د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1554

إذا كان الأب أو زوجته، أو هما معًا مارسا العنف ضد الطفل، وسلّمته الوحدة الاجتماعية لأمه، واعترض الأب وصدر الحكم بعودة الطفل إلى أبيه، ما الإجراء الذي سيتخذ، هل سيسلم الطفل إلى جلاده ليمارس مزيدًا من العنف قد يودي بحياته؟!

 أواصل قراءة اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء؛ حيث توقّفتُ في الحلقتيْن الماضيتيْن عند بعض تعريفات اللائحة (الولاية، الإساءة الجسدية، الإساءة الجنسية، الإساءة النفسية، السلطة، الحاجات الأساسية للشخص)، وسأتوقف في هذه الحلقة عند تعريف المسؤولية، وبعض مواد اللائحة:
* تعريف المسؤولية: “حالة يكون فيها الشخص مسؤولًا شرعًا أو نظامًا عمّا يترتب على أفعال شخص آخر بناء على ما ترتبط به من علاقة أسرية”.
لم أفهم المقصود بهذا التعريف، فهل رب الأسرة يتحمّل المسؤولية الجنائية لأي فعل يقوم أحد أفراد أسرته به؟ كيف تنسب اللائحة هذا إلى الشرع، والله تعالى يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الزمر: 7)، (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة :286)؟ وهل يوجد نظام يحمّل الآخرين مسؤولية نتائج أفعال من ترتبط بهم علاقة أسرية؟!
الفقرة (2) من المادة الثانية: “توفير أماكن الإيواء أو الاستضافة للحالات المحتاجة إليها التي ثبت تعرّضها للإيذاء، وبالقدر الذي يحقق حمايتها، وإدماجها في المجتمع، والعمل على إعداد البرامج التأهيلية لتلك الحالات تمهيدًا لإعادتها لأسرها”.
لم تتطرّق هذه المادة، ولا باقي مواد اللائحة لعلاج وتأهيل المعنِّف؛ إذ كيف نعيد المُعنَّفة إلى بيت أسرتها، ووضع أسرتها كما هو، ولم يُعالج المُعنَّف؟
ولماذا المُعنَّفة وأولادها يتركون منزلهم؛ إذ المفروض أن تكون دور الإيواء للمُعنِّفين لعلاجهم وتأهيلهم الذين لم تتطرّق اللائحة إليه، وعندما يتم التأكد من شفائهم يعودون إلى بيوتهم بعد التعهد بعدم ممارستهم العنف ضد أطفالهم، أو أحدهم، أو لنساء الأسرة، أو إحداهن، وإن ثبت عودته لممارسة العنف ضد أفراد الأسرة، أو أحدهم تُطبّق عليه عقوبات بديلة ترتئيها لجنة مختصة، وإن بلغ عنفه حد الجريمة يُعاقب بالعقوبة التي يقرها الشرع، وإن طالبت الضحية تعويضًا ماليًا لإصاباتها الجسدية، أو لفقدها عضوًا من أعضائها، تقدره الضحية (بحد أدنى خمسين ألف ريال، وبحد أقصى مليون ريال)؛ لأنّها هي المتضررة، مع سجنه المدة التي يُحددها القاضي، أمّا إذا كانت الجريمة اغتصابًا جنسيًّا، فيُطبّق الحد الشرعي على المغتصب، مع تغليظ العقوبة لكونه اغتصب إحدى، أو (أحد) محارمه.
الفقرة (5) من المادة الثامنة:
إذا كانت ضحية الإيذاء طفلاً تم إيذاؤه من أحد الوالدين المنفصلين فلوحدة الحماية الاجتماعية بعد دراسة الحالة وتقدير المصلحة الأفضل للطفل الأمر بتسليمه فورًا لوالده الآخر، أو لأحد أفراد أسرته أو أقاربه، القادر على توفير الرعاية اللازمة له لحين معالجة الحالة. وعلى مَن يعترض على هذا الإجراء اللجوء إلى القضاء، وذلك دون الإخلال بأحكام أية أنظمة أخرى توفر حماية أفضل للطفل.
