انتقادات لاتفاقية التغير المناخي
سعود بن هاشم جليدان - جريدة الاقتصادية
بدأ العلماء التحذير من زيادة حرارة الغلاف الجوي والبحار منذ سبعينيات القرن الماضي. ويهدد تزايد حرق الوقود الأحفوري بتسارع انبعاثات الغازات الدفيئة، التي يعتقد بأنها تزيد من حرارة الغلاف الجوي، والبحار على وجه الأرض. وقد ازدادت الثقة في صحة نظرية تسبب الغازات الدفيئة في رفع درجات حرارة المناخ والبحار مع مرور الوقت، ومع زيادة حدة التقلبات الجوية في مناطق كثيرة. وبعد عشرين عاما من المؤتمرات والمباحثات الدولية متعددة الأطراف حول خطورة التغير المناخي، توصلت معظم دول العالم أخيرا في باريس إلى مشروع اتفاقية تاريخية للتعامل مع التغير المناخي الذي يهدد مستقبل البشرية.
قد يوحي التوافق مبدئيا على مشروع الاتفاقية أنها وضعت حدا لانبعاثات الغازات الدفيئة وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون، كما قد يظن البعض بأنها حددت حصصا معينة لدول العالم فيما يتعلق بانبعاثات الكربون والغازات الدفيئة الأخرى. وقد يتصور آخرون أن العالم نجح في وضع التزامات على الدول الموقعة بمنع إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة التي تزيد احترار المناخ على درجتين مئويتين. وينبغي التأكيد هنا على أن الاتفاقية لم تحدد معايير شاملة للانبعاثات أو حصصا معينة لدول العالم، وإنما تركت للدول حرية تحديد مستوى التزاماتها. وجاءت كثير من التزامات الدول في شكل فضفاض وتضمنت عديدا من الاشتراطات كعدم تسببها مثلا بتهديد معدلات نموها. وتركت دول رئيسة تحديد مستوى معين للانبعاثات حتى عام 2030م، فهذه الصين- الدولة الأكبر تلويثا للمناخ العالمي هذه الأيام – حددت لنفسها هدفا ببلوغ انبعاثاتها أقصى مستوياتها في عام 2030م. وبموجب هذه الالتزامات فإن باستطاعتها رفع انبعاثاتها إلى مستويات قياسية خلال الخمسة عشر عاما المقبلة. ويشير المحللون إلى أن مستوى التزامات الدول الحالية والموجودة في جداول التزاماتها سيسمح بزيادة احترار الغلاف الجوي للأرض عند نهاية القرن الحالي بنحو 2.7 درجة مئوية. وهذا المستوى أعلى ما يرد على ألسنة الفرحين بالاتفاقية، الذين يروجون إلى أنها تصبو إلى منع درجة حرارة المناخ من الارتفاع فوق درجتين مئويتين، وهو المستوى الذي يرى فيه علماء المناخ أنه الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه لمنع الآثار الكارثية لاحترار المناخ على الأجيال المقبلة.
يؤخذ على الاتفاقية أنها وضعت كثيرا من الثقة في وعود الدول بتنفيذ التزماتها. وهذا يتناقض مع التجارب التاريخية للاتفاقات السابقة، حيث ما زال لدى الدول متسع من الوقت للتراجع عن التزاماتها في حالة رفض مجالسها النيابية أو حكوماتها هذه الالتزامات. وقد تتم إعاقة الاتفاقية مثلا من قبل مجلس الشيوخ أو النواب الأمريكيين، أو المجالس النيابية في عدد من الدول الأكبر تلويثا للمناخ، أو جماعات الضغط القوية والمتنفذة المنتشرة حول العالم. وحتى لو وافقت الدول على التزاماتها بخصوص الانبعاثات، فإن هناك كثيرا من الشك في موافقة الدول المتقدمة على تقديم المساعدات السنوية الضخمة للدول النامية المتضررة للوفاء بالتزاماتها، بعد عام 2020م. وتصل إجمالي التعهدات المالية المقدمة إلى 100 بليون دولار سنويا كحد أدنى. وتحتاج الاتفاقية لإقرار 55 دولة لها لتكون سارية المفعول، وقد أعطيت دول العالم فترة عام لإقرار الاتفاقية. ولا تلزم الاتفاقية الدول بتحديد مستوى معين من الانبعاثات – إلا ما تعهدت به في جداول التزاماتها -، ولكنها تلزمها بشفافية الإبلاغ عن الانبعاثات. وتعاني دول كثيرة تدني مستوى الشفافية بشكل عام بما في ذلك المتعلقة بالانبعاثات، وهناك شكوك مثلا بأن الصين قللت بياناتها المنشورة من حجم استهلاكها من الفحم الحجري بنحو 17 في المائة هذا العام، ما أعطى مؤشرات انبعاثات أفضل مما هو حاصل فعلا.
ويرى عديد من منتقدي الاتفاقية أنها لن تغير كثيرا مما سبق الاتفاق عليه في كيوتو منذ 18 عاما. كما يرى المنتقدون أن دولا ملوثة كبيرة للمناخ مثل الصين والهند لم تقدما تنازلات تتناسب مع ضخامة تلويثهما للمناخ العالمي. وانتقد كثير من البيئيين الاتفاقية ورأوا أنها مجرد وعود ولا توجد التزامات حقيقية فيها، بينما يرى آخرون أنها لن تساعد كثيرا المتضررين من التغير المناخي المتوقع. كما انتقد البعض عدم تحديد كثير من الدول لمستويات الانبعاثات في التزاماتها، حيث لم تتضمن الاتفاقية أي عقوبات على الدول التي لا تفي بالتزاماتها، ما سيسمح بالتراخي بالوفاء بالالتزامات. كما انتقد الكثير افتراض الاتفاقية تحقيق تقدم تقني بإحلال الوقود النظيف للوقود الأحفوري عند نهاية القرن الحالي. كما يساور كثير من المختصين شكوك حول إمكانية تخلي كثير من الدول عن الوقود الأحفوري ما دامت كلفته أرخص من أنواع الوقود الأخرى. ولا تتحمس كثيرا من الدول للحد من انبعاثاتها للغازات الدفيئة، وخصوصا الدول النامية والدول المصدرة للوقود الأحفوري لأنها ترى في ذلك تهديدا لمصالحها طويلة الأمد ومسيرة التنمية فيها. وعموما فإن الاتفاقيات متعددة الأطراف صعبة الإنجاز كما أنها تحتاج إلى دعم الدول الرئيسة في العالم، والتزامها بها، ثم سعيها لممارسة الضغوط على دول العالم الأخرى للوفاء بتعهداتها.
المصدر : جريدة الاقتصادية - 20-12-2015