سري مولياني إندراواتي - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1105

هناك من المتاعب ما يكفي ليقض مضاجع أي مسؤول عن صنع السياسات. وقد أثرت التقلبات الأخيرة في أسواق الأسهم الصينية والعالمية، وتراجعت أسعار السلع الأولية، فيما تفاقمت المخاوف الأمنية. كل هذا يثير تساؤلات جادة حول سلامة الاقتصاد العالمي. وقد يشهد هذا العام مزيدا من المخاطر، وتحتدم خلاله التحديات والمخاوف بشأن مكافحة الفقر. لقد انتهى عام 2015 بأنباء سعيدة: فلأول مرة في التاريخ، انخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى ما دون 10 في المائة من سكان العالم. وتمنح أهداف التنمية المستدامة الجديدة واتفاق باريس حول المناخ لجهودنا زخما لانتشال 700 مليون إنسان الباقين من براثن الفقر بالتزامن مع تحقيق النمو الاقتصادي المراعي لتغير المناخ.

وقلما حدث من قبل أن اتفق هذا العدد الكبير من الحكومات والمؤسسات والمنظمات الدولية وجماعات المجتمع المدني على مثل تلك الأهداف الطموحة، وعلى تقديم المصلحة العامة العالمية على المصالح الوطنية الخاصة. الآن، سيتعين على الساسة تحويل الكلمات إلى عمل. ويبدو أن عام 2016 ستتجلى فيه الحاجة الملحة إلى القيادة الذكية والحازمة.

أولا، التعافي الاقتصادي العالمي ضعيف. ففي الوقت الذي تبدي فيه الولايات المتحدة بعض القوة، تظل أوروبا واليابان هشتين. والأكثر إثارة للقلق، هو أن الأداء الاقتصادي لبلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية ــــ التي كانت محركا للنمو خلال العقد الماضي ـــــ كان دون المستوى. فالبرازيل وروسيا تعانيان الكساد بينما تشهد الصين بطئا اقتصاديا. ولا تحقق التجارة العالمية انتعاشا فيما يظل نمو الإنتاجية ضعيفا.

ثانيا، ستظل أسعار السلع الأولية منخفضة على الأرجح فيما سيبقى المعروض من النفط مرتفعا، مع استبعاد انتعاش الطلب قريبا، خاصة من قبل محركات الاقتصاد السابقة في بلدان الأسواق الناشئة. ومن ثم يشعر المصدرون بوطأة الأزمة، وتعاني ميزانياتهم فجوات لا تلبث أن تزداد اتساعا. انخفاض الأسعار شيء جيد للبلدان المستوردة إذ يتيح لها فتح الآفاق لإجراء إصلاحات مهمة لسياسات الطاقة، مثل إلغاء الدعم الضار. بيد أن 30 في المائة من الفقراء يعيشون في بلدان مصدرة للنفط فيما يقتطع عجز ميزانيات هذه الدول من نصيب الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وغيرها من أوجه حماية الفقراء.

ثالثا، نشهد أسوأ موجة من موجات النينيو منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهو ما سيعرض أكثر من عشرة ملايين شخص في شرق وجنوب إفريقيا، وأمريكا الوسطى والبحر الكاريبي لأزمة حادة في الأمن الغذائي. علاوة على أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه الآثار. الأمر الرابع هو تزايد عدد الصراعات. فنتيجة لذلك، أصبح هناك 60 مليون شخص مشردين قسرا داخل بلادهم أو يعيشون لاجئين خارجها، وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية. فالصراع والاضطهاد ما زالا يتسببان في أنماط من المعاناة البشرية الهائلة، ويؤديان إلى تآكل النسيج الاجتماعي في مجتمعات بأكملها، يصاحبهما في ذلك جمود اقتصادي. إن هذه المخاطر عالمية في طبيعتها، وكثيرا ما يعزز بعضها بعضا. ومع إمكانية اتساع نطاقها، فإنها تحتاج إلى استجابات عالمية منسقة. فهي على الأقل تمثل مجموعة معقدة من المخاطر والتحديات. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن ينجم عنها انتكاسة سيكون الفقراء والضعفاء هم الأكثر تضررا منها. نحن بحاجة إلى جهود عالمية للحفاظ على المكاسب التي حققناها في الحرب على الفقر وزيادتها. لكننا لن ننجح دون قيادة جيدة. في عام 2017، عندما ننظر إلى الوراء إلى العام المنصرم، ينبغي أن تتميز مجموعة من الزعماء: هؤلاء هم صانعو السياسات الذين يتصدون للإصلاحات العميقة كي يضفوا على اقتصادهم مزيدا من القدرة على الصمود أمام موجة الاضطرابات العالمية، الذين يطبقون سياسات مالية تصون الإنفاق من أجل الفقراء وتحافظ على الموارد النادرة في الوقت ذاته، والذين لا يتوانون في تحسين الإنتاجية في حين ينتهجون سياسات اشتمالية تضيق الفجوات والتوترات المحتملة بين الأغنياء والفقراء.

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : جريدة الاقتصادية - 6-3-2016