نعم.. صندوق احتياطي للتقاعد
عبدالوهاب الفايز - جريدة اليوم
في عدد الأمس من (جريدة اليوم) تحدث عدد من المختصين حول ضرورة البدء في دراسة مشروع لإنشاء (صندوق احتياطي للتقاعد)، وذلك لمواجهة احتمالات العجز المتوقعة في صناديق التقاعد المدنية والعسكرية. هذا المشروع الوطني المقترح يستحق اهتمام الجهات السيادية في الدولة، لأن المؤشرات التي بين أيدينا مخيفة وتتحدث عن أوضاع حرجة في السنوات القادمة مع ارتفاع أعداد المتقاعدين وضعف المدخلات في أنظمة التقاعد، من الاشتراكات والاستثمارات.
في السنوات الماضية كنا أمام متغيرين، الأول زيادة في عدد المتقاعدين والذين يخرجون برواتب عالية، الثاني تراجع موارد صناديق التقاعد بما يتعادل مع المنافع، واتضح هذا في التقاعد العسكري، ويتوقع أن يصل عدد المتقاعدين هذا العام إلى 663 ألف متقاعد في الأنظمة الثلاثة، المدني والعسكري والتأمينات، والنمو السنوي لأعداد المتقاعدين يصل إلى 10 بالمائة سنويا، ورواتب المتقاعدين الآن تصل إلى 60 مليار ريال سنويا، وبعد عشر سنوات يتوقع أن يصل هذا الرقم إلى حدود 120 مليار ريال، حسب أحد التقديرات.
هل ستكون عوائد الاستثمار وأيضاً الاشتراكات الجديدة قادرة على دفع هذا المبلغ؟ العارفون بأمور التقاعد يرون صعوبة ذلك في ظلّ المؤشرات الحالية، والآن كما هو معروف صندوق التقاعد العسكري بدأ يواجه العجز ويتم تمويله من صندوق التقاعد المدني، ولا يتوقع أن يكون الصندوق العسكري قادرا على الوفاء بالتزاماته مع ارتفاع عدد الذين يصلون إلى سن التقاعد وهم في الرتب العسكرية العليا، وأيضاً مع ارتفاع التوظيف في الوظائف والرتب الصغرى.
الصناديق الثلاثة عليها التزامات ومطلوب منها دفع منافع وتعويضات مستمرة، ومع ارتفاع معدلات التضخم وانعكاس ذلك على الأسعار الأساسية للسلع ربما نجد أننا مضطرون لتعديل هذه المنافع والتعويضات، حتى لا تتأثر مقومات الحياة الكريمة للمتقاعدين، وحتى لا يكون لهذا تبعاته الاجتماعية والأمنية التى تهدد استقرارنا.
حماية المواطنين وحماية حقوق الأجيال القادمة مسؤوليتنا جميعا، فحماية أنظمة التقاعد هي حماية لحقوق أبناء المتقاعدين، والرواتب التقاعدية ليست للمتقاعدين بل لأبنائهم، وهذا يعظم المسؤولية على الدولة. لتحقيق هذه الغاية، هناك آلية اتبعتها النرويج، وهي دولة نفطية، حيث أوجدت صندوقا خاصا يمول من دخل النفط مباشرة وله صفة اعتبارية سيادية مستقلة هدفه الأساسي تغطية حقوق المتقاعدين في حال عجز الصناديق التقليدية.
العجز التراكمي في التقاعد يتحقق إذا استمرت عائدات التمويل والاستثمار كما هي عليه، وثمة تقديرات تشير إلى أن العجز المتوقع لنظامي التقاعد المدني والعسكري ربما يصل إلى 200 مليار ريال بعد خمسة وعشرين عاما. لتحاشي هذا العجز ومخاطره يفترض البدء في التخطيط لاحتمالات المستقبل، وأنظمة التقاعد والاستعداد لاحتمالاتها عادة يكون مبكرا، حتى لو كان قبل عشرين أو ثلاثين عاما، وهذا ضروري في الاقتصاديات التي ليس لديها أنظمة متطورة ومرنة لتنمية الإيرادات الحكومية عبر الضرائب. في الاقتصادات الريعية ذات المصدر الواحد للإيرادات لا تُترك القضايا الحيوية للاقتصاد بدون احتياطات تستوعب مخاطرها.
هذا الموضوع أساسي وحيوي لمستقبلنا ولاستقرار بلادنا، وكلنا ثقة أن المسؤولين لن يتأخروا في علاجه والاستعداد له، وبحول الله سيكون في أولويات الحكومة، وخادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، يقود مرحلة تاريخية لبلادنا، وكما بادر في أمور عديدة لترتيب الأمور الحيوية لمستقبلنا سيكون سباقا إلى الاهتمام بكل ما يمس حياة الناس ومعاشهم، وهل هناك أهم من التقاعد.
المصدر : جريدة اليوم - الثلاثاء 1 جمادى الآخرة 1435 - 1 أبريل 2014