة يمنحهم ذلك ويتخذونه ذريعة للتستر على أعمالهم القبيحة وتبريراً لانفعالهم, فهذا دليل على جهلهم, فالإسلام أعطى الرجل حق القوامة على المرأة بما منحه الله وفضله من القوة والصبر وطلب الرزق والإنفاق على المرأة وقيادة سفينة الأسرة إلى بر الأمان ورعاية شؤونها بالرفق والإحسان والتهذيب للسلوك والتربية الصالحة كما شرع الله تعالى, فليست الولاية والقوامة تحكماً وتسلطاً وقهراً واستبداداً بالرأي, وكل من له حق القوامة والولاية مؤتمن على من تحت يده, فلا يفعل إلا ما في مصلحته وتأديبه. وحين شرع الإسلام الضرب في حالات محدده بأن يكون ضرباً غير مبرح وغير ضار, ضرباً للتأديب والتنبيه على الخطأ, ولا يقصد منه التشفي والتسلط والإيذاء واستخدام القوة والفضفاضة في ذلك.

وأما هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الأطفال, فقد كانت معاملة تفيض بالرحمة والحنان والمحبة والشفقة والرضا والرفق, وسيرته مليئة بكثير من المواقف المشرقة التي تعتبر نموذجاً فريداً في التربية والتعليم ينبغي لكل المربين والآباء والأمهات وأولياء الأمور أن يستضيئوا بها ويترسموا خطاها ويطبقوها في تربية أولادهم. فقد كان من محبته صلى الله عليه وسلم وشفقته بالأطفال أنه كان يقبل الحسن والحسين ابني فاطمة رضي الله عنهما, وقال صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ).

لذا فإن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتخلق بخلقه وسيرته العطرة مع أزواجه وأولاده وجميع الناس, وأن يعامل زوجته وأولاده ومن تحت يديه معامله وسطاً بين القسوة والشدة, والتسلط وبين الإهمال والتفريط في اللين, معاملة تتسم بالرفق والرحمة والشفقة مع توجيههم وتربيتهم تربية إسلامية صالحة.

وعليه يجب على من وقع منه العنف ضد احد أفراد أسرته أن يبادر بالتوبة النصوح مما صدر منه وأن يحسن إلى من أساء إليه ويستبيح منه, وأن يلجأ إلى الله بكثرة الاستغفار والنوافل لعل الله أن يقبل توبته ويبدل سيئاته حسنات, وأن يشكر الله على مامن الله عليه من الصحة والبدن والقوة في الجسم والقدرة على الحركة, ويعلم أنما يستمد ذلك من قوة الله وحفظه له, فيستعملها فيما شرعه الله, ولا يتجبر على من تحت يده ويتجاوز الحد بظلمهم وغمط حقوقهم, فإن العظيم الجبار القوي القهار قادر على سلبها منه, وإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

وإذا لم يرتدع مرتكب العنف بالإحسان إليه ومناصحته بالموعظة الحسنة فإنه يجب تبليغ الجهات المختصة سواء من قبل من وقع عليه العنف أو من قبل من يعلم حاله, فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى, ومن إنكار المنكر ونصره المظلوم وحجز الظالم عن ظلمه.

وإننا في هذه البلاد المباركة نلمس الجهود المباركة والانجازات العظيمة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية للقضاء على العنف الأسري ومعالجة أثاره وحل مشاكله, وتلقي البلاغات عن ذلك وتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية لضحايا العنف الأسري, ومتابعتهم وحمايتهم بالتنسيق مع الجهات الأمنية والقضائية والحقوقية, وإقامة الندوات والمحاضرات التي تعني بتقديم الحلول المناسبة لقضايا العنف الأسري وبيان أضراره, وتوعية الناس بأهمية الأمان الأسري وفوائده.

المصدر:

برنامج الأمان الأسري الوطني