فاضل العماني - جريدة الرياض

عدد القراءات: 1168

للكتابة عن الأم، سحرها الأخاذ ومتعتها الفائقة وبذخها العذب، فالأم بوصلة الحب والحنان والدفء والانتماء والخلود.

نادراً ما أكتب عن الأم، لأنها أكبر من كل الحروف والمعاني والمشاعر. ومنذ أن رحلت أمي قبل سنوات، وتبعها أبي بعد سنوات، كنت أهرب من هذه المواجهة/الكتابة الشاقة. نعم، قد تبدو الكتابة عن الأم مغرية حد الانتشاء، لأن الحروف على موعد باذخ مع العذوبة والسمو والنبل، والمعاني ستزدان بالأناقة والألق والفرح، والمشاعر ستفيض بالدفء والبهجة والسعادة. نعم، قد يبدو كل ذلك، ولكنها في المقابل أي الكتابة عن الأم نزف مفتوح على نصل الذكريات بكل صورها ومشاهدها وتداعياتها.

 قبل يومين، وتحديداً في ٢١ مارس، احتفل العالم بالذكرى السنوية للأم، أو ما يُعرف بيوم الأم، وهي مناسبة موسمية تكريمية للاحتفاء والاحتفال بالأم باعتبارها رمزاً للعطاء المتدفق ونبعاً للحنان الدافئ وحضناً للامان الوافر.

٢١ مارس من كل عام، مناسبة رائعة حد الإلهام لتوجيه الأنظار، بل المشاعر والأحاسيس، للاهتمام بالمعنى الحقيقي للأمومة باعتبارها العنوان الكبير للمحبة والرحمة والعطاء والتضحية، لا أن تمر كمجرد ذكرى موسمية باهتة تقتصر على التكريم الرمزي الذي قد تُمثله هدية بسيطة أو أغنية مكررة أو تهنئة جميلة. لا، يوم الأم، أكبر بكثير من ذلك، رغم أهمية كل ذلك، ولكنه يجب أن يحمل الكثير من المعاني والمضامين والأهداف والقيم التي تُبرز قيمة ومكانة وعظمة الأم.

وقد بدأ الاهتمام بهذا اليوم/العيد العالمي للأم في عام ١٩١٢، حيث أنشئت الأمريكية “أنا جارفيس” الجمعية الدولية ليوم الأم، وذلك تكريماً لكافة الأمهات في العالم، وقادت حملة واسعة لجعل هذا اليوم مناسبة سنوية لتخليد هذه الأيقونة الاستثنائية، وقد ساعدها في ذلك الدعم الكبير الذي تلقته من الرئيس الأمريكي “وودرو ويلسون” الذي دعم الفكرة، ليُقرها بعد ذلك الكونغرس الأمريكي في القانون الأمريكي كأحد الأيام الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية. من أمريكا، كانت البداية، ولكن هذا اليوم الخاص بالأم، سرعان ما حظي بالقبول والاهتمام من أغلب دول العالم، ليصبح بعد سنوات تاريخاً سنوياً للاحتفاء بالأم في الكثير من دول العالم، ومن ضمنها العالم العربي، وإن لم يُفعّل بالشكل الذي يستحق، سواء رسمياً أو مجتمعياً.

وتُعتبر الأيام والمناسبات والتواريخ العالمية، قيمة راقية في مسيرة الأمم ولمسة وفاء وأصالة في ذاكرة الشعوب. إن هذه المناسبات المهمة في حياة المجتمعات الراقية، حالة إنسانية ملهمة حد السمو، وظاهرة حضارية سامية حد النبل، وتزيد من منسوب الانتماء والاندماج الوطني وتقرب المسافات بين كل المكونات وتبعث روح الألفة والتعاون وتشيع أجواء المحبة والبهجة.

إن الأمم والمجتمعات والشعوب المتحضرة، أدركت مبكراً أهمية الاحتفاء والاهتمام بمناسباتها وتواريخها القومية، بل ووظفتها بذكاء لتحفيز الاندماج والتكامل المجتمعي، واعتبرتها محرضاً رائعاً لتعميق أواصر التقارب الإنساني والحضاري.

الآن، وبعد كل هذه المقدمة الطويلة والماتعة عن الأم في يومها المجيد، يقفز هذا السؤال المهم: كيف مر هذا اليوم العالمي على الأم السعودية؟، أو يمكن صياغته بشكل أكثر مقاربة: ما هي التحديات التي تواجه الأم السعودية؟

بداية، لابد من الاقرار بحقيقة مؤلمة حد الوجع، وهي أننا كمجتمع لا نلتفت كثيراً لهذه المظاهر الحديثة القادمة من خارج الأسوار، بل وفي كثير من الاحيان نتوجس منها خيفة وتشكيكاً. أيضاً، هناك حرب شعواء مفتعلة، ضد كل مظاهر الحب والفرح والمتعة بنسخها الغربية بل وحتى العربية حيث ان “البعض” يتحفظ كثيراً على تلك المناسبات والتواريخ والأيام التي يُراد لها أن تستقر في وعينا وفكرنا وأن تُغرس في مجتمعنا المسلم المحافظ!

بالنسبة لي، وللكثير أمثالي طبعاً، يُعتبر يوم الأم، أشبه بجرس قوي يركز الانتباه على الكثير من المطالب والحقوق والتحديات للأم السعودية.

الملفات الساخنة والحساسة التي تحملها الأم السعودية كثيرة وكبيرة جداً، ولا يمكن حصرها فضلاً عن كتابتها في هذه المساحة المحدودة. قضية واحدة فقط، سأحاول تكثيف الضوء حولها، من بين كل تلك القضايا والصعوبات التي تواجه الأم السعودية.

الأم السعودية المتزوجة من أجنبي، هي أحد أهم القضايا الشائكة والمعقدة التي تؤرق العائلة “النصف سعودية”، خاصة الأبناء الذين يواجهون صعوبات بالغة في كل تفاصيل حياتهم.

أما أبرز تلك الصعوبات والمشكلات التي تواجه أبناء الأم السعودية المتزوجة من أجنبي فهي، تسميتهم بوافدين بدل مواطنين، وعدم قدرة الأم السعودية على توكيل ابنها للقيام بأعمالها لأنه أجنبي، كما لا يستطيع ابن الأم السعودية التعريف عنها لأنه غير مواطن، ولا يتم توريث أبنائها بعد وفاتها إلا بعد بيع أملاكها في مزاد علني ثم يقتطع منه نسبة معينة من قيمة البيع، كذلك يُعتبر الأبناء والبنات والزوج على كفالة الأم السعودية وفي حالة وفاتها يبحث هؤلاء عن كفيل آخر، كما لا يتم قبول الأبناء في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وكذلك عدم السفر للخارج إلا بعد دفع٢٠٠ ريال عن كل فرد، كما لا يمكن للأبناء مراجعة الدوائر الحكومية إلا بحضور الأم السعودية مما يسبب حرجاً لها ولهم، كما يواجه الأبناء الكثير من المشاكل والمتاعب في مراجعة المستشفيات لأنهم أجانب.

هذه سلة بسيطة من الأوجاع التي تحملها الأم السعودية المتزوجة من أجنبي مع أبنائها، ما يجعلهم يعيشون في دائرة خانقة من الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

الأم السعودية المتزوجة من أجنبي، وهي في يومها العالمي والعربي و”الوطني”، لن تشعر بالسعادة والأمان والاستقرار، وهي تشهد غربة وتعاسة وشقاء أبنائها في وطنها.

المصدر : جريدة الرياض - الأحد 22 جمادى الأولى 1435 - 23 مارس 2014م