قراءة متأنية في اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء (1)
د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة
عدد القراءات: 1271
لم تُبيّن اللائحة آلية إثبات اغتصاب أي فرد من الأسرة لآخر؛ بأخذ عيّنة من الضحية فور بلاغها لوقوع الجريمة، ومضاهاتها بالحمض النووي للمتهم.. كما لم تتطرّق إلى التحرّش الجنسي ضد المرأة في العمل، وآليات حمايتها منه
كنتُ أنتظر من اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء أن تتدارك جوانب النقص فيه، مثل الإيذاء المالي، الذي لم يتطرّق إليه، مع توضيح آليات الحماية من الإيذاء بأنواعه البدني والنفسي والجنسي، والمالي والإهمال، ولكن عندما اطلعتُ على مواد اللائحة وجدتها قد أصابت نظام الحماية من الإيذاء في مقتل، بإعطائه مشروعية للعنف ضد المرأة والطفل، وهذا مؤشر له دلالات خطيرة، فلن تحصل المرأة على حقوقها كاملة طالما أنّ الرجل هو المُتحكّم وحده في إقرار الأنظمة والقوانين ولوائحها التنفيذية، وإبعاد المرأة ذات الفكر والرأي والعلم والخبرة والوعي بحقوق المرأة في الإسلام بالفهم الصحيح له، وتجريده من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشاذة والمرسلة والمفردة، وكل الذي أخشاه أن يكون مصير مدوّنة الأحوال الشخصية، ولائحتها التنفيذية المزمع وضعها، مثل نظام الحماية من الإيذاء ولائحته التنفيذية، التي استوقفتني في الآتي:
أولًا: في بعض تعريفات اللائحة:
1- تعريفها للولاية بأنّها: “سلطة يثبتها الشرع للولي تخوله صلاحية التصرف وإدارة شؤون شخص آخر نيابة عنه فيما يتعلق ببدنه ونفسه وماله”.
فباسم الشرع أعطت اللائحة صلاحية للولي تُخوِّل له التصرّف في بدن ونفس ومال من هو ولي عليهم، وبذلك أعطته حق ممارسة ما يشاء بأبدانهم وأنفسهم وأموالهم، فكيف سيُحاسب إن مارس عنفًا بدنيًا أو جنسيًا، أو ماليًا ضدهم، وقد أعطته اللائحة هذا الحق باسم الشرع؟!
لقد جعلت من هم تحت ولايته في وضع أسوأ من ذي قبل، أما هذا الولي فقد اكتسب سلطته الأبدية شرعًا وقانونًا ولا سيما على المرأة باسم الشرع، لأنّ تعريف الولاية لم يُحدِّدها على القاصر، وإنّما عمّمها، وهو بهذا انتقص أهلية المرأة، وسلبها أهليتها القانونية وذمتها المالية المستقلة، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: بأي حق يفرض واضعو اللائحة الولي على المرأة البالغة الرشيدة، ويسلبونها أهليتها، وولايتها على بدنها ونفسها، ومالها؟!
كما أكّدت اللائحة على انتقاص أهلية المرأة في الفقرة (هـ) من البند الثالث للمادة الثامنة بقولها: “مدة الإيواء ثلاثة أيام، ويمكن تمديدها بموافقة الوكيل المختص لمدة محددة لا تتجاوز الشهرين، وفي حال تطلبت معالجة الحالة مدة أطول من تلك فيمكن تمديدها لمدة أخرى وذلك بموافقة الوكيل المختص”. من هو الوكيل المختص، لم تُعرّفه اللائحة كما عرّفت الشخص؟ وأسأل هنا: هل المرأة لا تملك حق قرار نفسها حتى فيما يتعلق بحمايتها من الإيذاء، فيُوكل القرار للوكيل المختص؟!
وبأي حق يُخوّل للولي التصرف في أبدان وأنفس وأموال من هم أولياء عليهم؟!
وكيف ستضمن اللائحة الحماية من الإيذاء، التي ضمنتها في المادة الثانية من النظام، وقد أعطت الولي في تعريفها للولاية سلطات باسم الشرع بالتصرف في بدن ونفس ومال من هو ولي عليهم، وللوكيل المختص قرار مدة الإيواء؟!
إنّ تعريف اللائحة للولي فيه مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، ومخالف لتعريف الفقهاء للولاية التي عرّفوها بِـ”الإشراف على شؤون القاصر الشخصية والمالية”.
فقد قصر الفقهاء الولاية على القاصر بالإشراف على شؤونه الشخصية والمالية، ولم يُخوّلوا الولي باسم الشرع سلطة التصرّف في أبدان وأنفس وأموال من هو ولي عليهم.
