د. عبد العزيز الغدير - جريدة الأقتصادية

عدد القراءات: 1311

تضيع الحقوق عندما يضعف تطبيق النظام لعدم وضوحه أو حينما تكون تكلفة الحصول عليها أعلى من تكلفة ضياعها.
من أكثر الحقوق ضياعا لدينا حقوق المستهلك حيث ضعف النظام الذي يحميه وطول إجراءات الشكاوى والمتابعة والتقاضي للحصول عليها الأمر الذي يجعل تكلفة المطالبة بها أعلى من تكلفتها وخصوصا أن كثيرا من هذه الحقوق ذو طابع فني ومثار جدل وأخذ ورد لندرة وضعف الأدلة ما يعني صعوبة الحصول عليها.
ويكثر ضياع حقوق المستهلكين في مجال الخدمات والمنتجات عالية الاستهلاك خصوصا خدمات صيانة السيارات والمنازل والأجهزة الإلكترونية وقطع غيارها وعلى الأخص المكيفات التي ضعفت جودة تصنيعها في السنوات الأخيرة حيث باتت كثيرة الأعطال ولا تتحمل التشغيل في فترة الصيف حيث درجات الحرارة العالية وهو الموسم الذي تستخدم فيه، والسبب الرئيس في ضياع الحقوق احترافية أصحاب الورش وفنيي الصيانة في وسائل الغش مقابل ثقة المستهلك حيث عادة ما يكون الاتفاق شفويا مقابل مبلغ من المال وعادة ما يقوم الفنيون باستغفال المستهلك بالادعاء بأسباب غير صحيحة للأعطال وأعمال كاذبة للصيانة، وعندما يكتشف المستهلك الخداع لا يجد سبيلا لإدانتهم.
أحد الأصدقاء تعطل لديه أكثر من مكيف وطلب العاملين بمحل صيانة التكييف في الحي الذي يسكنه، حيث قاموا بالفحص وشخصوا الخلل لمكيفين بأنه عطل في الدينمو يتطلب إصلاح لدى فني خارج ورشتهم بنحو 250 ريالا لكل مكيف وكذلك إضافة فريون ومكيفين آخرين قالوا له إنهما يتطلبان تغيير الكومبريسور بنحو ألف ريال لكل منهما إضافة إلى تكاليف العمالة التي تصل إلى نحو 800 ريال، يقول صديقي إنه وافق على إصلاح أعطال الدينمو وترك الكومبريسور للتأكد من الخلل من قبل مصدر آخر، وعندما طلب شركة صيانة أخرى قالوا له لا عطل في الكومبريسور والعطل في منظم الكهرباء وأن التصليح لا يتجاوز 100 ريال مع تكاليف العمالة وأن الدينمو عندما يتعطل يتم استبداله ولا يتم إصلاحه وأن كل ما قيل له والمبالغ التي صرفها كذب واحتيال.
يضيف أنه عندما ذهب لمطالبتهم أنكروا في البداية وعندما واجههم بالحقائق رجوه ألا يشتكي عليهم وأنهم سيعوضونه في إصلاحات أخرى راجين ألا يقطع رزقهم وهم محتاجون وفقراء وينفقون على أسرهم في بلادهم، وعندما أصر عليهم لاسترجاع المبالغ التي أخذوها وإلا يشتكي وأمهلهم يوما لذلك يقول فوجئت بهم وعدد من كبار السن من بني جلدتهم يقبلون رأسي راجين المسامحة والعفو.
وقصص الذين تعرضوا للغش والاحتيال والنصب كثيرة ولا حصر لها في مجال صيانة المنازل والسيارات والأجهزة الإلكترونية وغيرها حتى يقول لي أحد الأصدقاء إن كل حالة تتطلب صيانة يتخللها نصب واحتيال نتحفز للحد منه ولا فائدة، والسؤال ما الحل؟ كيف لنا أن نحمي المستهلك من قضايا النصب والاحتيال واستنزاف الأموال دون نتيجة؟ كيف لنا أن نجعل المقاولين والعاملين في شركات ومحال الصيانة يقفون عند حدهم ويعرفون أن طريق النصب والاحتيال طريق إلى الإفلاس والعقوبة وربما الترحيل من البلاد؟
