د. خالد الحليبي - جريدة اليوم

عدد القراءات: 966

على المستوى العالمي تثور عواصف الطلاق المدفوعة بالأجهزة الأنيقة، التي احتلت قلوبنا قبل جيوبنا، أصبح أقصر الطرق إلى الانفصال بين الزوجين (فيس بوك) بحسب دراسة الأكاديمية الأمريكية لمحامي الطلاق، حتى بلغت النسبة 20%، وفي بريطانيا 30%، وأما (الواتس اب) فقد تسبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا.. كل ذلك بأسباب الخيانة الزوجية، التي لا يقبلها الإنسان في أي مكان، يدين بأي دين، ما دام سويا.
ومن أبرز ما استجد في قضية (الطلاق) هو التبكير به، حتى أصبح عدد الطلاق قبل الدخول (6355) في الأردن أكثر منه بعد الدخول (6283).
ليس هذا غريبا إذا علمنا بأن استخدام النت أصبح شبحا يجول في البيوت فيفرق بين الزوجين وهما على فراشهما، وبين الآباء والأولاد وهم في صالة المعيشة، بل أصبح يحرم البيت من طعم البيت، والأسرة من نكهة الأسرة، مصاب الناس اليوم في علاقاتهم زلزال اجتماعي رهيب سيخلف الدمار والأمراض والتفكك والأخلاقيات الرديئة، ولن يتأثر شيء مثل الأمن والرزق.
إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تسببت في وقوع الطلاق في الكويت بنسبة 33%؛ بحسب إدارة التوثيق الشرعي في وزارة العدل الكويتية، فهو مؤشر على كل دول الخليج التي تعيش الظروف والتنوع السكاني نفسه، والوفرة المالية التي أتاحت الهاتف المحمول للصغير مثل الكبير، والفقير مثل الأمير، في مثال حي للتباهي والتمظهر الاجتماعي القاتل، حتى أصبح استخدام النت في السعودية من خلال أجهزة الجوال قرابة 70%، أي أن الخصوصية ممنوحة كاملة للتعامل مع طرف ثالث خارج الأسرة؛ في حالات مشبوهة.
أكدت الدارسة وفاء العجمي في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام في دراسة لها، أن وسائل التواصل أدت إلى انحرافات، وخيانات، ومشكلات، وطلاق، وأي شيء بعد الطلاق يمكن أن يحدث للأسرة؛ حيث تنفتح كل الثغرات، وتضيع الجواهر الوادعة من أيدي الحفيين بها، وهناك في الإصلاحيات يودع 60-80% من أحداثها من تلك البيوت المفككة، كما دلت دراسات عديدة.
الحياة الزوجية ميثاق غليظ، لا يصح أن يعرض للقطع أو التلف، بل ينبغي صيانته على الدوام حتى يبقى حبل نجاة موصولا، ووسائل التواصل تشغل الزوج عن زوجته، فتقلل من القدر الكافي للاشباع العاطفي، فكيف إذا انشغل عنها بخليلة خائنة، وزين لهما الشيطان ما كانا يعملان، فاستلذا بالحرام حتى فقدا لذة المباح، لا تسل بعد ذلك عن الحرقة التي تأكل قلب زوجة طاهرة، يحبسها وضعها وظرفها في مكب نفايات، لا تستطيع أن تخرج منه خوفا على نفسها وأولادها أن تضيع ويضيعوا.
الجميع مشغول بهذه الضغوط المربكة، «يخربون بيوتهم بأيديهم»، التي زاد منها إدمان مشاهدة الأوضاع المخلة، حتى أثرت تأثيرا خطيرا على القدرات الجنسية، والعلاقات العاطفية داخل عش الزوجية، العش الذي بات مهددا من الداخل، بعد أن كان مهددا من الخارج بتدخلات غير حسنة ونحو ذلك، فالطلاق العاطفي خيار بات مطروحا بين زوجين رأيا أن الحياة الطبيعية بينهما قد استحالت، بسبب العلاقات المشبوهة، فيقبلان أن يعيشا في بيت واحد، تحت سقف الزوجية، ولكن دون أي تواصل يذكر..
والصمت الزواجي تحول إلى ظاهرة، حيث يدخل هذا الثقبَ الكدر كل من الزوجين؛ هروبا من الحوار غير الناجح بينهما، بينما كان الحوار جسرا يمكن عبوره ولو بمشقة، كل ذلك ولّد فقدا يشبه فقد الميت..
(وأشد ما يلقى المحب من الضنى
قرب الحبيب وما إليه سبيل).
ماذا تقول لامرأة تكتشف أن زوجها شاذ؟ وبماذا تجيب شابا للتو تزوج، ويفتح هاتف عروسه فيجد فيه تاريخا أسودَ من العلاقات الخربة؟
إن كثيرا من التصرفات الخاطئة التي يقع فيها الزوجان هي بسبب ضعف مستوى معرفة الأحكام الشرعية، ويمكن أن نقول: (التقوى)، وعدم الإحساس بالمسؤولية، وضعف التربية في مرحلة ما قبل الزواج، وانعدام التثقيف بالمواطنة الرقمية، وواجباتها، واحترازاتها.
إننا نسلم الجوال بيد طفل أو شاب في مرحلة المراهقة دون أدنى اشتراطات، ولا حتى وصايا ومحاذير، فضلا عن أن يكون هناك حدود ومعايير للعمر والنضج؛ حتى يستخدمه بأمان، فلا يؤذي نفسه ولا يؤذي غيره.

المصدر : جريدة اليوم - 2 نوفمبر 2016م