كيف سنواجه شبح البطالة؟
عبد الحميد العمري - جريدة الأقتصادية
نواجه جميعا خلال المرحلة الراهنة، تحديات تنموية جسيمة وزنا وكما وعددا، وتزداد أعباؤها في وقت يمر خلاله الاقتصاد الوطني بحقبة زمنية غير مواتية من عدة جوانب، يعد انخفاض سعر النفط مصدر صداعها الرئيس، ويزيد من صعوبة مواجهة تلك التحديات، الضرورة القصوى لاتخاذ تدابير معالجة وإصلاح لا بد من القيام بها لكثير من التشوهات الهيكلية، تلك التشوهات التي طالما نشدنا القيام بها في مراحل سابقة إبان الرخاء المالي والاقتصادي، ليكون وقعها أقل مرارة مما نعانيه في المرحلة الراهنة.
لم يعد غائبا عن أذهان الجميع ماهية تلك التحديات التنموية (بطالة، إسكان، ارتفاع القروض، محدودية الدخل، تضخم تكلفة المعيشة، فساد.. إلخ)، ووصول الجميع أيضا إلى قناعة شبه تامة للاعتراف صراحة بوجودها، وضرورة معالجتها مهما كلف الثمن، على العكس تماما مقارنة بمرحلة زمنية سابقة لسنا عنها ببعيدين؛ حينما كانت أسعار النفط تسبح فوق المائة دولار، حينما كانت تلك التحديات محل شد وجذب بين فريقين: الفريق الأول الذي كان يراها بوضوح تام على حقيقتها الدامغة دون تزييف، ويأمل التحرك فورا نحو الاعتراف بها ومعالجتها وإصلاحها! والفريق الآخر الذي يصح تسميته بالفريق الحالم، صاحب نظرة “رؤية الجانب المليء من الكأس”، رافضا حتى فكرة الاعتراف بتلك التشوهات وأخطارها المختلفة، تراه اليوم وقد تحطمت على رأسه الكأس كاملة، الجزء المملوء منها قبل الفارغ! لقد اختفت إلى حد بعيد جدا كل تلك الاختلافات بين الفريقين، وأصبح الجميع في خندق واحد يواجهون التحديات الجسيمة نفسها على وجهها الحقيقي، دون أي نكهات إضافية!
لعل من أكبر التحديات التي نواجهها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل القريب، ما هو متمثل في البطالة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص بين شرائح الشباب الطرف الأكثر سخونة. إنها تمثل التحدي التنموي الكبير الجاثم على صدر اقتصادنا الوطني منذ عصر النفط المرتفع، الذي لم يشفع لنا ارتفاعه بشروى نقير، فما بالك ونحن نسير في المرحلة الراهنة تحت سقف 50 دولارا للبرميل، ومن يعلم فقد يذهب إلى أدنى من ذلك خلال الأعوام المقبلة؟!
كنا نعول كثيرا على القطاع الخاص فيما مضى، ليتولى زمام المبادرة في استيعاب أغلب الباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات، ويزداد الاعتماد عليه في الوقت الراهن ومستقبلا، لتعظيم دوره التنموي أكثر مما مضى، دون النظر بجدية كافية إلى ما يواجهه القطاع الآن ومستقبلا من تعثرات وصعوبات بالغة التعقيد، بدأت نتائجها في الظهور المبكر بعد انخفاض أسعار النفط، أكدتها مؤشرات أداء القطاع الخاص خلال الفترة الأخيرة، حينما تباطأ معدل نموه سنويا إلى 0.07 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بمعدلات نموه السابقة بين 7.0 في المائة و 13.1 في المائة طوال الفترة 2004-2013.
ورغم بعض النجاح الذي حققه بتوظيف أكثر من مليون مواطن ومواطنة خلال الفترة 2011-2015، إلا أن تورطه في وحل التوطين الوهمي أولا، وثانيا في زيادة توظيفه العمالة الوافدة للفترة نفسها بثلاثة أضعاف المواطنين، كأنما أبقى الوضع على ما هو عليه، دليل ذلك أن معدل البطالة في الوقت الراهن هو المعدل ذاته قبل تطبيق برامج التوطين الراهنة! حدث كل ذلك في زمن نفط تفوق أسعاره 100 دولار. واليوم يخضع الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، لمسار مرحلي فقد الداعم الأكبر له ممثلا في النفط أكثر من نصف سعره.
اشترط صندوق النقد الدولي في التقريرين الأخيرين 2015 و2016 عن الاقتصاد السعودي، كي يقوم القطاع الخاص بدوره تجاه التوظيف “التوطين” ألا يقل معدل نموه السنوي عن 7 في المائة! فكيف به اليوم وهو يكابد تحديات المرحلة الراهنة بمعدل نمو سنوي بالكاد تجاوز 1 في المائة من معدل النمو السنوي المشروط؟! الأمر هنا؛ لا علاقة له من قريب أو بعيد بالتشاؤم أو التفاؤل، بقدر ما أنه منصب بالكامل في صلب قدرة القطاع الخاص من عدمها، وضرورة العمل ضمن المشروع الاستراتيجي لـ”رؤية المملكة 2030″ على كيفية دعم وتعزيز تلك القدرة، التي قد تقتضي نوعا من اتخاذ التدابير والإجراءات البديلة “خطة ب”، وصولا إلى إنعاش القطاع الخاص وإعادة تأهيله، قبل أن تلقى على كاهله كل الآمال والطموحات والتوقعات، التي قد تكون مفرطة جدا في نظرتها إليه، فالمراد والمأمول منه في الوقت الراهن يعد ثقيل الوزن بالمقاييس كافة؛ حيث ينتظر منه تحقيق النمو، وإنجاح عمليات التخصيص، وتنويع قاعدة الإنتاج، وتوظيف مئات الآلاف من الباحثين عن فرص عمل، وتحمل أعباء تمويل الإيرادات غير النفطية عبر عديد من قنوات الرسوم والضرائب، إلى آخر سلسلة المتطلبات على كاهله! أنى له بكل ذلك في ظل الظروف غير المواتية اقتصاديا وماليا؟ إن فشل القطاع الخاص، لا قدر الله، أو تأخره عن الوفاء ببعض أو أغلب تلك التطلعات، يعني في الحقيقة نتائج وخيمة وسلبية، يجب أخذها بعين الاعتبار منذ اللحظة! ولست هنا بصدد حصرها وتعدادها، إلا أنه يكفي القول اختصارا؛ إن المحصلة النهائية لتلك النتائج الواجب الحذر منها الآن، تعني أن جزءا كبيرا من أهداف “الرؤية الشاملة لبلادنا 2030″، سيصبح مهددا إلى حد بعيد كمحصلة لما أتحدث عنه هنا، وهذا وحده سبب كاف جدا لأن يتم اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية، تستهدف عمليا وبشكل عاجل النهوض بقدرة القطاع الخاص ومنشآته كافة، ليكون مؤهلا فعليا للقيام بالأدوار والمسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقه، لعل من أهم ملفاتها في المرحلة الراهنة ما يتعلق بردم هوة البطالة، وتحسين مستويات دخل المواطنين والمواطنات العاملين فيه، ودرء مخاطر إنهاء عقود عمل العمالة الوطنية، نتيجة تقلص أرباح منشآت القطاع الخاص، ولجوئه قسرا إما إلى خفض أعداد العمالة لديه، وإما الخيار الأسوأ بالتوقف عن ممارسة النشاط والخروج من بيئة الأعمال. والله ولي التوفيق.
المصدر : جريدة الأقتصادية - 9 نوفمبر 2016م