علي الخشيبان - جريدة الرياض

عدد القراءات: 681

عند قراءة نظام مجلس الشورى في بعده الاجتماعي والسياسي وليس القانوني يمكن الجزم بشكل دقيق ان الحكومة السعودية عندما أصدرت نظام مجلس الشورى، فقد بنت التكوين الاجتماعي والسياسي والقانوني لهذا المجلس ليمارس دوراً مكملاً كوسيط فعلي يسهم في تعزيز وترشيد القرار السياسي لصالح المجتمع ويسهم في منح الحكومة صورة مختلفة تكشف البعد المجتمعي من خلال تشكلية الأعضاء الذين يمثلون هذا المجلس، وثمة مسائل عدة أرادت الحكومة أن تطرحها من خلال إنشائها لهذا المجلس وهي ذات صلة وارتباط وثيق بالمكون المجتمعي والثقافي.
على المستوى السياسي يمكن الجزم أن الدولة حققت إنجازاً لا يمكن إغفاله عندما أنشأت المجلس، فإنجازات المجلس النظامية والقانونية ومشاركاته كبيرة وساهمت بشكل فعال في توجية المسار السياسي والاجتماعي والثقافي للكثير من القضايا سواء القانونية أو غيرها من القضايا المجتمعية أو الثقافية ، ولعل من أهم الآثار الإيجابية التي تركها إنشاء المجلس هي عملية الإثراء العام والجوهري للفكرة البرلمانية من خلال مجلس الشوري وآليات عملها ودورها، ولكن السؤال الذي يواجه المجلس مرتبط في قدرة المجلس وأعضائه على فهم تعقيدات علاقة المجلس الطرفية بين الحكومة والمجتمع وفهم العلاقة الدقيقة بين المجلس كتكوين برلماني قانوني وبين دور عضو المجلس كفرد له أفكاره وأراؤه الخاصة.
عندما نقرأ نظام مجلس الشورى علينا أن ندرك ان العلاقة بين فردية عضو مجلس الشورى وبين جماعية تكوين المجلس وصياغة قراراته صورة يجب على الجميع ان يقرأها بشكل دقيق، عضوية المجلس إطار جماعي مكتمل من الناحية القانونية وكل فقرات التنظيم الخاص بمجلس الشورى بنيت على بعد جماعي أولاَ وأخيرا سواء في القرار أو الرأي، وهذا قانونياً يجعل الدولة غير مسؤولة أبداً عن الرأي الذي يطرحه عضو المجلس كفرد، لذلك يمكن القول إن الرأي الفردي لعضو مجلس الشورى عبر تاريخ المجلس منذ إنشائه لم يمثل وجهة نظر الحكومة لأن الصياغة القانونية للمجلس لا يوجد فيها مسار تنظيمي يعطي وجهة النظر الفردية أي مدلول دون إطار جماعي وفق تنظيم المجلس ومساره الإجرائي.
إن أهم محور في قضية دور عضو مجلس الشورى يتمثل في قدرته على فهم للعلاقة الدقيقة بين عضويته حيث يعمل في إطار يضم أعضاء آخرين وبين دور فردي، هذه العلاقة معقدة ودقيقة من الناحية العملية والعلمية ويؤثر فيها الجانب النفسي بشكل دقيق، فالمسؤولية تجاه الآخرين وخاصة المجتمع والتي يراها عضو المجلس يجب أن تكون دقيقة لأنها بمجرد وجود غموض في هذه المسؤولية وخلط بين الإطار القانوني لنظام المجلس وفكرة الفردية، فإن الكثير من الآراء تتحول الى فكرة نقدية للمجتمع ، أكثر من كونها فكرة تصحيحية لوضع اجتماعي يمكن طرحها في المجلس كتوصية تستهلك الوسائل الصحيحة في طرحها.
