د. خالد الحليبي - جريدة اليوم

عدد القراءات: 1181

خبران ليس بينهما سوى أيام معدودات، الخبر الأول: بلوغ عدد صكوك الطلاق في المملكة أكثر من أربعين ألف صك في سنة واحدة، ولم يصدر عن وزارة العدل رقم أكبر من هذا من قبل أبدا، مع أن الجهود المبذولة في محاربة الطلاق تضاعفت، والمؤسسات المعنية بالأسرة أصبحت أكثر احترافية ونجاحا في حسم 50-70% من قضايا الطلاق التي تردها بعودة الأسرة إلى ألفتها، ولكن المد المضاد أقوى من إمكاناتها.
والخبر الآخر: مجلس الوزراء يوافق على تنظيم مجلس شؤون الأسرة برئاسة معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية، ويتولى مهمة رعاية شؤون الأسرة داخل المملكة العربية السعودية، ويكون مقره في الرياض.
والأخير حلم كان يداعب أصحاب الهم الأسري منذ فترة، وكانت الأطروحات متنوعة بين هيئة عامة، ووزارة، ومجلس، وقد نص على ذلك عدد من التوصيات الناتجة عن أوراق العمل والأبحاث التي ناقشتها ملتقيات ومؤتمرات وورش عمل عديدة.
والأسرة التي تمثل نواة المجتمع ومرتكزه، وأساسه الذي إذا اهتزَّ فالخطورة مصيرية، تستحق هذا الاهتمام الذي أولته إياها حكومة خادم الحرمين الشريفين، فالطلاق الذي استشرى بأسباب جديدة من أبرزها الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي، لا يقل خطرا عن الجريمة والإرهاب والمخدرات، فكلها تفتك ببنية الوطن وأعمدته التي تحمل مشاعل الحياة للمستقبل.
وأجد أن أمام المجلس قضايا كبيرة تحتاج إلى تركيز، وأوليات تتقدم قائمة طويلة من الاحتياجات، وأبرزها: 1ـ وضع إستراتيجية الأسرة في المملكة العربية السعودية متسقة مع رؤية المملكة: (2030)، 2ـ تشجيع وتبني الدراسات والأبحاث التي تشخص القضايا الأسرية الراهنة، وترتب أولياتها، وتضع لها الحلول المناسبة، وفق خطة تنفيذية مزمنة، 3ـ حصر الأحكام الشرعية الخاصة بالأسرة، ووضعها في سياقات مناسبة قريبة ممن يحتاجها من غير المختصين في الشريعة؛ حفظا للحقوق التي تضيع بسبب الجهل بها، ويستغلها من لا خلاق له ولا مروءة، 4- استنساخ تجارب الدول الناجحة في مجالات الأسرة، العربية والإسلامية والأجنبية، مع الاحتفاظ بهوية البلاد دينا وعروبة وعادات مرعية، 5- تشجيع ودعم الجهات القائمة بالشأن الأسري الآخذة في الاتساع على رقعة المملكة، بإشراف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي يرأس معالي وزيرها مجلس شؤون الأسرة، فهي الأذرع القوية للوزارة وللمجلس التي تتواصل مع الجمهور، وتقدم له الخدمات والبرامج المباشرة؛ التي تعمل على الخطوط المتوازية الثلاثة: البناء والتنمية، والوقاية، والعلاج، 6- التواصل مع جميع الوزارات والهيئات والمجالس والجامعات ومراكز الأبحاث فيما هو مشترك بينها في قضايا الأسرة، والتنسيق بينها؛ لتسير في اتجاه واحد، لتحقيق أكبر قدر من الحماية والتطوير للأسرة.
ومن المتوقع أن يمر المجلس بفترة بناء وتكوين، بحيث تتبلور شخصيته الاعتبارية من خلال ورش عمل، وبيوت خبرة، واستثمار الخبرات السابقة، واستقطاب المهتمين بالشأن الأسري؛ لاختصار الزمن، فالوضع القائم للأسرة خطير جدا، حيث تستهدفها قوى الضلال والظلام والتكفير والتجهيل والإعلام المفسد، وتسعى إلى تفتيت كيانها وتمييع شخصيتها اتفاقات دولية، حاولت أن تفرض على دول العالم أجمع أجندة مشبوهة، تركز على إفساد الفطرة، وزعزعة أركان (الزواج الشرعي)، وإشاعة الفاحشة والزواجات العرفية والمثلية القذرة. وللمملكة مواقف مشرفة، رفضت فيها الانسياق في هذه الاتجاهات غير الإنسانية، التي مزقت البلاد التي شاعت فيها، واتجهت بها إلى شيخوخة المجتمع، وفقدان التناسل الطاهر، ومن ثم فقدان الحضن الدافئ الطبيعي، الذي ينشأ فيه الإنسان نشأة سوية، له انتماء إلى أسرة يستقي منها دينه ولغته وتفضيلاته وأخلاقه ومروءته.
إن وطننا الغالي يسير في خطوات واثقات، تستنفر في كل غيور عليه محب له، أن يحسن الجندية في أي صف يوضع فيه بوعي واقعي، وعلم وبصيرة بما يدور حوله، ساعيا إلى التقدم والتطوير بلا سكون ولا تراجع إلى الوراء.

المصدر : جريدة اليوم - 27 يوليو 2016