مؤسسات المجتمع المدني.. تعزيز لدور الأفراد ومساندة الحكومة في مشروعات التنمية ومحاربة الفساد
جدة – نعيم تميم الحكيم
يقاس تقدم المجتمعات وتطورها بمدى الحراك الأهلي والمدني فيها، ولقد كان ظهور مؤسسات المجتمع المدني التي تنظم هذا الحراك وتظهره نقلة نوعية في الدول المتقدمة التي باتت تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه المؤسسات في تنمية الإنسان والأوطان، بل إن هذه المؤسسات أصبحت شريكة فاعلة في تطور الدول وتقدمها من خلال تنسيق العمل الخيري والحقوقي والمهني والتطوعي والعلمي بشكل يفيد المتخصصين في هذا المجال ويشرك كل شرائح المجتمع من خلال نافذة هذه المؤسسات، ليكون الجميع مساهماً في بناء المجتمع وبالتالي يشعر الإنسان بقيمته ويتعزز لديه شعور المواطنة.
وتزداد أهمية هذه المؤسسات في حال حصول الأزمات والمحن التي تمر بها الدول، إذ تقوم هذه المؤسسات عبر حراك شعبي منظم على المشاركة في الحد من سلبيات هذه الأزمات، وبالتالي تكون خير وسيلة لتساعد الدول على تجاوزها.
ولو عدنا للوراء بحثاً عن المعنى الحقيقي لمفهوم المجتمع المدني لوجدنا أن هناك غياباً لرؤية متفق عليها، وأرجع الباحث رياض الزهراني عدم الاستقرار على تعريف محدد إلى أنها حالة تعللها المراجع البحثية بعدة أسباب منها حداثة مصطلح مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى الاختلافات الثقافية بين المصدر الغربي والمستقبل الشرقي.
وأضاف «رغم تعدد واختلاف مفهوم المجتمع المدني من مصدر لآخر إلا أن هناك سمات وعناصر مشتركة تتبناها أكثر المصادر، ويمكننا من خلال هذه العناصر المشتركة تكوين تعريف يجمع أهم الصفات البارزة والمهمة في مصطلح مؤسسات المجتمع المدني بأنها: تشكيلات غير حكومية وغير ربحية تنشط في مجال معين وبشكل طوعي ومنظم لا تسعى للسلطة تهتم بمصالح الأفراد والمجموعات من خلال حركتها السلمية بين المؤسسة الحاكمة والمجتمع».
وقدم عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور محمد الحلوة، تعريفاً لمؤسسات المجتمع المدني في السعودية بشكل خاص، بأنها مؤسسات مدنية تتمثل في جماعات مصالح لها غايات وأهداف مختلفة، وتبرز هذه المؤسسات المدنية لتشكل في مجموعها المجتمع المدني السعودي الذي يسعى ما أمكن للاستقلال عن المجتمع.
ومع اقتراب صدور نظام خاص بمؤسسات المجتمع المدني من قبل المقام السامي بحيث ينص النظام على إنشاء هيئة عليا لهذه المؤسسات تشرف عليها رقابياً دون التدخل في عملها، وتوحد مرجعية كل مؤسسات المجتمع المدني بأنواعها الحقوقي والتطوعي والخيري والمهني والعلمي وغيرها، وتضع الضوابط وتمنح التراخيص، ما يشكل نقلة نوعية في تاريخ الدولة السعودية الحديثة بعدما تمت دراسة هذا النظام بشكل وافٍ من قبل هيئة الخبراء في مجلس الوزراء عقب رفعه من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية ليتم صياغته وإجراء تعديلات جوهرية عليه في مجلس الشورى ويرفع بشكل نهائي للمقام السامي، ومن المتوقع صدوره خلال الفترة المقبلة.
«الشرق» ناقشت القانونيين والحقوقيين والخبراء الاستراتيجيين في أهمية صدور مثل هذا النظام والفوائد التي ستنعكس على الوطن والمواطن في حال إقراره والسلبيات التي يجب تلافيها عند صدوره.
أساس قانوني
أكد رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، على الفائدة الكبيرة لصدور هذا النظام، واستدرك القحطاني قائلاً «لكني آمل ألا يتضمن بعض القيود التي تحول بين هذه المنظمات وبين القيام بعملها، كما نأمل أن تستشعر المسؤولية من الجميع عند تطبيق هذا النظام».
