عبد الحميد العمري - جريدة الأقتصادية

عدد القراءات: 789

أؤكد ما ذكرته في المقال الأخير تجاه وزارة الإسكان، أن بيدها الآن أداتين مهمتين جدا، يمكن الاعتماد عليهما بثقة كبيرة في إنجاح مساعيها باتجاه حل أزمة الإسكان الراهنة دون عناء يذكر، ودون تحمل تكاليف مالية هائلة على كاهل ميزانية الدولة، ودون أن تورط أفراد المجتمع في تحمل أعباء ديون عقارية طائلة، تتمثل هاتان الأداتان في: (1) نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، وهو النظام الكفيل بتطبيقه السريع والواسع”أسرع مما تضمنته اللائحة التنفيذية الراهنة” على عموم المدن والمحافظات، وخلال فترات زمنية أقصر بكثير مما ورد باللائحة التنفيذية، أن يؤدي إلى تصحيح الأسعار المتضخمة جدا للأراضي، التي بدورها إذا انخفضت وعادت إلى المستويات السعرية العادلة، سيترتب عليها انخفاض أسعار المنتجات العقارية الأخرى، انخفاض تكلفة إيجاراتها الباهظة جدا كما هو قائم في المرحلة الراهنة.
(2) مخزون هائل من الأراضي الصالحة للتطوير والبناء والتشييد، كان ممكنا لوزارة الإسكان لو أنها كثفت جهودها ومواردها بصورة أكثر فاعلية وكفاءة، أن تحصد بموازاة فاعلية تطبيق نظام الرسوم على الأراضي نتائج وثمار لم تخطر على بالها، ولرأينا جميعا انطفاء سريعا لأزمة الإسكان المحلية، سيعقبه دون أدنى شك انطفاء واسع للعديد من المشاكل التنموية الأخرى، التي تسببت أزمة الإسكان المحلية في اشتعالها دون أي مبرر مقبول أو مشروع.
إنهما الأداتان اللتان إن تجاهلتهما وزارة الإسكان، ومضت في طريق الاعتماد على خلافهما، ليترتب عليه وفق الخطط المقترحة البديلة، التي تعد الأضعف تأثيرا في حل أزمة الإسكان، والتي سينتج عنها تحمل الدولة وأفراد المجتمع أعباء مالية هائلة، ستكون لهما آثار ستلقي بأثقالها السلبية على كاهل الجميع، وعلى التنمية الشاملة والمستدامة، وستنشأ عنها مشاكل أخرى لا حدود لها اقتصاديا وماديا واجتماعيا، ولن يقف أثرها عند هذا الحد؛ بل قد يمتد ونصل إلى ما هو أبعد بكثير، وقد نجد أنفسنا في مواجهة ما لم يخطر على بال أحد من العالمين.
أن تقرر حل أزمة ما، مقابل تفجر عشرات الأزمات الأخرى، فهذا قرار خاطئ بكل تأكيد! فحينما نواجه أزمة الإسكان دون أن نلمس من قريب أو بعيد السبب الرئيس والجوهري لنشوء هذه الأزمة، ونحاول الالتفاف عليه بالكثير من المقترحات القصيرة الأثر، ونجزع تماما من مواجهة هذا السبب، فاعلم أنك قد قررت أولا: الانهزام التام أمام هذا السبب الجوهري لوجود أزمة الإسكان. ثانيا: الموافقة دون أن تعلم على توليد مشاكل أخرى لا يقل خطرها الداهم عن أزمة الإسكان (ارتفاع حجم الديون على الجميع). ثالثا: اختيار الطريق الأكثر وعورة وصعوبة لحل أزمة الإسكان. رابعا: وهو القرار الأكثر خطورة هنا؛ أن الأزمة التي تراجعت عن مواجهة أسبابها الحقيقية، لن تصل إلى حل لها بأي حال من الأحوال وفق هذا السيناريو، وأنك على موعد قريب جدا من زيادتها أكثر مما سبق، لكنها لن تكون الأزمة الوحيدة التي تنتظرك في نهايات السنوات المقبلة.
بالرجوع إلى هاتين الأداتين أعلاه، وأن تتشجع وزارة الإسكان أكثر مما ظاهر حتى الآن، فتواجه الأسباب الفعلية لأزمة الإسكان، التي أوجزها باختصار شديد للمرة الألف هنا؛ أنه التضخم الهائل في الأسعار (أراض، مساكن)، الذي نتج بالدرجة الأكبر عن اتساع أشكال احتكار الأراضي، مضافا إليه تفاقم عمليات المضاربة عليها، أدت هاتان الآفتان مقابل ارتفاع حجم طلب السكان على أهم أولويات التنمية (السكن)، إلى بلوغ أسعاره عنان السماء! هذه باختصار شديد جدا أزمة الإسكان المحلية. تبعها بالضرورة ارتفاع تكلفة الإيجارات السكنية والتجارية والصناعية، وترتب عليها تضخم تكاليف المعيشة والإنتاج، ووصلنا إلى ما يشبه الطريق المسدود تنمويا.
هنا؛ ليس على وزارة الإسكان إلا أن تضرب بيد صارمة من حديد على هامة كل من الاحتكار والمضاربة، ولديها الأداتان اللازمتان! وألا تنجر خلف مقولات زائفة لا تريد خيرا إلا بمن يمتلك تلك الأراضي في هذا التاريخ! فيما لا تراها تنظر بأي عين للاعتبار أو الاهتمام إلى مقدرات وطن بأكمله تتعرض لمخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية لا قبل لأي مجتمع حول العالم بها!
نعم سيخسر ثلة من الملاك “رغم أنه في الأغلب انخفاض في هوامش الأرباح” من جراء هذا التوجه الجاد لحل أزمة الإسكان، لكن في المقابل الرابح الأكبر هو الوطن والمجتمع بأكمله، وهما الثقل الأكبر والأهم بكل تأكيد في هذا الميزان. الأمر الآخر؛ أن الدفاع عن المكاسب الهائلة والطائلة لارتفاع أسعار الأراضي والعقارات كما هي عليه الصورة اليوم، أمر فارغ من العقل والحكمة والرأي الرشيد! ذلك أن الأسباب التي أدت إلى تحقق ذلك التضخم الهائل في الأسعار لا المكاسب كما يروج له المنتفعون، جاءت نتيجة تشوهات جسيمة غرست أنيابها في جسد الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، فلا مجال أبدا لقبول حجج وتبريرات المدافعين عنها مهما بلغت من الحذاقة والفهلوة!
نحن أمام كفتي ميزان، الأولى وطن بكل مقدراته التي لا تقدر بثمن، والأخرى ثلة تنتفع من التضخم غير المبرر إطلاقا لأسعار الأراضي والعقار! فأي كفة هي الأرجح في نظرنا جميعا، الواجب علينا أن نقف معها في هذا المقام؟! الإجابة عن السؤال، تكشف فعلا هل نحن أو وزارة الإسكان تأخذ الأمر على محمل الجد أم لا؟! والله ولي التوفيق.

المصدر : جريدة الأقتصادية - 24 أغسطس 2016م