كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1680

تنامى العمل الخيري في المملكة بشكل غير مسبوق، وبعد أن انحصر العمل لسنوات طويلة في جمعيات البر التي تتلقى الزكاة من الناس وتوزعها على المستحقين لها من الفقراء، تطور العمل بشكل كبير وظهرت نماذج مختلفة من العمل التطوعي بشكل عام، والجمعيات الخيرية بشكل خاص، لعل من أبرز الأمثلة التي تشير إلى حجم التنوع في الأفكار جمعيتَي إطعام وارتقاء. هذه الجمعيات خرجت عن المألوف في طبيعة العمل الخيري وطبيعة المشاركين فيها، فأصبحت أداة للتنفيذ المباشر للمسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال، ومن خلال هذا تعقد اتفاقيات مع الشركات الكبرى في المملكة من أجل تنفيذ مشاريعها وتحقيق المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات، فهو تعاون فريد وجديد على الفكر الخيري في المملكة. وهذا بالطبع يقودنا إلى الإيمان بحقيقة أن الجمعيات الخيرية تعمل في بيئة تنافسية ويجب عليها أن تعي هذا، فالموارد الاقتصادية بطبيعتها تتميز بالندرة، لذلك فإن كل صاحب قرار سيواجه مشكلة توزيع الموارد المخصّصة للعمل الخيري على المؤسسات الكثيرة التي تنتشر في المملكة. ورغم تنامي مفاهيم المسؤولية الاجتماعية لدى عديد من الشركات، فإن التنافسية بين الجمعيات تتنامى أيضاً. وهنا تظهر مشكلة حديثة، وهي أن الشركات تريد أن تقدم خدماتها الاجتماعية وتدفع تبرعاتها لتلك المنشآت التي لديها آليات وهياكل إدارية واضحة وحوكمة سليمة، ذلك أن العمل مع هذه المؤسسات هو الذي يحمي أصحاب القرار في الشركات من تبعات قراراتهم التي تتضمن تبرعاً بأموال المساهمين. لكن نظراً لندرة هذا النوع من مؤسسات العمل الخيري، اتجهت بعض الشركات إلى إنشاء جمعياتها الخاصة بها لتنفيذ برامجها بنفسها، وهو ما يقودنا إلى أسئلة حول فاعلية ذلك وأثره، وأيضاً حول الاحترافية في العمل الخيري، إلى أين وصلت.

لا شك أن هناك حاجة ماسة إلى تطوير مؤسسات العمل الخيري وفقاً لآليات واضحة، ونماذج حوكمة مناسبة، مجلس إدارة واضح المسؤوليات، وآلية الوصول إلى المجلس واضحة، وهناك مدير تنفيذي مسؤول، هناك خطة استراتيجية، وأدلة عمل، هناك مرجعية قانونية واضحة، وترخيص من جهة مختصّة. فالملاحظ أن مدى الالتزام بكل هذا يختلف من مؤسسة إلى أخرى، وحتى اليوم لا يوجد مصدر مستقل أو غير مستقل يقدم تصنيفاً لهذه الجمعيات العاملة في المملكة يمكنك من اختيار أنسبها، ومن حيث طبيعة العمل والكفاءة في القيادة، ومن حيث كفاءة التشغيل وإدارة الموارد، ووضوح الرؤية والعمل الاستراتيجي، وتصنيفاً من حيث القطاع. وعلى الرغم من أهمية القطاع الخيري، حتى بالنسبة لنا كمسلمين، فإن الجمعيات بتنوعها وتنوع العمل فيها لا تقوم حتى اليوم بنشر معلومات عن مراكزها المالية ونتائج أعمالها في الصحف اليومية أو على مواقعها في الإنترنت (إذا كانت لديها)، ومن المتوقع أن إحدى المشكلات التي تواجه الجمعيات الخيرية في هذا الوطن الغالي هي العمل الاحترافي نفسه، عدم وجود متخصّصين لتنمية الابتكار وبناء وقيادة العمل الخيري. كل هذا يؤكد أن العمل الخيري في المملكة يجب أن يعاد تنظيمه بطريقة واضحة ومرجعية واحدة، وأن يتم إجراء تقييم سنوي أو كل فترة محدّدة بحيث يتم التأكد من الالتزام بعمل خيري احترافي يخدم المجتمع أولاً وأخيراً.

 

المصدر : جريدة الاقتصادية - 27 ربيع الأول 1435هـ الموافق 30يناير 2014م