عدد القراءات: 4867

حائل: بندر العمار

لطالما أثار حكم الإعدام حفيظة المنظمات الحقوقية في العالم ولطالما أشارت بأصابع الاتهام إلى السعودية دون معرفتهم أو علمهم بأن ذلك الحكم لا يتم إلا بعد مروره على ثلاثة عشر قاضيا وفي كافة درجات التقاضي وكما قال أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء (لا أظن هذا التحرز موجود في أي محكمة خارج المملكة، ومن عنده فضل علم فليدلنا عليه).

“الوطن” حاولت اقتحام مشاعر القضاة قبل وبعد الأحكام بالموت وكشفت عن انعكاسات تلك الأحكام على حياتهم الطبيعية بين أطفالهم ونسائهم وما مدى نظرة الأبناء والبنات لآبائهم القضاة وصفة القتل والصلح والشفاعة ووصية القاتل والمحاماة لنسلط الضوء ونبين حقائق قضائنا ومدى تحرزهم.

قال القاضي بمحكمة حائل العامة الشيخ عيسى بن عبدالله المطرودي واصفا مشاعر القضاة قبل الحكم وبعده: إن القاضي يرجو الإصابة للحق ويخشى الخطأ وعزاؤه أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.

وأضاف أن القاضي يكون في قلبه رحمة للمحكوم عليه ورحمة للمجتمع فيجتهد للعدل وفق القواعد الشرعية والقاضي لا يحكم مشاعره في الأحكام إنما يحكم شرع الله حسب اجتهاده.

وعن مدى تأثير الأحكام على حياة القاضي في بيته وتعامله مع أطفاله وزوجه أكد المطرودي أن بعض القضايا قد تؤثر على القاضي فهو بشر، والأثر فرحاً أو حزناً يصعب تركه في مكان أو تخصيصه في زمان دون آخر.

وعن نظرة أبناء القاضي وزوجه إليه بعدما يعلمون أن أباهم هو من حكم بقتل مجرم ما, أوضح المطرودي أن المؤمن يشارك أخاه مشاعره فكيف بالأب والزوج لأن الرسول شبه المسلمين بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

طرق القتل وتشابه القضايا

وعن صفة القتل ورأي القضاة بالقتل شنقا أو الرمي بالرصاص أو غيره من طرق القتل أوضح المطرودي أن القتل قد يكون حدا أو قصاصا أو تعزيرا ومما ذكره الفقهاء أن من قتل بشيء قتل بمثله إن أمكن مؤكدا أن حكم القتل لا يتم إلا من قبل ثلاثة قضاة في المحكمة العامة ثم مصادقة خمسة قضاة في محكمة التمييز ثم خمسة في المحكمة العليا أي لا يتم إلا بعد مروره على ثلاثة عشر قاضيا ومروره بجميع درجات التقاضي وعن تأخر بعض القضايا عن أخرى على الرغم من تشابه القضايا بين المطرودي أن التأخير يرجع إلى نوع القضية وإلى ما يقدمه الخصوم من بينات ودفوع وقد تكون البينة خارج المنطقة فيتم الاستخلاف وكذا طلب الإمهال من الخصوم أو لكثرة القضايا مع قلة القضاة, والتشابه الذي يعتقده البعض قد لا يكون حقيقيا لأن من ينظر من بعد أو يسمع من طرف ليس كمن يسمع من الأطراف جميعا.

وعن آلية تصديق الاعترافات بالقتل أوضح المطرودي أن الإقرار بالقتل يصدق من قبل ثلاثة من القضاة ويناقشون المقر لمعرفة أهليته وعدم إجباره والتقاضي يحكمه نظام المرافعات والإجراءات الجزائية.

“والصلح خير”

وأوضح المطرودي أن الصلح مشروع لقوله تعالى (والصلح خير) “النساء 128” بل نص الله على الصلح في القتل بقوله سبحانه وتعالى (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات 9. وأضاف المطرودي أن صفات الساعي بالإصلاح ثلاث أولها الإخلاص لله وتحري العدل والثانية معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالصلح لأن الجاهل قد يصلح على ما حرم الله وثالثها المعرفة بالوقائع والآثار المترتبة على الصلح لأن العفو والصلح في الأصل فيه الخير إلا أنه لكل قاعدة شواذ ففي بعض الحالات العفو والصلح لا يخدم فعلى المصلح أن يتحرى فإذا رأى أن الصلح لا يضر بالمصلحة العامة فعليه السعي للإصلاح وإن ظهر أن إنفاذ الحكم فيه مصلحة أكثر من الصلح فإن عدم الصلح أولى كمن يغلب على الظن أنه لو عفي عنه لقتل آخر، أو أن العفو سيفضي لشر كالاقتتال بين جماعتين أو فساد القاتل وعدم توبته ونحو ذلك والقصاص ما شرع إلا لحكمة.

