محمد اليامي - جريدة الحياة

عدد القراءات: 1499

قلت ذات حديث عن قصة عامل آسيوي توفي والده هناك، وهو مقيم هنا إنني أستلهم قوله تعالى «وجعلنا بعضكم لبعض سخرياً»، وأستحضر أيضاً قوله عز وجل «نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً»، وبحثت قليلاً لأجد تفسيراً مبسطاً، فوجدت على لسان أبوحيان الأندلسي: «وقوله تعالى (سخرياً) بضم السين من التسخير بمعنى الاستخدام، لا من السخرية بمعنى الهزء، والحكمة هي أن يرتفق بعضهم ببعض، ويصلوا إلى منافعهم».

أتذكر ما قلت بعدما وقعت عيناي على عنوان الزميلة «الاقتصادية» «3764 جثة وافد متروكة في ثلاجات الطب الشرعي» وهو عنوان محزن من جوانب عدة، بدءاً من أحزان أهالي المتوفين هناك، وانتهاء بحزننا على استهتار الكفلاء بهذا الجانب، ومروراً بضعف الإجراء الرسمي المتخذ ضدهم كما تقوله تفاصيل القصة التي نشرتها الصحيفة على لسان مسؤول في وزارة الصحة.

يؤكد رئيس شؤون الوفيات في إدارة الطب الشرعي في الرياض علي باوزير «تخاذل أصحاب العمل بتعطيلهم إجراءات ترحيل جثامين العمال المتوفين الذين على كفالتهم، مؤكداً أن النظام شدد على إيقاف منح تأشيرات الاستقدام عن أصحاب العمل الذين لا يتجاوبون أو يتسببون في تعطيل إجراءات ترحيل جثامين العمالة، إذ يمنح أي صاحب عمل مهلة شهرين كاملين لإنهاء إجراءات الترحيل».

وهو كشف لنا أن «شؤون الوفيات في الطب الشرعي استقبلت العام الماضي 5555 حالة وفاة منها الطبيعية والعرضية والجنائية والانتحارية، وأن عدد الحالات المرحّلة العام الماضي بلغ 1791».

فقط لنضع أنفسنا كفلاء ومسؤولين حكوميين في مكان أي أسرة تنتظر جثة ميتها، إنه في الغالب العائل والسند، وهو في ما أحسب إما والدهم أو ولدهم، والدتهم أو ابنتهم، الإنسان الذي وهب حياته لهم، رحل آلاف الأميال لسد رمقهم، وهو من قبل ومن بعد إنسان لجثمانه حرمة وحق. مهلة الشهرين طويلة خصوصاً في الحالات غير الجنائية، والإجراء المتخذ ضد المتقاعسين ضعيف قياساً بعمق وأهمية الأمر من وجهة نظرنا كمسلمين أولاً، ومن وجهة نظر الإنسانية جمعاء.

لا بد من ترحيل الجثامين فور الانتهاء من إجراءات الطب الشرعي، ومن لم يدفع من الكفلاء تدفع الحكومة وتحمّله إياها وتمنع عنه كل الخدمات وليس فقط الاستقدام حتى يسدد، وإذا كان عاجزاً حقيقة وأثبت عجزه فلكل مقام مقال أو إجراء تراه الحكومة.

إن هذا الأمر يجب أن ينفذ بحيث يعكس إيماننا بتساوينا الإنساني كبشر، ومن هنا نستنبل أنفسنا، ونعمل كما تملي علينا أخلاق الإسلام، وأخلاقيات المروءة والشهامة والتسامح، وأن يكون عزاؤنا لأسرة من كان في خدمتنا في أي مجال لطيفاً وجميلاً، نشعرهم بالاحترام والمواساة بشكل لائق وحنون.

إذا كانت الحياة غير عادلة أحياناً، والظروف لا تبتسم للجميع، فإن الموت حالة يتساوى فيها البشر على رغم عدم تساوي حرقة وألم دموعهم بسببه.

المصدر : جريدة الحياة - 14 ربيع الأول 1435 هـ الموافق 15 يناير 2014م