2- تعريف الإساءة الجسدية: كل فعل أو تقصير أو إهمال يصدر من شخص عند تعامله مع شخص آخر له عليه ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، يترتب عليه اعتداء على بدن المعتدى عليه ينتج عنه ضرر جسدي.
لن تُبيّن اللائحة آلية حماية الزوجة إن ضربها زوجها، وكثير منا يعتبر هذا من حقه الشرعي للفهم الخاطئ لمعني (واضربوهن) بتفسيرها بالضرب البدني، وتأييد هذا المعنى بأحاديث ضعيفة وموضوعة، بل يرى البعض أنّ الزوج إن قتل زوجته لا يُقتص منه إن كان له ولد منها!
كما لم تُبيّن اللائحة آلية حماية الطفل من ضرب الوالدين، أو أحدهما له بدعوى تأديبه، وقد يودي إلى قتله، وإن قتله الأب لا يقتص منه لأخذ البعض أيضًا بحديث ضعيف “لا يُقتل الوالد بولده”.
هذا ويُلاحظ أنّ اللائحة ركّزت في موادها وآليات الحماية من الإيذاء على الضرر الواقع من الإيذاء البدني على وجه الخصوص، ومخاطره، ومع هذا نجدها خفّفت من الغرامات المالية على ممارس العنف البدني بحد أقصى خمسين ألف ريال، بينما مشروع نظام الحماية من الإيذاء المقدم من جمعية الملك خالد الخيرية جعل الحد الأقصى لهذه الغرامات خمسمائة ألف ريال، ورفع القيمة لهذا الحد سيجعل من يُمارس عنفًا يُفكِّر ملايين المرات قبل أن يُقدم عليه لأنّه سيُغرّم مبلغًا كبيرًا مثل هذا المبلغ.. بينما تخفيض المبلغ من خمسة آلاف إلى خمسين ألف ريال، لن يردع الكثيرين خاصة الأغنياء منهم، ومتوسطي الدخل، فاللائحة لم تكتف بتقنين العنف ضد المرأة والطفل، وإعطائه المشروعية باسم الإسلام، بل جعلت غراماته المالية لا تحقق عامل الردع!
3- تعريف الإساءة الجنسية: تعرُّض الشخص لأي فعلٍ أو قولٍ أو استغلالٍ جنسي غير مشروع من قِبل مَن له عليه ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية.
وأسأل هنا هل يوجد استغلال جنسي مشروع؟! فهذه العبارة تُعطي مشروعية للاستغلال المرفوض بكل صوره وأشكاله، بما فيه الاستغلال الجنسي من قبل الزوج لزوجته.
هذا ولم تُبيّن آلية إثبات اغتصاب أي فرد من الأسرة لآخر بأخذ عينة من الضحية فور بلاغها لوقوع الجريمة، ومضاهاتها بالحمض النووي للمتهم.
كما لم تتطرّق اللائحة إلى التحرّش الجنسي ضد المرأة في العمل، وآليات حمايتها منه.
4- تعريف الإساءة النفسية: هذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.. فللحديث صلة.
أولًا: في بعض تعريفات اللائحة:
1- تعريفها للولاية بأنّها: “سلطة يثبتها الشرع للولي تخوله صلاحية التصرف وإدارة شؤون شخص آخر نيابة عنه فيما يتعلق ببدنه ونفسه وماله”.
فباسم الشرع أعطت اللائحة صلاحية للولي تُخوِّل له التصرّف في بدن ونفس ومال من هو ولي عليهم، وبذلك أعطته حق ممارسة ما يشاء بأبدانهم وأنفسهم وأموالهم، فكيف سيُحاسب إن مارس عنفًا بدنيًا أو جنسيًا، أو ماليًا ضدهم، وقد أعطته اللائحة هذا الحق باسم الشرع؟!
لقد جعلت من هم تحت ولايته في وضع أسوأ من ذي قبل، أما هذا الولي فقد اكتسب سلطته الأبدية شرعًا وقانونًا ولا سيما على المرأة باسم الشرع، لأنّ تعريف الولاية لم يُحدِّدها على القاصر، وإنّما عمّمها، وهو بهذا انتقص أهلية المرأة، وسلبها أهليتها القانونية وذمتها المالية المستقلة، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: بأي حق يفرض واضعو اللائحة الولي على المرأة البالغة الرشيدة، ويسلبونها أهليتها، وولايتها على بدنها ونفسها، ومالها؟!
