حين كتبت عن التحرش الجنسي بالأطفال في مقالي السابق لم أكن أتوقع أن تصلني رسائل كثيرة بهذا الشكل ولأشخاص بمختلف مراحلهم العمرية سواء شباب وشابات أو نساء ورجال، تعرضوا للتحرش الجنسي في فترة ما في حياتهم.
كتب أحدهم يقول ”تدرين ما هو أصعب شيء أستاذة سلوى أواجهه الحين وأحاول أن أتغلب عليه بقوة إيماني وصبري وثقتي بنفسي، إن اللي تحرش فيني وأنا صغير كل يوم أشوفه لأنه ببساطة زوج شقيقتي الآن وآخر كتب يقول ”لو كان للحروف صوت لسمعت صوت أنينها وهي تتوسلك أن تظلي تكتبي وتكتبي وتكتبي عن هذا الموضوع لتثقيف الأهل وتوعيتهم وهل نحن إلا ضحايا لحسن النية والثقة المفرطة بمن حولنا”. ومن الرسائل التي أدمت قلبي حقا هذه الرسالة التي اختصرتها كثيرا فصاحبتها أرسلتها لي في أربع صفحات وكأنها بركان خامد انتظر سنين عديدة وحين سنحت له الفرصة أرسل حممه بكل اتجاه، تقول هذه الشابة الضحية ”تعرضت للتحرش الجنسي وأنا في عمر خمس سنوات من قبل (….. ) وذلك حين تكون والدتي الكادحة غير موجودة في المنزل، حيث كان يتناول كؤوس الخمر ثم يمارس فقدان عقله فوق جسدي الطاهر، وكان يهددني إن أخبرت أحدا أن يقتلني، وكبرتُ وكبرتَ في داخلي كل كراهية العالم لنفسي وله، ثم شاء الله أن يتوفى بسبب سكتة قلبية، ولم أستطع أن أسامحه إلى الآن، وتقدم للزواج مني رجل فاضل حكيم ذو خلق ومروءة، وحين زففت إليه توسلت إليه ألا يلمسني وأخبرته بقصتي كاملة، فأبدى رغبته في معالجتي من حالتي النفسية والستر علي وبقائي زوجة له، ولكني رفضت رفضا قاطعا عرضه الرجولي الكريم، ورجوته فقط أن يستر علي ويطلقني بعد أشهر عدة، وهذا ما حدث، وأنا الآن تجاوزت الثلاثين ولا أفكر مطلقا في الزواج وإنجاب أطفال قد يحدث لهم ما حدث لي، لقد نذرت حياتي لوالدتي ووظيفتي فقط”. قصص مؤلمة تثير الشفقة والأسى في النفس لأن أصحابها ببساطة أصبحوا ضحايا لأشخاص معدومي الضمير والإنسانية، وفي ظل مجتمع ينكر وجود مثل هذه الظواهر ويفضل البعض من أفراده تجاهل الظاهرة على أن يعترف بها ويدرسها ويبين أسباب ظهورها وطرق علاجها.
يتساءل كثير من الأهل كيف نثقف أطفالنا عن التحرش الجنسي الذي قد يتعرضون له، ونوصل لهم المعلومة بطريقة سلسة راقية تتناسب مع سنوات عمرهم القليلة وتتقبلها عقولهم الصغيرة، أولا على الأهل، وأقصد هنا الوالدين، أن يتحدثوا للطفل بمشاعر صادقة فيها محبة واحتواء، ويوضحوا له أنه ليس هناك أسرار بين الأهل وطفلهم، وبأن أي أمر يحدث معه يجب أن يخبرهم عنه لأنهم سيتقبلون كل القصص والمواقف التي قد تحدث له حتى لو لم تكن جميلة أو فيها أخطاء، وسيساعدونه على العثور على حلول مناسبة. وأركز هنا على إشعار الطفل بالأمان والاحتواء، فمتى ما شعر الطفل بذلك فسيهرع للأهل عند أي تحرش قد يحدث له، أيضا على الأهل تثقيف طفلهم بعدم الاقتراب من الأشخاص الغرباء وتصديقهم وإجابة ندائهم حين ينادونه سواء كانوا في سوق أو سيارة أو شارع، كذلك على الأهل توعية طفلهم بأن يحذروه بألا يسمح لأي أحد كان أن يقبله على فمه ويمسك به من المناطق الحساسة أو يعرض عليه رؤية صور مخجلة، فالطفل حين يعتاد على مثل هذه الأمور فإن ذلك قد يوصم شخصيته بالتميع ويعتاد الآخرون على ذلك منه، أيضا يجب أن يترسخ في عقل الطفل أن الأماكن التي تغطيها ملابسه الداخلية لا يجب أن يراها الآخرون أو يتحسسوها باستثناء الأم أثناء استحمامه أو مساعدته على اللبس، كذلك على الأهل أن يعلموا الطفل كيف يصرخ بقوة حين يتعرض لتحرش ما حتى يساعده من حوله، وأن يهرب بسرعه من المتحرش ولا يستسلم له، لأن المتحرش شخص ضعيف جبان يخاف من الصراخ والصوت المرتفع.
طرق التوعية والتثقيف عديدة جدا ولها أساليب مختلفة ولكني اختصرتها لكم هنا ولذلك أدعوكم إلى قراءة هذه الطرق بشكل مستفيض مفصل، وفي زمن النت المعرفة أصبحت متاحة.
كل المعلومات السابقة عن كيفية توعية الأطفال وخاصة من سن ( خمس إلى عشر سنوات) معلومات قد تشكل فارقا حقيقيا في حياة طفل ما، خاصة حين يتم توصيلها إليه بطريقة ذكية مدروسة حكيمة.
فلا تبخلوا بها على أطفالكم حتى لا تنهدم حياتهم قبل أن تبدأ.