وهنا أسأل إذا كان الأب أو زوجته، أو هما معًا مارسا العنف ضد الطفل، وسلّمته الوحدة الاجتماعية لأمه، ولكن الأب اعترض على ذلك، وتقدّم للقضاء، وفي حالة حكم القاضي بعودة الطفل إلى أبيه، ما الإجراء الذي سيتخذ، هل سيُسلّم الطفل إلى جلاده ليمارس مزيدًا من العنف قد يودي بحياته، كما حدث للطفلة غصون؟!
* 6/8 يتم إيواء الحالة أو استضافتها وفقًا للشروط التالية:
أ – يقتصر الإيواء أو الاستضافة على المرأة مهما كان سنها، والطفل دون سن الثامنة عشرة.
ب – لا يتوقف إيواء الحالة على موافقة ولي الأمر.
جـ – يتم إطلاع الحالة على التعليمات الخاصة بالإيواء أو الاستضافة، مع أخذ التعهد الكتابي عليها بالتقيد بتلك التعليمات بما يحقق المحافظة على مصلحتها، ورعاية أطفالها إن كانوا بصحبتها.
د – مدة الإيواء ثلاثة أيام، ويمكن تمديدها بموافقة الوكيل المختص لمدة محددة لا تتجاوز الشهرين، وفي حال تطلبت معالجة الحالة مدة أطول من تلك فيمكن تمديدها لمدة أخرى وذلك بموافقة الوكيل المختص.
وهنا أسأل إذا كان الطفل ذكرًا، فهل يُستضاف في دور الاستضافة مع النساء، وكان قد بلغ الحُلم؟
إذًا استضافة المعنّفات وأولادهن في دور الإيواء ليست عملية؛ إذ ينبغي أن تكون دور الإيواء للمعنِّفين لعلاجهم وتأهيلهم.
الفقرة (د) تتعامل مع (الضحية) وكأنّها مريضة نفسية، أو امرأة لا تتحمّل المسؤولية.
ونلاحظ أنّ الفقرة (هـ) تتناقض مع الفقرة (ج)، إذ كيف لا يتوقف إيواء الحالة على موافقة ولي الأمر، “والوكيل المختص الوحيد الذي يملك قرار تمديد الاستضافة إلى شهريْن، أو أكثر”.
وبناءً على ما تقدّم أقترح الآتي:
1- إعادة النظر في اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء بصيغتها الحالية، وإجراء كافة التعديلات عليها بخصوص التعريفات، ولا سيما تعريف الولاية، والسلطة، والمسؤولية، وإضافة تعريف الإيذاء المالي، وتوضيحه، وآليات الحماية منه، مع توضيح الإيذاء البدني والنفسي والجنسي والإهمال، وشرح آليات الحماية منها، ونوع العقوبات، ومقدار الغرامات المالية التي توقع على مرتكب الإيذاء.
2- إعادة النظر في الجهة المعنية بتنفيذ نظام الحماية من الإيذاء، بتكوين مجلس أعلى للأسرة يتبع مباشرة لمجلس الوزراء، ويُعهد لهذا المجلس تنفيذ نظام الحماية من الإيذاء، إن كان عنفه لم يصل إلى مرتبة الجريمة.
3- إنشاء أقسام نسائية في جميع مراكز الشُرط لتلقي بلاغات الإيذاء من النساء والأطفال.
4- تكوين لجنة من طبيب نفسي وأخصائي اجتماعي وقانوني لتحديد العقوبة البديلة التي توقع على مرتكب الإيذاء بعد دراسة حالته، بحيث يكون للعقوبة البديلة أثر في إصلاحه، وعلاجه من مرض الإيذاء والعنف.
* تقديم كافة الخدمات الأمنية والطبية والقضائية والنفسية والاجتماعية لضحايا العنف الأسري في مبنى واحد، مع ضمان سهولة الإجراءات وشفافيتها ومتابعتها.
6- العمل على زيادة سلامة الضحايا، وزيادة ثقتهم بمقدمي الخدمة لهم.
7- ترسيخ العمل المشترك بين الجهات مقدمة الخدمة لضمان جودة الخدمة.
8- ضمان التزام جميع المؤسسات الوطنية لحماية الأسرة.
9- أن تكون دور الإيواء للمعنِّفين وعلاجهم وتأهيلهم، وليس للمعنّفات وأطفالهن.
10- لابد من وضع لائحة تنظم دور الإيواء.
آمل وضع هذه القراءة، وما تضمنته من مقترحات في عيْن الاعتبار.

المصدر : جريدة المدينة - 29 جمادى الاخر الموافق 29 ابريل 2014م