لا شك أن وزارتي التجارة والبلديات وضعتا حلولا للشكوى من خلال الهاتف أو من خلال تطبيقات الجوال وهي أمور يشكرون عليها ولكن لكثرة الشكاوى فإنه يصعب التعامل معها بكفاءة تحقق المراد ما جعل النصب والاحتيال خارجا عن السيطرة لغاية الآن والمستهلك يعانيه أشد المعاناة، حيث مضيعة المال والجهد والوقت، وبالتالي علينا أن نجد حلولا عملية تحقق نتائج كبيرة على الأرض.
لن نخترع العجلة من جديد فالغرب المتقدم أوجد الحل باستخدام “التصنيف”، وبالتالي يمكننا استخدام فلسفة التصنيف، حيث تصنف الجهات المقدمة لخدمات الصيانة إلى فئات وفق معايير معينة متى ما حققتها الجهة تستحق التصنيف المناسب، وكل تصنيف يستطيع المستهلك قراءته بسهولة لجهة الجودة والسعر والوقت، وبالتالي يتمكن المستهلك من اختيار الملائم بسهولة ويسر، ومتى ما كثرت الشكاوى على المحل يخفض تصنيفه ليقل دخله بالتبعية الأمر الذي يجعل أصحاب المحل يحرصون دائما على تقديم الأفضل وتقليل الشكاوى للحد المعياري، ويمكن أن يشمل التصنيف محاور عدة منها على سبيل المثال لا الحصر موقع المحل، والمعدات التي يستخدمها، ومستوى تأهيل عمالته وخبراتهم المتراكمة، ونسبة الشكاوى لعدد العملاء، وإجراءات التعامل مع المستهلك، واستخدام التقنية الحديثة في الاتفاق وفي إصدار الفواتير وقضايا الضمانات.
أيضا يمكن لنا اليوم وفي ظل التقنية الحديثة وانتشار النت والأجهزة الذكية إيجاد تصنيفات تعتمد على المستهلك بحيث يستطيع المستهلك تصنيف مقدم خدمة الصيانة بناء على أكثر من معيار “المهنية، الوقت، التكلفة، الضمانات، النظافة” من خلال تطبيق معين حيث يصبح التصنيف ذا أثر تسويقي لمقدمي الخدمات وبالتالي يحرصون على أفضلها كي يكسبوا مزيدا من الزبائن، وبذلك نكون قد حددنا من المشكلات والنصب والاحتيال قبل وقوعها كما أننا مكَّنا المُستهلك من ضبط سلوك مقدمي الخدمات ومعاقبتهم بالتصنيف الأقل إذا قدموا خدماتهم بشكل سيئ، وبكل تأكيد سيساند ذلك ويخفف ضغط الشكاوى على وزارة التجارة التي سترتفع جودة عملها هي الأخرى نتيجة انخفاض أعداد الشكاوى.
ومتى ما ضبطنا جودة الصيانة حمينا المستهلك وحققنا هدفا أكبر وهو خفض الهدر الكبير في قطع الغيار والمواد الاستهلاكية وخفضنا الأموال التي تنتقل من جيوب المستهلكين لجيوب العمالة التي تحولها للخارج وبالتالي أسهمنا في تخفيض التحويلات للخارج لشراء قطع غيار لا داعي لها وخفضنا تحويلات العمالة من أموال النصب والاحتيال التي يأخذونها دون وجه حق.
ختاما، أتطلع إلى أن تقوم وزارة التجارة والاستثمار بالتعاون مع جمعية حماية المستهلك ووزارة العمل وكل جهاز ذي صلة بتطوير وتطبيق برنامج للتصنيف يحد من النصب والاحتيال في مجال الصيانة في جميع مجالاتها ويُمكِن المستهلك من ضبط جودة خدمات الصيانة من خلال دوره في عملية التصنيف.

المصدر : جريدة الأقتصادية - 27 يوليو 2016