وبيٌن المطرودي أن الصلح لا يكون إلا في حقوق العباد دون حقوق الله كالحدود لأنها لو عطلت الحدود لفسد المجتمع.

وعن جواز العفو في القصاص قال المطرودي ذكر الفقهاء أنه يجوز العفو على أكثر من الدية ولكن الأفضل هو العفو لوجه الله مع مراعاة المصلحة في ذلك.

القتل تعزيرا والقتل حدا

وقال القاضي في محكمة الأحساء العامة القاضي عبدالرحمن بن عبدالعزيز القاسم إنه ليس هناك فرق أثناء تنفيذ الحكم بالقتل بين القتل التعزيري والقتل حداً فصفة التنفيذ واحدة. وأوضح القاسم أن الفرق بينهما يكمن في مبنى الحكم وتوصيفه ولا علاقة له بالتنفيذ، فالجريمة إذا كان لها عقوبة مقدرة في الشرع بالقتل فيسمى القتل حداً وذلك كالمحارب الذي يقطع الطريق ويقتل الناس فعقوبته المقدرة هي القتل ويكون هذا القتل حدا، وأما إذا كانت الجريمة ليس لها عقوبة مقدرة في الشرع فالعقوبة التي تصدر ضد الجاني في هذه الحالة تسمى التعزير، والتعزير يختلف تقديره بحسب الجريمة وشناعتها وظروف ارتكابها وخطورتها في المجتمع وحال الجاني، وقد تصل العقوبة في بعض القضايا التعزيرية إلى القتل، ويسمى في هذه الحالة تعزيراً. وعن وجود نص في الحكم على صفة معينة في طريقة القتل أوضح القاسم أنه لا يمكن إعطاء وصف موحد للأحكام الصادرة بالقتل، وأن هذا يعود لظروف كل قضية وملابساتها وتقدير المحكمة للعقوبة المناسبة لكل جناية، فقد ترى المحكمة وصف الطريقة التي يقتل بها الجاني وقد ترى ترك ذلك لأمر ظهر لها أثناء المرافعة.

وصية القاتل والشفاعة ووفاة القاتل في السجن

وعن أخذ وصية القاتل قبل ساعة من تنفيذ حكم القتل فيه ولماذا لا يتم أخذها من قبل القاضي قبل عدة أيام حتى يكون في حالة ثبات أكثر يستطيع من خلالها التقرير بالوصية بشكلٍ أكثر ارتياحاً واطمئناناً أوضح القاسم أن مسألة توقيت صدور الوصية وطلب توثيقها أمر يعود في النهاية إلى الموصي نفسه وله الحق في توثيقها متى أراد، وعلى سبيل الخصوص الشخص المحكوم عليه بالقتل له الحق في توثيق الإقرار في أي وقت يشاء، ولا يشترط أن يكون في وقت بعينه، ومتى أراد الشخص المحكوم عليه بالقتل توثيق وصيته فإن له التقدم إلى إدارة السجن بطلب الشخوص إلى المحكمة المختصة لتسجيل الوصية ولن يجد إلا كل تعاون في هذا الجانب، ولا شك أنه كلما كان توثيق الوصية في وقت مبكر أمكن للموصي إعادة النظر فيها ومراجعتها وتعديلها كلما شاء، بخلاف ما إذا تراخى في تسجيلها إلى وقت قد لا يستطيع معه التأمل والمراجعة.

وعن دور الشفاعة في تأخير التنفيذ أوضح القاسم أن الشفاعة لدى أولياء الدم بطلب تنازلهم عن القصاص أمر محمود شرعاً وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى في الصلح بين الناس في الدماء وغيرها، ولكن هذه الشفاعة ليس لها أي دور في تأخر تنفيذ الحكم، لأن الحكم إذا صدر واستكمل الإجراءات النظامية وصار قابلاً للتنفيذ لم يعد هناك أي وسيلة لتأخير تنفيذه إلا بموافقة أولياء الدم.

