كلمة الإقتصادية - جريدة الإقتصادية

عدد القراءات: 1254

ناقش مجلس الشورى في جلسات متعددة، صياغة نظام أو قانون لمكافحة جرائم التحرش الجنسي، ثم استبدل الفكرة بمشروع نظام للحماية من الإيذاء، وهو مشروع لا يتضمن جريمة التحرش الجنسي بوصفها من جرائم الإيذاء البدني والمعنوي، وهي جرائم متنوعة في أساليبها ومختلفة في درجة حدتها ومدى الاعتداء فيها. وهذا النوع من الجرائم غزا مجتمعنا المسلم المحافظ في نمط حياته وسلوكه، ومن تلك الأمثلة الشائعة المغازلة والترقيم ومرافقة سيارات العائلات ومضايقتها حين تحاصر سيارات الشباب سيارة فيها نساء وتطاردها في الشوارع، وهنا تتدخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقوم بعمل الحسبة، حيث لا يوجد نظام واضح يحدد إجراءات العمل، ما يؤدي إلى وجود تباين كبير في المعالجة، وأخطاء شخصية في الجانب الإجرائي، وهو ما أدى ويؤدي إلى انتقادات واسعة لطريقة العمل في ضبط حالات التحرش الجنسي وكيفية التصرف فيها.

ونتيجة لعدم وجود نظام نجد أن بعض الأسواق والمحال التجارية تتخذ قرارا بمنع دخول الشباب؛ لأنهم يأتون لممارسة التحرش بالأسر والفتيات، وهي ظاهرة لا تخلو منها دول العالم مع اختلاف في تناول تلك القضايا واعتبارها حقوقا شخصية أكثر منها جريمة في حق المجتمع. ومن هنا فإن نطاق التجريم والعقاب في مجتمعنا يتجاوز الحق الشخصي ليكون مخالفة وجريمة في حق المجتمع، ولذا فإن ترك ذلك للاجتهاد الشخصي لا يخدم المصلحة العامة حتى في ميدان حماية الجانب الأخلاقي، والحق الشخصي لكل من ترتاد الأسواق من العائلات والفتيات، وليس الحل في منع الشباب من ارتياد الأسواق والأماكن العامة، فهذا يزيد المشكلة تعقيدا، ويدفع الشباب للشعور بأنهم منبوذون من مجتمعهم.

إن من المفروض والواجب أن يكون لدينا قانونٌ للعقوبات على أفعال التحرُّش الجنسي، وما يندرج تحت هذا الاسم من مخالفات شرعية، وهي بلا شك من جرائم التعزير التي يعاقب عليها القضاء شرعاً بعقوبة تختلف بحسب الحال والشخص ومُلابسات الفعل، وغير ذلك من الظروف المشدّدة للعقاب أو المخففة له، حيث يستعد مجلس الشورى للتصويت خلال الشهر الجاري على الصيغة النهائية لقانون عقوبات خاص بجرائم التحرُّش الجنسي، بعد أن اكتملت صياغته ومراجعته ليرفع بعد ذلك إلى المقام السامي، ومن المتوقع أن يتم إقراره في فترة قريبة، حيث لا تزال جرائم التحرُّش الجنسي تعاني فراغاً تشريعياً رغم وحدة الجهة المختصة بالتحقيق والادعاء العام فيها.

وبلا شك لدينا حالات سوء سلوك من بعض الشباب، بل من بعض الشابات، خصوصاً في الأسواق، وهو سلوكٌ مرفوضٌ ولا يمكن قبوله من الناحيتين الدينية والاجتماعية، لكن لا يمكن أن نبني نمط حياتنا على توقع الأسوأ، والتعامل مع مثل هذه الحالات لتكون ظروفاً للتضييق على المجتمع وأفراده، لذا فقد جاء الحل في صورته المثالية، وهو أن يكون هناك قانونٌ أو نظامٌ يسمي الأشياء بأسمائها، ويقطع القول في تلك المخالفات، ويصنف حالات المضايقة أو التحرُّش الجنسي، فقانون العقوبات ليس كلاماً إنشائياً، بل هو صيغة تشريعية واضحة تحدد الأفعال وعناصرها المادية والمعنوية وأدلة إثباتاتها والاختصاص بالتعامل معها في الضبط الجنائي والتحقيق والمحاكمة ونوع ومقدار العقوبات التي يصدرها القضاء على مَن يثبت عليه ارتكاب فعل تحرُّش جنسي.

إن الجميع يؤملون من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن تكون جهة الضبط التي تعالج هذه الحالات وفق القانون الذي قد يصدر، ليلغي الاجتهادات الفردية، وتفاوت التقدير الشخصي بين مشدّد ومتساهل، فالقانون سيضع قواعد عامة مجرّدة، لها ضوابط محدّدة وواضحة ومقنعة لكيفية التعامل، بحيث يتم بناء قضية على حقائق وليس على شكوك أو ظنون، فالظن لا يغني من الحق شيئاً، كما أنه لا يساعد على مكافحة الأفعال غير الأخلاقية، خصوصاً في الأسواق والمحال والمعارض وغيرها من الأماكن العامة.

المصدر : جريدة الإقتصادية - 7-2-2015 م