عدد القراءات: 1734

نظراً لأهميته في ضبط الأحكام القضائية وعدم تعارضها

مشاري الكرشمي – الرياض
الجمعة 06/03/2015

أصبح لتعارض الأحكام في القضاء نتائج لا تتواكب مع تطور القضاء في السعودية خاصة بعد إقرار مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، الأمر الذي استوجب من المهتمين بالسلك القضائي من قضاة ومحامين بالمطالبة بتقنين الأحكام في المحاكم السعودية بغية توحيد الأحكام القضائية وضبطها ومنع تعارضها، ومعرفة الحكم الشرعي الخاص بالدعوى؛ ليتم سرعة الفصل في المنازعات.
«المدينة» استطلعت آراء عدد من المحامين المهتمين بضرورة تطبيق تقنين الأحكام القضائية، فإليكم الاستطلاع…
في البداية قال المستشار والمحاسب القانوني حمود الربيعان: في ظل التطور الاقتصادي والقانوني العالمي، والتزام الدول بكثير من الارتباطات الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات الدولية، وتنفيذ الأحكام بين الدول، وارتباط الكثير من المعاملات عالمياً، وظهور ما يسمى باقتصاديات وأنظمة العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة، تدار خلف أقبية صالات الاجتماعات بين الدول، أصبحت ضرورة تقنين بعض الأحكام أمراً ملحاً في بعض جوانبه، وضرورياً حتى يتم التنسيق والتناغم بين التعاملات الدولية، وأحكام الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وقادرة وقابلة على التعامل وحل جميع النوازل الحديثة في العالم.
وأضاف الربيعان إن أهمية تقنين بعض الأحكام في هذا الوقت تبرز في بعض جوانبها نتيجة التزام المملكة خصوصاً في معاهداتها الدولية وحدوث التطورات الكبيرة والهائلة اقتصادياً وتقنياً، مما يتوجب على كثير من الأحكام أن تكون واضحة المعالم وسهلة التطبيق لقضاتنا القائمين على اصدار الأحكام في الجهات التجارية والاقتصادية خصوصاً.
وأردف الربيعان نحن جزء من العالم، بل جزء مهم اقتصادياً ضمن الدول العشرين عالمياً، والتي لها تأثيرها الإيجابي على اقتصاديات الدول والعالم أجمع، والثورة الاقتصادية العالمية جعل الجهاز القضائي في المملكة يهتم اهتماماً بالغاً بهذه التطورات الاقتصادية والتقنية السريعة مما جعله يركز على هذه التغييرات ويسهل قضية التعاملات والاستفادة من التقنية في السلك القضائي، وتبرز الفائدة في سهولة اصدار الأحكام التجارية خصوصاً وما يستجد في العالم الخارجي من تعاملات وداخلياً كذلك مما يسهل على قضاتنا اصدار الأحكام بكل وضوح وشفافية. وسيخدم بلا شك هذا التقنين التطور في مجال القضاء في المملكة من ناحيتين مهمتين، أولاً سرعة اصدار الإحكام القضائية، وثانياً منع ازدواجية الأحكام بين القضاة واختلافها في قضية واحدة واضحة المعالم.
وعن مدى خدمة هذا التقنين لمجال المحاماة أو الإضرار به قال الربيعان : لا بد أن نعرف أن المحامي يعتبر عوناً للقاضي في الوصول إلى الحق وأداءه لأهله، بالتالي هذا التقنين في بعض جوانب القضاء يساعد كلاً من المحامي والقاضي في الوصول إلى إصدار الأحكام وأداء الحقوق إلى أهلها، وكما نعلم بأن تأخير العدل بحد ذاته يعد ظلماً.
النواة الأولى لتقنين
ومن جانبه أكد المحامي سعيد العُمري أن التقنين هو كتابة نصوص تتوافق مع الكتاب والسنة و يتم بها تحديد المخالفة أو الجريمة والعقوبة المناسبة لأفعال وأقوال البشرية وتطبيق حدود الله سبحانه وتعالى وتعزيراً بتقييد حرية الاشخاص أو الغرامة المالية.
مبينا أن فكرة تقنين الأحكام نشأت في بداية العهد العباسي وكانت تحت مظلة جمع الناس على رأى واحد في القضاء ثم ظهرت مجلة الاحكام العدلية في منتصف الثمانينات الميلادية. موضحا أن هنالك حاجة لتقنين الأحكام حاليا، فالشريعة صالحة لكل زمان ومكان ولابد من نظم لتقنن الأحكام، ونرى أن صدور مدونة الأحكام القضائية ومجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية هما النواة الأولى لتقنين الأحكام القضائية في عصرنا الحاضر.
وأردف العُمري أن إصدار نظم تقنن الأحكام ضرورة ملحة وخاصة في ظل الطفرة العدلية التي تشهدها المملكة وليعرف الناس حقوقهم وواجباتهم تجاه المجتمع ونجد أن التقنين ينظم الإجراءات التي يجب أن تتبع لكافة مناحي الحياة وكذلك يستفيد منها القانونيون في أداء أعمالهم سواء كانوا قضاة أو محامين أو مستشارين، بل يحتاج لها الشخص العادي في الحياة اليومية لمعرفة ما قام به من فعل أو قول أو الامتناع عن أداء فعل هل هو مجرم أو غير مجرم ، فكتابة النصوص القانونية ضرورة يستند عليها القاضي في إصدار أحكامه وبنفس القدر للمحامين والمستشارين القانونين في الاستناد عليها في لوائحهم التي يقدمونها أو في دفوعهم القانونية ، كما تهم الجهات الإدارية في الإشارة لها عند إصدار أي قرار، إذن التقنين نحتاجه في كل الأفعال أو الأقوال التي تصدر من الأشخاص.

