خالد بن محمد العنقري - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1348

الخطأ الطبي قديم قدم الطب والإنسان، وضحاياه في الغالب تحت أطباق الثرى واكتشافه من الصعوبة بمكان، على الرغم من أن عدد المكتشف منها يفوق 100 ألف سنويا في الولايات المتحدة وحدها، كما ذكر تقرير معهد الطب الأمريكي لعام 1999، ومع ما يعتري ذلك من وهم كثير حوله، فالطبيب كأي ممارس مهني قليل من ينصفه حال الفشل خصوصا ممن لحقهم الضرر المباشر من النتيجة، كما أن البعض قد يخلط بين الخطأ الطبي والخطأ الإداري كتأخر صدور قرار العلاج ممن لا يتوافر له العلاج لدى الجهات الصحية في المملكة وهذا خطأ إداري بحت حال ثبوته، وبما أن الطبيب بشر يخطئ ويصيب فإن الشريعة الإسلامية وجميع القوانين جعلته محل المساءلة الجزائية والمدنية إذا ما نتج الضرر عن خطأ مهني، وقد فصل العلماء بذلك وأكدوا حق المطالبة بالحق الخاص قضاء، وبما أن حق التقاضي مكفول لكل مواطن ومقيم حسب نص المادة 47 من النظام الأساسي للحكم ولما يكتنف الأخطاء الطبية من تعقيد وللحاجة الماسة في مثل هذه الأحكام إلى تقديرات الخبراء، فقد سنت الدولة نظام مزاولة المهن الصحية وشكلت لجنة يرأسها قاض متفرغ من وزارة العدل لضمان تحقيق العدالة وإيصال الحقوق لأصحابها وجعلت المادة 40 من هذا النظام لوزير الصحة إصدار لائحة تنفيذية تبين القواعد والإجراءات التي تسهل العمل بالنظام وسأبين في هذه المقالة أهم ملامح هذا النظام ولائحته وأهميته في تحقيق المصلحة العامة.

بينت المادة السادسة والعشرون ما يعتبر من قبيل الخطأ الطبي فذكرت الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة، الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها، إجراء عمليات جراحية تجريبية ..، إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض، إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار، استخدام آلات وأجهزة طبية دون علم كاف بطريقة استخدامها أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال، التقصير في الرقابة والإشراف، وعدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به. كلنا نعلم أن الطب مهنة تطبيقية متجددة، فالطبيب ملزم بمواصلة البحث والتعرف على مستجدات مهنته بما يكفل الجودة المهنية التي يقدمها لمرضاه.

إن من أهم ما يجب بيانه أن النظام أوجب في المادة الرابعة والثلاثين النظر في الأخطاء الطبية التي تنتج عنها وفاة أو تلف عضو أو فقد منفعته حتى لو لم تكن هناك شكوى مقدمة من المريض أو من ورثته وتحرك الدعوى مباشرة في الحق العام من الجهة الإدارية الصحية التي يتبعها الطبيب، وتطبيق هذه المادة يحتاج إلى درجة من الشفافية والإجراءات القانونية التي تكفل تحقيقه وأسوأ ما تقع فيه المنشأة الصحية هو ثبوت الخطأ قضاء دون اكتشافه من قبلها.

وفي ذات المادة 34 نص على اختصاص الهيئة الشرعية الصحية بالنظر في المطالبة بالحق الخاص، كما جعلتها المادة الثامنة والثلاثون صاحبة الاختصاص منفردة في ذلك استثناء من عمل اللجان المشكلة للنظر في المخالفات الناشئة عن تطبيق النظام.

إن من المقرر قانونا أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي، إلا أن جهة التقاضي هنا أخذت على عاتقها مهمة ذلك حتى في النظر في المطالبة بالحق الخاص وذلك من خلال تشكيلها الذي يضم نخبة من الخبراء، وكذلك جواز ندبها لخبير سواء من تلقاء نفسها أو بطلب المدعي بالحق الخاص تحقيقا لمبدأ العدالة.

من خلال ذلك يعلم أن نظام مزاولة المهن الصحية حرص كل الحرص على مواكبة التطورات الحديثة وتحقيق الشفافية في اكتشاف الأخطاء الطبية وملاحقة المسؤولين عنها، وطور أسلوب التقاضي كمزيج بين القضاء الجزائي والمدني والإداري تحقيقا لمبدأ العدالة والوصول إلى أعلى مستويات الرعاية الصحية.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 28/5/2015م