عبد الله باجبير - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1178

 

هل تتعرض النساء إلى عنف وإجحاف لحقوقهن بعد كل النجاحات التي أظهرنها في مجالات التعليم والعمل والأسرة؟ هل في عالمنا المعاصر لا تزال أعداد كبيرة من النساء تقبل ما يلاقينه من عنف باعتباره أمرا طبيعيا بالرغم من إثبات المرأة كفاءتها وجدارتها عندما تتاح لها الفرصة؟

المرأة في عالم غير آمن: “العنف ضد المرأة.. حقائق وصور وإحصاءات” كتاب صدر أخيرا للكاتبة ماري فلاشوفا، يطرح الكتاب ما حدث من تغيرات عميقة خلال الـ 50 عاما الماضية، حيث دخلت المرأة سوق العمل واكتسبت مهارة اتخاذ القرارات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وبالرغم من صدور عدد من القوانين في مختلف دول العالم تصبح في مصلحة المرأة وحقوقها خلال تلك السنوات الطويلة، إلا أن العنف ضد النساء والفتيات، في رأي مؤلفة الكتاب ـــ مستمر في جميع أنحاء العالم بتعدد أشكاله، وأن العنف يتفاقم في بعض الحالات نتيجة لما يجري على يد بعض العصابات الإجرامية من ابتكار أشكال جديدة من انتهاك النساء واستغلالهن، خاصة في الأقاليم الريفية الفقيرة في العالم النامي.

تؤكد مؤلفة الكتاب ضرورة الاستمرار في النضال من أجل مناهضة العنف القائم على أساس التمييز النوعي، وأن يكون من أولويات المجتمع الدولي التصديق على الوثائق الدولية المرتبطة بحماية حقوق الإنسان للقضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة والتصديق على الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

يبدأ الكتاب بفصل يتناول الجذور الأساسية للعنف، ويحتوي الفصل الثاني على أشكال العنف في محيط الأسرة وداخل المجتمع في أوقات السلم والحرب، أما الفصل الثالث فيعرض دور المرأة في مفاوضات السلام وعمليات المصالحة، والفصل الرابع يتناول أجندات مكافحة العنف الذي كان تأثيره كبيرا في المرأة في مختلف مراحل حياتها.

وظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة، احتاجت المرأة إلى تاريخ طويل لمقاومتها، حيث إدراج مفهوم حماية المرأة من العنف المنظم في جدول أعمال واحدة من أقدم الحركات العالمية وهي حركة تحرير المرأة التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.. وفي القرن العشرين وبعد إنشاء الأمم المتحدة ثم وضع قضية العنف ضد المرأة تحت مسمى مناهضة التمييز، حيث تم التأكيد على أن حقوق الإنسان الأساسية المتمثلة في حق التعلم والعمل والمشاركة السياسية هي حقوق متساوية بين الجميع وغير قابلة للتجزئة.

يشير الكتاب إلى أن النساء في جميع أنحاء العالم تعلمن كيفية إظهار إمكاناتهن واستخدامها في حماية أنفسهن. كما أن المنظمات غير الحكومية قامت بإصدار وطبع تقارير عن الاغتصاب والاستغلال الجنسي ووضع النساء في معسكرات اللاجئين ومعاناة المرأة المجاعات وسوء التغذية وعدم وجود مأوى للنساء اللواتي شردتهن الحروب.

ركز الكتاب على أن العلاقات القائمة على أساس النوع تمثل جذور العنف المنظم ضد المرأة، مؤكدا ضرورة إعادة النظر خلال السنوات المقبلة في هذه العلاقات.

وطالبت المؤلفة في نهاية الكتاب بضرورة زيادة الوعي بحقوق المرأة وبأهمية العمل على حماية المرأة قانونيا ضد الجرائم التي ترتكب على أساس النوع. إضافة إلى توقيع العقاب على مقترفي الجرائم.

لطالما تحدثنا عن العنف المتفشي في مجتمعنا.. وعن جرائم العنف الأسري. عنف الآباء مع أبنائهم، وعنف الأبناء مع آبائهم وعنف الآباء مع بناتهم الموظفات والعاملات حتى لا يتزوجن طمعا فيما يتقاضين من أجور. والحقيقة أن أشكال العنف في مجتمعنا متعددة المظاهر وهي كارثة تحل على مجتمعنا حتى إنها يمكن أن تهز دعائمه.

وعلى الباحثين من علماء الاجتماع والتربية وعلم النفس أن يبحثوا عن أسباب هذا العنف الذي يزداد يوما بعد يوم، وأن يقدموا لنا العلاج قبل أن تتفاقم المشكلة.. ويصبح حلها عسيرا إن لم يكن مستحيلا. فهذه ليست طبيعة شعبنا الطيب المسالم.

وأظن أننا تركنا المجتمع فريسة للقضاء الذي يدهمنا من خلال شاشات التلفزيون التي تبث سمومها بعد أن أصبح العنف ظاهرة غريبة تأتينا من خلال أفلام ومسلسلات العنف التي تغرق شاشات التلفزيون وكأنها جريمة منظمة لتفكيك المجتمع وطمس الهوية التي تقوم على الأخلاق والتراحم والتقاليد الرفيعة.

يجب أن نتكاتف.. الإعلام والجمعيات واختصاصيو الاجتماع والتربية لنمنع جريمة العنف هذه قبل فوات الأوان وقبل أن يصبح العنف هو المبدأ الذي نعيش عليه.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 16محرم 1435هـ الموافق 20نوفمبر 2013م