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود ونائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الخثلان، مع رأي القحطاني، مشيراً إلى أن صدور النظام سيكون له أثر إيجابي على تطور المجتمع المدني، مبيناً أن النظام سيوفر الأساس القانوني للترخيص للجمعيات وتسجيلها، متوقعاً أن تكون هناك طفرة في هذه الجمعيات خاصة تلك المعنية بالشأن العام، وأضاف «هناك حراك كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة في هذا الاتجاه بحاجة إلى ترجمة في أطر قانونية ومؤسسية».
حلم طال انتظاره
ويشير عضو مجلس الشورى السابق عضو مجلس غرفة جدة الدكتور عبدالله دحلان، إلى أن نظام مؤسسات المجتمع المدني حلم طال انتظاره، مبيناً أنه أحد من شاركوا في إعداد صياغة النظام في مجلس الشورى، لكنه لم يتوقع أن يتأخر ست سنوات.
وأضاف دحلان «أتمنى أن لا تكون التعديلات على النظام معوقاً لإنشاء مؤسسات المجتمع المدني»، مشدداً على أن إصدار النظام يتطلب السرعة في إصدار اللائحة التنظيمية، وأن اختيار أعضاء الهيئة المنظمة لمؤسسات المجتمع المدني ينبغي أن يكون ممثلاً لمعظم أطياف المجتمع
وأشار دحلان إلى أن التوسع في إنشاء مؤسسات المجتمع المدني يرسخ مبدأ المشاركة الشعبية.
وتمنى أن لا يكون النظام الجديد مقيداً لحرية مؤسسات المجتمع المدني القائمة حالياً ولا محبطاً لمن شاركوا في إعداد النظام في مجلس الشورى.
تأخر النظام
ويلمح عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الباحث الدكتور مسفر القحطاني، لتأخر صدور النظام، متفقاً مع رأي دحلان، لكنه يرى أن وعي المجتمع واسشتراق الدولة أهميتها هو ما أسهم في تأسيسها وفق حرية العمل المسؤول وسيادة الشريعة والنظام المصلحي لها.
ويؤكد القحطاني على أن مؤسسات المجتمع المدني هي نبض المواطن ومجال حيوي لاستيعاب الميول وتوظيف الأفكار النافعة بما يخدم احتياجات المجتمع، مشدداً على أن أهميتها لمؤسسات الدولة «عظيمة»، فهي التي تسد الخلل وتقوم العوج وتغطي ما لا يسع الدولة تغطيته.
مطالباً بعرض النظام على هيئة كبار العلماء، وهو ما أشار إليه عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الباحث الشرعي الدكتور إحسان المعتاز، عندما قال «لاشك أن وجود هيئة عليا لمؤسسات المجتمع المدني أمر يدعو للاستبشار، ولكن يبدو من الصعوبة بمكان الحكم على كفاءة هذا النظام ومحتوياته حتى يصدر ويمكن الاطلاع عليه، ومن حيث الأصل فإن جميع ما يصدر في المملكة ينبغي أن يكون وفق مبدأها الأساس وهو الاحتكام إلى الكتاب والسنة، ولذا فإنني أرجو قبل صدور أي شيء بهذا الخصوص أن يتم عرضه على هيئة كبار العلماء للاستنارة بمرئياتهم وملحوظاتهم».
بيد أن الدكتور مسفر القحطاني طمأن المعتاز بأن فكرة مؤسسات المجتمع المدني فكرة إسلامية أصيلة أسهمت في تطوير الدولة الأولى في مجال التعليم والصحة والمرافق العامة، فلا مجال للقلق منها، موضحاً أن حداثة المصطلح ومرجعيته الغربية لا تعني رفضه، بل له نماذج عدة يمكن أن نأخذ أفضلها للتطبيق.
فوائد القرار
وفصل المستشار القانوني لجمعية حقوق الإنسان الدكتور خالد الفاخري، فوائد صدور القرار بقوله «وجود نظام ينظم عمل مؤسسات المجتمع المدني وهيئة عليا للإشراف سيحقق عديداً من الفوائد منها توحيد المرجعية في إصدار التصاريح لمؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي القضاء على تعدد الجهات المانحة تصاريح حيث إن الوضع الحالي قائم على أن يتولى عدد من الجهات إصدار تصريح للجمعية الداخل نشاطها في نطاق عمل هذه الجهة، وهنا مشكلة في اختلاف المعايير الواجبة لإنشاء الجمعيات بين جهة وأخرى، وبالتالي عدم المساواة في منح التصاريح للأفراد».