وعن وفاة القاتل في السجن قبل تنفيذ الحكم فيه ذكر القاسم أنه إذا توفي الجاني في السجن فقد انتهى الحكم بالقتل، فالوفاة من الأشياء التي تنقضي بها الدعوى العامة الجزائية كما نصت على ذلك المادة الثالثة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية، على أن هذا الانقضاء في الحق العام لا يمنع من الاستمرار في نظر الحق الخاص في مواجهة ورثة المتوفى لو شاؤوا ذلك.

آلية التمييز

وبين القاسم الآلية التي يتم بها رفع الحكم إلى محكمة التمييز ومن ثم إلى مجلس القضاء الأعلى سابقاً والمحكمة العليا حالياً تنفيذاً للمادة الحادية عشرة من نظام الإجراءات الجزائية التي نصت على أن “الأحكام المصادق عليها من محكمة التمييز الصادرة بالقتل، أو الرجم، أو القطع، أو القصاص فيما دون النفس لا تكون نهائية إلا بعد تصديقها من مجلس القضاء الأعلى منعقداً بهيئته الدائمة” فبعد أن يصدر الحكم بالقتل يتم عرضه على المحكوم عليه لأخذ قناعته من عدمها وله أن يقرر القناعة، فإن اعترض يتم تسليمه نسخة من الحكم لتقديم اعتراضه عليه خلال مهلة حددها النظام بثلاثين يوماً فإن قدم الاعتراض خلال المدة المحددة تتم دراسته من قبل القضاة الذين أصدروا الحكم فإن ظهر لهم ما يوجب إعادة المرافعة يتم ذلك، وأما إذا بقيت المحكمة على حكم القتل فيتم ضم الاعتراض إلى ملف القضية ثم يرفع الحكم مع كامل ملف القضية إلى محكمة التمييز ومن بعدها إلى المحكمة العليا فإذا تم تأييد الحكم من هاتين المحكمتين صار الحكم مكتسباً للقطعية.

القضاء والمحاماة في قضايا القتل

وعن خصوصية قضايا القصاص من ناحية منع المحامين من المرافعة، أو أن القاتل يمكنه توكيل محامٍ يتولى الدفاع عنه، بين القاسم أن المادة الرابعة من نظام الإجراءات الجزائية نصت على أن “لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محامٍ للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق أو المحاكمة” على أن ذلك لا يمنع من استجواب المتهم بنفسه إذا اقتضى نظر القضية ذلك هذا في عموم القضايا الجزائية، أما في القضايا الجزائية الكبيرة فلابد من حضور المتهم شخصياً ولو كان له وكيل أو محام، و في كل الأحوال لا يصدر الحكم في القضايا الجزائية إلا بحضور أطراف الدعوى بناءً على المادة الثانية والثمانين من ذات النظام.

تعامل القضاة مع المحامين

وقال المحامي عمرو الرافعي إن قضايا القتل سواء بالحد أو التعزير تعتبر من القضايا التي تتميز بقدر عال من الحرص والاهتمام من كافة الجهات الجنائية والقضائية لأنها تتعلق بمصير حياة نفس بشرية قد يكون الأصل فيها البراءة, فلا يمكن بأي حال من الأحوال التهاون فيها, فإجراءات هذه القضايا تكون دقيقة جداً منذ وقت التبليغ عن الجريمة, حيث يبدأ التحقيق مع المتهم من قبل أفراد الضبط الجنائي كتحقيق أولي.

وأضاف الرافعي يتم تحويل المتهم إلى دائرة النفس بهيئة التحقيق والإدعاء العام لإعادة التحقيق معه من جديد وجمع الأدلة بشكل أوسع والتي قد تكون غائبة في التحقيق الأول, ثم ينتقل بعدها للمحكمة العامة للمصادقة على أقواله شرعاً في حال إقراره بالجريمة.

وأضاف الرافعي: يتم الترافع أمام المحكمة العامة بوجود محام أو وكيل شرعي استنادا إلى نص المادة الأربعين بعد المئة في نظام الإجراءات الجزائية الذي أعطى الحق للمتهم الاستعانة بأهل الرأي والاختصاص: (يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه) ويتم النظر في جلسات قضايا القتل بحضور ثلاثة قضاة لا يمكن تخلف أحد منهم في أي جلسة من جلسات الترافع.

