ذنبي أني يتيم !
د. قيصر حامد مطاوع - جريدة المدينة
•إنه يتيم…هاتان أول كلمتين سمعتهما في حياتي… عرفت أني يتيم الأبوين وأعيش في دار رعاية الأيتام قبل أن أعرف حتى اسمي…
•أعلم أنك لا تعرف شعور اليتيم، خصوصاً يتيم الأبوين…ولا تعرف الشعور الأشد قسوة، وهو أن تعيش في السجن الصغير…في دار رعاية الأيتام…
•ولكن إليك المفاجأة، سجني الصغير قد يكون أرحم من السجن الكبير، وهو المجتمع…المجتمع الذي يهتم بعائلتك ونسبك وقبيلتك، وإذا كنت سعودياً أصلياً أو متجنساً، أي (طرش بحر) كما يقولون، حتى لو كان أجدادك قد حصلوا على الجنسية السعودية منذ عشرات السنين، ولكنك تظل في نظر هؤلاء طرش بحر…!!
•تخيل أن يعيش يتيم لا يعرف أبويه في هذا المجتمع القبلي الطبقي…تخيل فقط…عرفت الآن لماذا السجن الصغير أرحم لي من السجن الكبير، لأننا كلنا في السجن الصغير سواسية بدون قبلية أو طبقية أو نظرة دونية… فكلنا هنا سواسية…كلنا أيتام…
•ولكنني أظل ابن المجتمع ولو تنكر لي أبناؤه… نعم تنكر…وهل يوجد نكران أكثر من عدم الاهتمام بي؟…هل يوجد من يهتم كيف عشت في دار الرعاية؟ وكيف كنت تحت رحمة المشرفين هناك؟ …ففيهم من يعاملنا بقسوة…وفيهم من يرحم حالنا…وعندما نتعرض لقسوة أحدهم كنا نسكت ونبلع ألمنا…ولمن نشتكي؟…لساجن السجن؟!…
•حتى عندما يتسرب موضوع ما للإعلام عن دار الرعاية، سواء من ضرب أو عدم نظافة أو غيره…تجد المسؤول يخرج إما لينفي أو يعد بإجراء تحقيق… ويتم طي الموضوع ونسيانه…ومن يهتم بنا فنحن أيتام…
•يا أخي أنت بذاتك أكثر شيء تقوم به هو زيارة دار الرعاية لتوزيع بعض الألعاب أو الحلوى علينا… وتمسح على رؤوسنا لتكتب لك صدقة…تمسح فقط من أجل الصدقة…أه كم أكره المسح على رأسي لأنها تشعرني بالذل والمهانة وصدقتك…
•وعندما تريد أن تفعل شيئاً آخر لي، وتأتي للدارلتأخذني لأقضي يوماً مع أسرتك وألعب مع أطفالك، أجد الجميع يطاردني بنظرات الشفقة التي تقتلني…وأسمعك تهمس في أذن ابنك الذي يسأل من أكون، لتجيبه: بأنه يتيم…ثم تعيدني بعدها إلى سجني مرة أخرى…ليزيد ألمي وكسرتي بعد أن خرجت لبرهة ورأيت طفلك كيف يعيش مع أبويه، وأنا يتيم بلا أبوين في سجني الصغير….
• لا تغضب لو قلت لك بأنني أشعر بحقد وازدراء لك ولمجتمعك الذي ينظر إليَّ نظرة دونية…مجتمعك الذي لا يهتم بما يحدث لي في سجني…مجتمعك الذي يفر مني حتى بالمصاهرة، فلا يزوجني من بناته لأني لا أصل ولا فصل لي كما يقولون…ولا أجد أمامي غير أن أتزوج من بنات دار الرعاية، فنحن أيتام لا نتزوج إلا أيتاماً، وبزواج جماعي…للتأكيد بأننا مختلفون عن بقية أفراد المجتمع حتى في زواجنا…!
•يا أخي لا أريد منكم نظرة الشفقة…أو المسح على رأسي…أو صدقتك…ولكن كل ما أريده هو أن أعامل كفرد في المجتمع…أن أعامل لشخصي وليس لنسبي…أن تكون دار الرعاية مهيأة لي، وأن أعامل فيها بشكل لائق لأكون فرداً صالحاً في المجتمع…أن يتم توعية المجتمع نحوي…أن يتم تشجيع تبني الأيتام مثلي، لنجد أسراً نعيش عندها…وأجد من يزوجني عندما أرغب في الزواج، لأكون فرداً في عائلة جديدة وأكوّن عائلتي الجديدة…هل هذا كثير علي؟…هل كثير أن أحلم بأن أكون فرداً مساوياً لك في المجتمع؟
المصدر : جريدة المدينة - 30-12-2014 م