وأشار الفاخري إلى أن التأكيد على أن الهيئة ستقوم بدون إشراف دون تدخل في عمل هذه الجهات يؤكد على توجه الدولة لاستقلال مؤسسات المجتمع المدني، وإعطائها الحرية في رسم سياستها بنفسها، ما سيُسهم في تفرغ هذه المؤسسات لأداء عملها من خلال وجود جهة تقوم بتذليل أي عقبات إدارية قد تواجهها، وبالتالي تتفرغ مؤسسات المجتمع المدني لأداء مهامها وفق ما نص عليه نظامها الأساس.
ورأى الفاخري أن أربعة فوائد ستتحق من صدور النظام هي توحيد الاشتراطات الواجب اتباعها لمن رغب من الأفراد في إنشاء جمعية، وقصر المدة لمنح التصاريح التي تستغرقها عملية إصدار التصاريح حالياً، وإيضاح الآليات لإنشاء الجمعيات، وإيجاد قاعدة بيانات لهذه المؤسسات.
وأبان الفاخري أن تعدد مؤسسات المجتمع المدني سيؤدي إلى زيادة الحراك الحقوقي والتطوعي الذي تشهده المملكة بدعم من خادم الحرمين الشريفين، ورفع وعي الأفراد حقوقياً وتطوعياً وعلمياً، وتوحيد الجهود في المجالات التطوعية والحقوقية والثقافية وخلافه، مشيراً إلى أن هذه المؤسسات ستساند الأجهزة الحكومية من خلال توعية الأفراد بما لهم من حقوق يستطيعون المطالبة بها، وما عليهم من واجبات عليهم الالتزام بها، وستدعم أفراد المجتمع في المطالبة بحقوقهم.
توحيد المرجعيات
ويؤكد عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان المستشار العمالي والباحث في القضايا العمالية حامد الجهني، على حديث الفاخري بأن مؤسسات المجتمع المدني في الوقت الحالي تعاني من تشتت في المرجعية، مستدلاً بأن المؤسسات الخيرية تعمل تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، وهناك لجنة الطفولة تعمل تحت مظلة وزارة التربية والتعليم، مؤكداً أن وجود هيئة سيوحد المرجعية ويضمن استقلاليتها لممارسة أعمالها وتكون جهات رقابية مكملة للجهات الرقابية المعينة من الدولة.
ولاحظ مدير الإعلام في قناة العربية والكاتب ناصر الصرامي، أن صدور النظام سيستجيب بشكل جيد للحاجات الاجتماعية والمهنية والإنسانية، ويسهل مهمة المنظمات المدنية التي من شأنها تكريس روح العطاء والمشاركة والرعاية العامة والإيثار المجتمعي.
وأضاف الصرامي «الأمل أن نسمع بتفاصيل النظام الجديد ولوائحه، لتكون الهيئة الجديدة داعمة للعمل المؤسساتي المدني ومشجعة له بشكل يرسم مستقبلاً متنوعاً للمشاركة والعمل الجماعي المنظم والمحترف».
المشكلات الحقوقية
ورأى فريق من المراقبين والناشطين أن النظام سيُسهم في حل كثير من المشكلات الحقوقية لفئات مختلفة من المجتمع لم تأخذ من الاهتمام الحد الأدنى، وهو ما أشار إليه الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم، إذ رأى أن صدور النظام سيفتح المجال للتوسع في إنشاء المؤسسات المدنية الأهلية، مطالباً بالبدء بأهم قطاع وهو فئة المعلمين والمعلمات الذين يربون على نصف مليون عامل، متمنياً صدور موافقة على إنشاء جمعية لهم. وشدد الفريق على أن قرب صدور نظام مؤسسات المجتمع المدني يعدّ بشارة العيد لكل الناشطين والمهتمين بالشأن العام، بيد أنه يخشى أن تكون مرجعية هذه المؤسسات صورية لا فاعلة، وأن تبقى مجرد واجهة وديكوراً جميلاً بلا مضمون.
وأكد أن الناشطين يخشون بقاء مثل هذه القرارات في حيز الواجهات فقط دون تفعيل حقيقي لما يريده ولاة الأمر، من فائدة فعلية تعود على المجتمع وأفراده من وراء مثل هذا القرار.
مكافحة الفساد
وربطت الكاتبة مي عبدالعزيز السديري نجاح النظام بشريطة أن يكون مشابهاً لنظام هيئة مكافحة الفساد، مشيرة إلى أن أعضاء الهيئة العليا الذين سيشرفون على تنفيذ النظام يجب أن يتمتعوا بخبرة إدارية وعملية وأن يكونوا مستقلين بعيداً عن تدخل أي جهة.