يحفظ وقت الجميع
وأضاف العمري إن القضاة حالياً يجتهدون كثيراً حتى يستنبطوا الحكم من القرآن أو السنة ولهم سلطة تقديرية في إيقاع العقوبات التعزيرية وأنهم لا يلجؤون للسوابق القضائية بالنسبة للقضايا المرفوعة أمامهم لذا نرى التناقض ويكثر الاجتهاد في الاحكام، أن النظم والقوانين المكتوبة تيسر للقضاة أعمالهم وتحفظ لهم وقتهم فهم لن يجتهدوا كثيراً لإيجاد النص القانوني الذي يستندون عليه في أحكامهم وتقنين الأحكام مناط به المتفقهين في الدين ويمكنهم استنباط الجريمة والعقاب من الكتاب والسنة حتى يسهلوا عمل القضاة يحفظوا وقتهم ووقت المتخاصمين.
وزاد العمري أن الأحكام مختلفة في كثير من القضايا المتشابهة وأن العقوبة في التعزير تختلف من قاض لآخر وأن الأمر متروك لقناعة و تقدير القاضي فإن التقنين سيضبط أحكام القضاة لأنهم لن يجتهدوا كثيراً لإصدار حكم مستنبط ، فالقاضي يصدر حكماً مقنناً ويحدد له النظام حد أدنى وحد أعلى لكل عقوبة وبالتالي تتسق الأحكام وتتشابه في القضية الواحدة ويقنع بها جميع المتخاصمين .