وقال الرافعي: إن عدد القضاة كبير جداً في نظر هذا النوع من القضايا سواء كان في المحكمة العامة أو محكمة التمييز أو مجلس القضاء الأعلى, والذي يبين مدى الحرص في سماع أكبر عدد من الآراء المختلفة قبل الإقرار على عقوبة القتل.

وذكر الرافعي أن نظام الإجراءات الجزائية عامل رئيسي في مساعدة المتهمين لتقديم الأدلة والإثباتات التي تساهم في الدفاع عن أنفسهم بكل حرية, لأن تغليب حسن الظن وبراءة المتهم هي الأصل في نظر هذا النوع من القضايا.

ومن حيث تعامل القضاة مع المحامين الموكل لهم الترافع في مثل هذه القضايا, أوضح الرافعي أنهم وجدوا تعاملا راقياً بعيداً كل البعد عن التشخيص في القضية, لأن المحامي يساهم في إظهار بعض الأدلة التي قد يعجز فيها المتهم عن إظهارها سواء كانت بعوامل مؤثرة عليه حالت دون إظهارها أثناء التحقيق, أو بعض الضغوطات التي قد مورست ضده قبل إحالتها للمحكمة وقد تكون هذه الأدلة طريقاً مؤدياً لبراءته.

مبينا أن القضاة في حاجة لسماع الرأي الآخر لأن اختلاف المؤثرات والأدلة والبراهين يساهم في تشكيل أحكام هذه القضايا خصوصا أن القضاة يتميزون بأنهم يجيدون التعامل مع النوازل والقضايا التي يشهدها تطور المجتمع من حيث ارتكاب الجرائم والقصد الجنائي من ورائها فنجد أن هنالك توسيعاً مستمراً ومتجدداً في الأحكام القضائية من خلال الاستنباط لهذه الوقائع.

وأوضح الرافعي أن اختلاف الفقهاء منذ القدم في الواقعة الواحدة لهو دليل على أن الحقيقة تؤخذ لأكثر من طريق مع عدم الإخلال بالتواصل مع الواقع التاريخي القديم لبعض الوقائع التي حدثت وتشكلت في عصور سابقة ولذا نجد أن خصائص المنظومة القضائية في المملكة العربية السعودية تقوم على أسس شرعية ونظامية دقيقة جداً لتكون انسجاما في العناصر المؤدية للحكم.

رحماء بين الناس

وقال المحكوم عليه بالإعدام سابقا ( س. ل) والذي تم العفو عنه بعد دفعهم دية لأهل القتيل إنه لا يريد أن يتحدث عن فترة القتل والسجن لندمه الكبير عليها إنما يريد التطرق فقط لموقف القاضي الذي كان له الفضل الكبير بعد الله بتخليص إجراءاته بعد العفو.

وأوضح أن القاضي كان كأنه هو المحكوم عليه بالقصاص نظرا لاهتمامه الكبير ومساعيه لجمع الدية وحض أهل الخير على التبرع لإنقاذه. وأضاف أن القاضي وعلى الرغم من أنه من ضمن القضاة الذين حكموا عليه بالقصاص إلا أن رحمته تجلت في موضوع العفو عني، ولسان الشكر عاجز عن شكره.

القضاء الأكاديمي

وقال أستاذ الفقه المساعد بالمعهد العالي للقضاء الدكتور يوسف بن أحمد القاسم إن القاضي يتم اختياره حسب مواصفات معينة, تتفق مع عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه, وقد ذكر الفقهاء قديما العديد من الصفات التي يجب توفرها في القاضي, ومازالت هذه الصفات مرعية إلى اليوم بحسب المتاح منها, ومن أبرز هذه الصفات: صفة العلم بالأحكام الشرعية, وصفة العدالة حتى لا يجور في حكمه, فيظلم في قضائه…, وهاتان الصفتان هما قوام الشخصية القضائية (العلم حتى لا يقع في الجهل, والعدالة حتى لا يقع في الظلم) ثم تأتي الصفات الأخرى كالخلق الكريم مثلا حتى لا يكون غضوبا فيشتط به غضبه, أو مستكبراً فيحتقر من حوله من الخصوم…إلخ.. وبعض الصفات الإيجابية أو السلبية لا تتضح ولا تنكشف إلا بعد ممارسة القاضي للقضاء, وهذا أمر طبيعي.