كما أكّدت اللائحة على انتقاص أهلية المرأة في الفقرة (هـ) من البند الثالث للمادة الثامنة بقولها: “مدة الإيواء ثلاثة أيام، ويمكن تمديدها بموافقة الوكيل المختص لمدة محددة لا تتجاوز الشهرين، وفي حال تطلبت معالجة الحالة مدة أطول من تلك فيمكن تمديدها لمدة أخرى وذلك بموافقة الوكيل المختص”. من هو الوكيل المختص، لم تُعرّفه اللائحة كما عرّفت الشخص؟ وأسأل هنا: هل المرأة لا تملك حق قرار نفسها حتى فيما يتعلق بحمايتها من الإيذاء، فيُوكل القرار للوكيل المختص؟!
وبأي حق يُخوّل للولي التصرف في أبدان وأنفس وأموال من هم أولياء عليهم؟!
وكيف ستضمن اللائحة الحماية من الإيذاء، التي ضمنتها في المادة الثانية من النظام، وقد أعطت الولي في تعريفها للولاية سلطات باسم الشرع بالتصرف في بدن ونفس ومال من هو ولي عليهم، وللوكيل المختص قرار مدة الإيواء؟!
إنّ تعريف اللائحة للولي فيه مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، ومخالف لتعريف الفقهاء للولاية التي عرّفوها بِـ”الإشراف على شؤون القاصر الشخصية والمالية”.
فقد قصر الفقهاء الولاية على القاصر بالإشراف على شؤونه الشخصية والمالية، ولم يُخوّلوا الولي باسم الشرع سلطة التصرّف في أبدان وأنفس وأموال من هو ولي عليهم.
2- تعريف الإساءة الجسدية: كل فعل أو تقصير أو إهمال يصدر من شخص عند تعامله مع شخص آخر له عليه ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، يترتب عليه اعتداء على بدن المعتدى عليه ينتج عنه ضرر جسدي.
لن تُبيّن اللائحة آلية حماية الزوجة إن ضربها زوجها، وكثير منا يعتبر هذا من حقه الشرعي للفهم الخاطئ لمعني (واضربوهن) بتفسيرها بالضرب البدني، وتأييد هذا المعنى بأحاديث ضعيفة وموضوعة، بل يرى البعض أنّ الزوج إن قتل زوجته لا يُقتص منه إن كان له ولد منها!
كما لم تُبيّن اللائحة آلية حماية الطفل من ضرب الوالدين، أو أحدهما له بدعوى تأديبه، وقد يودي إلى قتله، وإن قتله الأب لا يقتص منه لأخذ البعض أيضًا بحديث ضعيف “لا يُقتل الوالد بولده”.
هذا ويُلاحظ أنّ اللائحة ركّزت في موادها وآليات الحماية من الإيذاء على الضرر الواقع من الإيذاء البدني على وجه الخصوص، ومخاطره، ومع هذا نجدها خفّفت من الغرامات المالية على ممارس العنف البدني بحد أقصى خمسين ألف ريال، بينما مشروع نظام الحماية من الإيذاء المقدم من جمعية الملك خالد الخيرية جعل الحد الأقصى لهذه الغرامات خمسمائة ألف ريال، ورفع القيمة لهذا الحد سيجعل من يُمارس عنفًا يُفكِّر ملايين المرات قبل أن يُقدم عليه لأنّه سيُغرّم مبلغًا كبيرًا مثل هذا المبلغ.. بينما تخفيض المبلغ من خمسة آلاف إلى خمسين ألف ريال، لن يردع الكثيرين خاصة الأغنياء منهم، ومتوسطي الدخل، فاللائحة لم تكتف بتقنين العنف ضد المرأة والطفل، وإعطائه المشروعية باسم الإسلام، بل جعلت غراماته المالية لا تحقق عامل الردع!
3- تعريف الإساءة الجنسية: تعرُّض الشخص لأي فعلٍ أو قولٍ أو استغلالٍ جنسي غير مشروع من قِبل مَن له عليه ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية.
وأسأل هنا هل يوجد استغلال جنسي مشروع؟! فهذه العبارة تُعطي مشروعية للاستغلال المرفوض بكل صوره وأشكاله، بما فيه الاستغلال الجنسي من قبل الزوج لزوجته.
هذا ولم تُبيّن آلية إثبات اغتصاب أي فرد من الأسرة لآخر بأخذ عينة من الضحية فور بلاغها لوقوع الجريمة، ومضاهاتها بالحمض النووي للمتهم.
كما لم تتطرّق اللائحة إلى التحرّش الجنسي ضد المرأة في العمل، وآليات حمايتها منه.
4- تعريف الإساءة النفسية: هذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.. فللحديث صلة.
المصدر : جريدة المدينة - 21 جمادى الاخر الموافق 21 ابريل 2014م