السوابق القضائية
وعن مدى خدمة هذا التقنين لمجال المحاماة أو ضرره قال العمري: كثيراً ما يتفاجأ المحامون بالأحكام التي توقع على موكليهم على الرغم من أن لوائحهم ومذكراتهم لا تكاد تخلو من الإشارة إلى السوابق القضائية من باب توليد القناعات لدى المحكمة ، وأنهم يعانون كثيراً نتيجة لاختلاف الأحكام التي تصدر من القضاة وهى تختلف من قاض لآخر بالرغم من تشابه وقائع وحيثيات القضايا وأن معايير القضاة تختلف كذلك، فإن المحامين سيكونون أسعد الناس بصدور نظم تقنن الأحكام وبتقنين الأحكام يتمكن المحامي من معرفة موقف موكله وهل سيكسب القضية أم يخسرها ويمكن له تقدير سنوات العقوبة في حالة الإدانة ، فتقنين الأحكام لن يتضرر منه أحد وسيسعد الجميع.
ابن شامان: غاية التقنين هي توحيد الأحكام القضائية وضبطها وبيان الراجح منها
ومن جهته قال المحامي فضل بن شامان: يقصد بالتقنين جمع أحكام المسائل الفقهية في باب على هيئة مواد قانونية مرقمة يقتصر في المسألة الواحدة على حكم واحد مختار من آراء الفقهاء المختلفة ليسهل الأمر على القضاة في معرفة الحكم وتطبيقه على النزاع المعروض عليهم .
وأضاف ابن شامان إنه لم يكن الحديث عن فكرة التقنين وليد اليوم بل عرفت الدول الإسلامية هذه الفكرة وطبقتها مثالاً واقعاً نذكر منها مجلة الأحكام العدلية والتي قامت بإعدادها الحكومة العثمانية عام 1293 هـ ونشرها بين أقاليمها. مشيرا إلى تنبه الملك عبدالعزيز –رحمه الله تعالى- إلى أهمية التقنين ودعا إليه حيث نشرت جريدة أم القرى في عام 1346 هـ مقالين عن رغبة الملك المؤسس غفر الله له في وضع مجلة للأحكام الشرعية لا تتقيد حين الاستنباط بمذهب دون آخر بل تأخذ ما تراه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة.
وأردف ابن شامان أنه يمكن القول بأن غاية التقنين هي توحيد الأحكام القضائية وضبطها وبيان الراجح منها حيث ترتب هذه الغاية فوائد جمة على العمل القضائي منها؛ التسهيل على القضاة والمحامين والمتقاضين في معرفة الحكم الشرعي الخاص بالدعوى ، توحيد الأحكام القضائية ومنع تعارضها في المحكمة الواحدة أو في محاكم الدولة على السواء ، وتعزيز طمأنينة المتقاضين وحفظ عرض القضاء من قالة السوء، كما أنها تحقق معرفة الحكم الشرعي ابتداءً حتى يستطيع المتقاضين ترتيب أمورهم عند التعامل مع الحكم الذي سيفصل به مستقبلاً.
وأشار إلى أن الحاجة إلى التقنين أبرزتها ضرورات شرعية ملحة منها العدالة الناجزة والتي تستلزم على الجهاز القضائي سرعة الفصل في المنازعات وهذا لا يتحقق إلا بالتقنين كما أن التقنين لا يتوقف عند حدود العمل القضائي وحسب بل أصبح خياراً حتمياً في الدول الحديثة وعلى وجه الخصوص مع كثرة الوزارات وتشعب الهيئات إذا أصبح من المسلمات الدستورية مبدأ مساواة الأفراد أمام المرافق العامة الأمر الذي يتطلب معه وجود قانون واضح المعالم سهل التطبيق على الكافة.
التقنين له أوجه
وزاد: إن خلاصة القول إن الحاجة تدعونا إلى المطالبة بالتقنين ولا ينال منها حجج المعارضين له بدعوى تعطيل الاجتهاد القضائي أو جمود التقنين وقصوره ذلك أن الوضع المعايش يجد بطلان دعوى الاجتهاد فجل الأحكام القضائية إنما هي خلاصة اختيارات فقهية تنم عن تقليد القاضي لا اجتهاده كما أن دعوى جمود التقنين وقصوره تتنافى مع طبيعة تغير الأحكام بتغير الزمان إذ بمقدور السلطة التشريعية التعديل في التقنين بما يتحقق مع هذه الغاية وفضلاً عن ذلك كله أن القول الفصل في مسألة الاختلاف بجواز التقنين وعدم جوازه إلى اختيار الحاكم فإذا اختار ولي الأمر التقنين لمصلحة يراه ارتفع الخلاف وكان أمره في ذلك واجب السمع والطاعة كما دلت النصوص الشرعية على ذلك ومنها قاعدة ( حكم الحاكم يرفع الخلاف). كما أن التقنين له أوجه، فهناك تقنين للإجراءات وهو واقع كما في نظام الإجراءات الجزائية، وتقنين للعقوبات كما هو في نظام مكافحة المخدرات ، وتقنين للأحكام وهو المنتظر أن يحسم من قبل المختصين بالتزامن مع مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء .
العتيبي: تقنين الأحكام يضبط القضية مهما كان مكانها والقاضي الذي يحكم بها
ومن جهته يرى المحامي محمد العتيبي أن تقنين الأحكام يضبط القضية مهما كان مكانها ومهما كان القاضي الذي يحكم بها، كما أنه لا يدع مجالا للاجتهاد الخاطئ من قبل القضاة، فلذلك لابد من تقنين الأحكام القضائية بما يكون متوافقا مع الشرع من خلال التضييق على اجتهاد القضاة الذي نتج عنه مشكلات عدة من خلال تفاوت أحكامهم في القضية الواحدة ما جعل أصحاب القضايا ومحاميهم يقعون في حيرة بل إن بعضهم يتعب في قضيته ويدافع عن موكله فيحكم عليها حكما لا يتناسب مع هذه القضية البسيطة فيما ينال شخص آخر حكما خفيفا في قضية كبرى، ولذلك صارت الأحكام الاجتهادية تختلف من قاضٍ إلى آخر في المحكمة الواحدة كما أن الحكم يختلف أيضا من منطقة لأخرى، وهذه الاجتهادات الشخصية من بعض القضاة أضرت بالقضاء كثيرا. مبينا أن تقنين الأحكام القضائية سيجعل الجميع يتوقع الحكم من خلال علمهم بالعقوبة، مشيرا إلى أنه بالتقنين القاضي لا يملك إلا تطبيق النصوص الموحدة، ولا تختلف باختلاف القضاة أو المحاكم.