د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 2612

بالرغم من أنّ المرأة والطفل الحلقة الأضعف والأكثـر عُرضة للعنف والإيذاء نجد النظام بعد إقراره لم يرد فيه ولا مرة كلمتا المرأة والطفل!

 في الحلقات الماضية أوضحتُ الإجراءات التي ينبغي اتباعها لتفعيل نظام الحماية من الإيذاء حتى لا تصطدم اللائحة التنفيذية بأنظمة وقوانين وأحكام قضائية تحول دون تنفيذها, وسأقترح في هذه المقالات ما أراه من نصوص تحويها اللائحة التنفيذية, وعند اقتراح النصوص سأتوقف عند المادتيْن الأولى والثانية.

أولًا: المادة الأولى
تنص هذه المادة على تعريف الإيذاء بِـ” أنّه شكل من أشكال الاستغلال, أو إساءة المعاملة الجسدية, أو النفسية, أو الجنسية, أو التهديد به, يرتكبه شخص تجاه شخص آخر, متجاوزًا بذلك حدود ما له من ولاية عليه, أو سلطة أو مسؤولية, أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية, ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء في واجباته, أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته, أو ممن يترتب عليه شرعًا أو نظامًا توفير تلك الحاجات لهم.”
من خلال هذا التعريف نجد الآتي:
1.لم يحدد التعريف الفئات المستهدفة من حمايتها من الإيذاء, في حين نجد أنّ أصل مشروع النظام الذي أعدته جمعية الملك خالد الخيرية, ورفعته لوزارة الشؤون الاجتماعية ذكر أنّ الهدف من المشروع هو “توفير الحماية للمرأة والطفل من الإيذاء في المملكة العربية السعودية, وحدّد في تعريفه للإيذاء, وأنواعه, بأنّه الإيذاء الواقع على المرأة والطفل.”
2.وبالرغم من أنّ المرأة والطفل الحلقة الأضعف والأكثر عُرضة للعنف والإيذاء نجد النظام بعد إقراره لم يرد فيه ولا مرة كلمتا المرأة والطفل!
3.لم يُعرّف النظام الطفل, ولابد من مراعاة هذا في اللائحة التنفيذية, وتُعرِّف الطفل, وقد ورد تعريف الطفل في النظام المقدم من جمعية الملك خالد الخيرية بأنّه: “الإنسان من ولادته إلى بلوغه الثامنة عشرة من العمر.”
وهذا التعريف يتفق مع المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل التي التزمت بها المملكة.
4.لم يشر نظام الحماية من الإيذاء إلى الإيذاء الأسري, وهذا يعني أنّ الإيذاء المعني به النظام أي إيذاء سواءً كان في الأسرة, أو العمل من قبل مدير أو صاحب العمل, أو الإيذاء من رئيس أو مدير تحرير صحيفة أو مجلة, أو رئيس قسم في صحيفة أو مجلة لبعض الكتاب والكاتبات بعدم نشر مقالاتهم في الجريدة, أو حوارات معهم لأسباب شخصية لا علاقة لها بمعايير وقواعد النشر, أو الإيذاء المدرسي والجامعي من قبل المعلم في المدرسة والأستاذ في الجامعة, وكذلك الإيذاء من مؤسسة حكومية تجاه الأفراد المكلّفة برعايتهم, مثل الأيتام مجهولي الأبويْن, أو معلومي الأبويْن, والمعاقين والمسنين الذين تتولى رعايتهم تلك المؤسسة الحكومية المتمثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية, وهي الجهة المختصة بالحماية من الإيذاء, وكذلك الإيذاء من القاضي فيما قد يصدره من أحكام تؤذي المحكوم عليه لاعتماد القاضي في أحكامه على مفاهيم خاطئة لآيات قرآنية وأحاديث ضعيفة وموضوعة وشاذة ومفردة ومُنكرة, وكذلك الإيذاء من قبل بعض العاملين في دور الملاحظة, والمصحات النفسية, وغيرها.
وهذا يعني أنّ نظام الحماية من الإيذاء نظام عام لا يقتصر على نطاق الأسرة, وإنّما يشمل أيضًا الحماية من الإيذاء في العمل والمدرسة والجامعة والصحيفة والمجلة ودور رعاية الأيتام والمعاقين والمسنين والإيواء والسجون والمحاكم, والمصحات النفسية, كما لا يقتصر على المرأة والطفل, وإنّما يشمل الرجل أيضًا, وبالتالي سوف يتسع نطاق نظام الحماية من الإيذاء بشكل يخرج عن إطار مجال تخصص وزارة الشؤون الاجتماعية, كما أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية ستكون مُساءلة عمّا يحدث من تجاوزات وممارسات عنف من قبل بعض العاملين بها ضد من هي مسؤولة عنهم في دور الأيتام والمعاقين والمسنين, والإيواء, والملاحظة, فكيف تكون الحَكَم والخِصم في آن واحد؟
لذا نجد أصل النظام نص على تكوين هيئة وطنية مستقلة لحماية المرأة والطفل من الإيذاء تتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء, وهذا هو الصواب, بأن لا تتبع لأية وزارة قائمة, لأنّها قد تكون الوزارة التابعة لها خصمًا.
5.يشمل الإيذاء كلاً من الإيذاء البدني والنفسي والجنسي, وامتناع شخص أو تقصيره في الوفاء في واجباته, أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته, أو ممن يترتب عليه شرعًا أو نظامًا توفير تلك الحاجات لهم.”, وللأسف لم يتضمن التعريفان الإيذاء المالي بالحرمان من الميراث والراتب, أو المهر, أو الاستيلاء على جزء منه, كما لم يعرّف النظام كلاً من الإيذاء البدني والنفسي والجنسي, كما لم يُعرّف الإهمال, مع أنّ أصل المشروع المقدم من جمعية الملك خالد الخيرية عرّف الإيذاء البدني والنفسي والإهمال للمرأة والطفل محددًا أنواع الإهمال من تربوي وعاطفي وجسدي وطبي.
والذي أقترحه أن تُعوّض اللائحة التنفيذية هذا القصور بتعريفها لكل نوع من الإيذاء, بما في ذلك الإيذاء المترتب عن الإهمال, وعند رجوعنا إلى أصل المشروع نجد تعريف الإيذاء: هو ممارسة العنف الجسدي، أو الاعتداء الجنسي، أو إساءة المعاملة العاطفية، أو الإهمال، بحق المرأة أو الطفل من قبل شخص يملك سلطة على أي منهما، أياً كان نوع ومصدر هذه السلطة بما في ذلك الإيذاء والعنف الأسري وينتج عنه ضرر نفسي أو مادي.
هذا التعريف حدّد أنواع الإيذاء, بأنّه عنف جسدي واعتداء جنسي, أو إساءة المعاملة العاطفية, أو الإهمال بحق الطفل والمرأة داخل نطاق الأسرة وخارجه, وما ينتج عنه من ضرر نفسي ومادي”, وهنا نجد تعريف جمعية الملك خالد الخيرية قد حدّد الفئات المتضررة من الإيذاء بقصرها على المرأة والطفل دون غيرهما, كما نجده لم يتطرّق إلى الإيذاء المالي بالحرمان من الميراث والاستيلاء على الراتب والمهر, وعلى ممتلكات من هو ولي عليهنّ بالوكالات العامة.
للحديث صلة.

 

المصدر : جريدة المدينة - 30محرم 1435هـ الموافق3 ديسمبر 2013م