وأضاف القاسم إذن لا توجد ابتداء مواصفات خاصة بمن يختار لقضايا القتل, بحيث تختلف مواصفاته عمن يختار لقضايا المال مثلا، إلا أن الجهات القضائية العليا تراعي عند وضع القاضي في محكمة جزئية أو عامة أو ضمان وأنكحة أو غيرها في بعض الأحيان ما كتب عن القاضي من تقارير التفتيش الدورية، بحيث إذا كانت التقارير سالبة, أو لوحظ عليه في التمييز كثيرا, بحيث زادت الملحوظات عن الحد المألوف، فإنه يحال إلى محكمة أخف درجة من حيث طبيعة القضايا المعروضة، أو يحال إلى عمل إداري، وربما يعفى من عمله أحيانا علماً بأن قضايا القتل تختص بها اليوم المحاكم العامة وبالتالي لا يقضي فيها إلا قضاة هذه المحاكم.

وقال القاسم: يتحوط قضاؤنا في المملكة في هذه القضايا أكثر من غيرها, ولهذا تنظر قضايا القتل من مجموع ثلاثة قضاة, ثم تميز من قبل خمسة قضاة تمييز, ثم يصدق الحكم من قبل خمسة من قضاة الهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى, وأخيرا يصدر قرار ولي الأمر بتنفيذ ما تقرر شرعا, إذن.. قضايا القتل عندنا لها خصوصية بالغة, ويؤخذ فيها بكامل أدوات الحيطة, وتمر أحكام القتل على ثلاثة عشر قاضيا, وفي نظام القضاء الجديد سيكون للقضايا الجزائية محكمة خاصة به.. أما فيما يخص إعداد القضاة في المعهد العالي للقضاء للتعامل مع أحكام القتل فقال القاسم إن المعهد العالي للقضاء جهة أكاديمية متخصصة في مجال القضاء, وليس عيادة للطب النفسي, وبالتالي فإن المعهد يعنى بتخريج القضاة في مرحلة الماجستير والدكتوراه, وأعتقد أن وجود حصانة دينية وعلمية لدى القاضي كافية في مواجهة مثل هذه الضغوط النفسية, علما بأن عامل الزمن وتكرار الممارسة كفيل بتوطين النفس لمثل هذه القضايا, ولا ريب أن النفس – بحكم طبيعتها البشرية – لابد وأن تتأثر بمثل هذا النوع من القضايا, لكن هذا واقع يحس به كل من عايش هذه الجريمة منذ وقوعها وحتى تنفيذ الحكم بالقتل, بدأ بالأدلة الجنائية التي تتتبع أثر الجريمة وتبحث عن القاتل الحقيقي, ومرورا بالشرط وهيئات التحقيق والمحاكم الشرعية ووصولا إلى منفذ الحكم بالإعدام, فهؤلاء كلهم يعيشون جوا نفسياً معينا تأقلموا عليه بحكم الممارسة، وكثيرا ما يكون للخبرة والممارسة والمخالطة دور في التهيؤ لمثل هذه المواقف أكثر من الأدوار التي قد يهيئها 100 درس في الطب النفسي, وحسب علمي فإن أعضاء الأدلة الجنائية والشرط والمحققين ونحوهم ممن يعيش قصص القتل يوميا لم يتلقوا دروسا لمواجهة الضغوط النفسية, ولا أعتقد أنهم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الدروس, ما نحتاجه فقط هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

وفيما يخص أخطاء القاضي أوضح القاسم, أن الخطأ وارد, لكنه ما دام غير مقصود فهو غير محاسب على خطئه بل له أجر على اجتهاده, ومن طبيعة البشر الخطأ, ولهذا جاء في الحديث الصحيح(إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران “يعني أجر الإصابة وأجر الاجتهاد” وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”أي أجر الاجتهاد فقط”) وأما تكليف القاضي بألا يخطئ أبدا فهو تكليف بما لا يطاق, ولمعالجة موضوع الخطأ معالجة حاسمة نظم قضاؤنا في المملكة عملية إصدار الحكم في مثل هذه القضايا, بحيث لا ينفذ الحكم بالقتل إلا بعد نظر القضية من ثلاثة عشر قاضيا, وهذا يضيق دائرة الخطأ إلى أقصى درجة ممكنة، ولا أظن هذا التحرز موجود في أي محكمة خارج المملكة, ومن عنده فضل علم فليدلنا عليه.

المصدر: جريدة الوطن 4 شعبان 1430 الموافق 26 يوليو 2009 م .