وذهبت إلى ما طالب به الدكتور عبدالعزيز قاسم بتأسيس جمعيات للاهتمام بالجوانب والفئات المهملة من المجتمع، مثل إنشاء جمعية لحماية المستهلك، وجمعيات لكشف الفساد الطبي، وجمعية للمتظلمين من مخالفات ساهر، وجميعات للعاملين في الحج والعمرة، مؤكدة أن نجاح الهيئة مرهون بالشروط التي توضع لافتتاح المؤسسات بحيث تكون سهلة وميسرة وسريعة وبعيدة عن البيروقراطية والفساد.
أكدوا أن نجاحها مرهون بآليات التنفيذ
محامون: صدور النظام يعدّ نقلة نحو المشاركة الشعبية
رأى محامون قرب صدور نظام مؤسسات المجتمع المدني في المملكة نقلة ديمقراطية نحو المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
وقال رئيس لجنة المحامين في المملكة الدكتور إبراهيم الغصن «مشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار موجودة لدينا لكن بأطر اجتهادية ودون وجود قالب رسمي»، مؤكداً على أن صدور النظام سيؤطر هذه المشاركة، مشدداً على أن صدور النظام في المملكة يعدّ نقلة ديمقراطية نحو المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وسيفتح الآفاق للمشاركة الشعبية، ما ينعكس إيجاباً على جميع المستويات، مؤكداً أن وجود هذه المؤسسات نقلة تاريخية منظمة في تاريخ المملكة.
ويرى نائب رئيس لجنة المحامين سابقاً صالح الصقعبي، أن صدور النظام تعميق لثقافة الاستقامة، والعمل التطوعي وإبراز النجاحات دورياً، وترسيخ نهج الحوار والاعتدال والدقة في المعلومة.وقال «هذه المؤسسات لكي يُكتب لها النجاح فهي تحتاج إلى انضمام المواطن لها وتزويدها بالمعلومة».
ويؤكد المحامي وعضو لجنة الطفولة الدكتور عدنان الزهراني، أن صدور النظام في حال إعلانه رسمياً يعدّ خطوة متقدمة تعبر عن وعي بالمحيط العربي والدولي، وتتيح فرصة للناشطين للعمل المؤسسي، وتنظم تلك الأنشطة، وتوقع أن تكون خطوة موفقة للتحول نحو تحمل عام لمسؤولية تطوير المجتمع الحقوقي على جميع المستويات، بيد أن المحامي خالد أبوراشد ربط نجاح الفكرة التي وصفها بالممتازة بالتنفيذ وآلية العمل حتى تحقق الأهداف المرجوة.
قال إنها وسيلة لتماسك الجبهة الداخلية في أوقات الأزمات
الحارثي: مؤسسات المجتمع المدني قنوات للتعبير وامتصاص للطاقات وتعزيز للانتماء
أكد عضو مجلس الشورى والمتحدث الرسمي لهيئة حقوق الإنسان سابقاً الدكتور زهير الحارثي، أن أهمية صدور نظام المؤسسات الأهلية يكمن في تفعيل جميع شرائح المجتمع وينمي الإحساس بدورها في المجتمع، ما يعزز انتمائها، مشدداً على أنها ستكون قنوات امتصاص وتعبير قادرة على تسهيل مهام الدولة بل وتخفيف العبء عليها من خلال قيامها ببعض الوظائف، وبالتالي إذابة الحواجز بين الدولة والقطاع الخاص.
وأضاف الحارثي «لعل إفرازاتها ستنعكس على تنمية قيم المواطنة ونشر قيم التسامح وقبول الاختلاف وتكريس مفهوم العدالة الاجتماعية».
وأبان الحارثي أن مؤسسات المجتمع المدني توفر منبراً للأصوات التي تغلب مصلحة الوطن، وتدفع باتجاه محاربة الفساد وحفظ الحقوق، وتماسك الجبهة الداخلية في أوقات الأزمات والضغوط والحروب، موضحاً أن الهيئة ستوفر الإطار التشريعي والقانوني الذي يساعد المجتمع المدني للقيام بدوره باستقلالية، وإيجاد صيغة تعاونية مع الدولة بما يتجاوز الرابطة التقليدية إلى رابطة مدنية ترسخ مبدأ المواطنة وستعزز الهيئة مبادئ الشفافية بوضع أطر رقابية.
وأفاد الحارثي أن وجود آلية محاسبية سيمنع ظهور مؤسسات لها طبيعة قبلية أو طائفية، أو أن تستغل من جهات خارجية أو من تيارات لها نشاطات مشبوهة.
المصدر : جريدة الشرق 7 شوال 1433هـ الموافق 25 اغسطس 2012 م .