دور مجلس الشورى وفق تنظيماته القانونية يتجه إلى دعم الاتجاهات الإيجابية من أجل تحقيق تقارب اجتماعي أكبر بين أصحاب الحظوظ الكبيرة وبين أصحاب الحظوظ القليلة في المجتمع، وفقا لجميع المستويات المدية والثقافية والنظامية والمجتمعية ، والدعم القانوني من المجلس للتنظيمات الخاصة بهذه المعادلة الاجتماعية تحقق عائدات إيجابية من أفراد المجتمع، بمعنى دقيق ان تركيز المجلس على تبني الأبعاد التنظيمية وطرح الأفكار حولها إعلامياً ومناقشتها بجلسات معلنة وتعزيزها ودعم اتخاذ القرارات الصحيحة تجاهها، كل ذلك يسهم وبشكل فعال في تبني المجتمع أفكاراً إيجابية حول دور المجلس وأعضائه.
في البعد الاجتماعي من المتوقع أن يكون عضو مجلس الشورى وغيره من المسؤولين مدركين وبشكل فعال أن المواطنة ليست مجرد حقوق وواجبات فقط ولكن جزءاً منها يشكل منافع مادية منتظرة، لذلك تسهم ردة الفعل الاجتماعي تجاه النقد الذي يوجه للحقوق المادية بنشوء ارتباك إعلامي وثقافي، بمعنى آخر لا يجب الفصل بين الحقوق والواجبات والمنافع المادية عند الحديث عن المواطنة حتى لا تنشأ حالات نقد حادة بين المجتمع ومنتقديه.
إن دور عضو مجلس الشورى يتمثل في قدرته على فهم الإطار التنظيمي الذي يعمل فيه المجلس وأن يكون مساهماً لدفع المواطن للمساهمة في الحياة وفقا لقدراته وإمكاناته بشرط أن لا يتم تقييم تلك المساهمة في إطار برغماتي من جانب منتقدي المجتمع، كما على الجميع الإدراك: بأن مفهوم المواطنة مرتبط بعلاقات طردية بين ازدياد المنافع المادية وانحسارها، أي انه كلما زادت المنافع المادية كلما ارتقى الإحساس بمفهوم المواطنة وفقاً لحقوقها وواجباتها.
الكثير من أشكال النقد التي تنشأ من الطبقات المثقفة أو طبقات التكنوقراط في المجتمع تفتقر إلى رؤية دقيقة حول الواقع الذي تلجأ إلى نقده، لذلك فنقد المجتمع عبر أفراده من خلال قدراتهم أو إمكاناتهم أو التزامهم لا يشكل في حقيقته فهماً دقيقاً للمجتمع ، فالطبقات المجتمعية من فقراء او متقاعدين او شباب او عاملين كل هؤلاء مساهمون فاعلين في إعادة تكرير وبناء المجتمع، فهذه الفئات على اختلافها تشكل مصدراً دقيقا لإنتاج الأفراد، ودور المجتمع وتلك الطبقات التي أعنيها ان تسهم في تحسين واقع الفئات الأقل في المجتمع من خلال دعم الأنظمة والقوانين وليس نقدها، لأن النقد هو أبسط وأسهل الصور، ولكن التصحيح والبحث عن الحلول للمشكلات هو التحدي الحقيقي لنجاح مؤسسات المجتمع البرلمانية أو غيرها من المؤسسات الحكومية.
النقد الموجه للمجتمع وخاصة عندما يكون لطبقات أقل في دخلها المادي يجعلها أمام تحدّ كبير في تفسيرها للمواطنة، لذلك ينتشر في المجتمع كردة فعل لمثل هذا النقد تفسيرات خاطئة ومتحيزة للمواطنة، وهذا ما ظهر جلياَ في مسارات النقد المتبادل حول قضية المتقاعدين، والحقيقة أن علم الاجتماع ومنذ السبعينات الميلادية يرسخ وبشكل كبير فكرة أن “المجتمع يجب أن ينظر إليه مؤلفا من بنى محلية مستمرة في تفعل وجهاً لوجه، وهي دائماً عرضة للتمزق والتغيير”.

المصدر : جريدة الرياض - 15 أغسطس 2016م