عدد القراءات: 1786

«من هو الطفل .. هل هو من دون البلوغ أم من دون الرشد؟!» هذا هو السؤال العريض الذي اشتعل نقاشا وجدالا تحت قبة الشورى بين 150 عضوا في جلسات متتالية الشهر الماضي، وهنا يطرح السؤال مرة أخرى من هو الطفل؟! هل هو كل من لم يبلغ سن 18 عاما كما تطالب الجهات الحقوقية؟! أم كل من لم يبلغ سن 15 عاما كما يرى بعض الشرعيين؟! وهل يتحدد سن الطفولة بالبلوغ أم بسن الرشد؟!

ولعل أهمية الإجابة على هذه الأسئلة أصبحت حاجة ملحة في ظل توقيع ومصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل عام 1996م والتي حددت سن الطفولة بثمانية عشر عاما، علما بأن هذا العمر غير معتمد في المحاكم في المملكة نظرا لأخذها بسن البلوغ والذي يبلغ اقصاه الخامسة عشرة فيما يتعلق بالحدود والقصاص، كما أن هناك ضبابية في التعاطي مع هذا العمر في باقي دوائر الدولة.

فالمسألة ليست بتلك البساطة لأن تحديد العمر الحقيقي للأطفال يتعلق بنصف سكان المملكة العربية السعودية فلو نظرنا لآخر الإحصائيات لوجدنا أن 65% من سكان المملكة دون سن 20 عاما، وهذا يعني أن 50% منهم دون سن 18 إذا افترضنا أن 15% منهم تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 20 عاما، وفي المجمل فإن قرابة 13 مليونا هم دون سن 18 عاما ممن ينبطق عليهم تعريف اتفاقية حقوق الطفل، وكذلك تعريف الدولة الذي طابق عليه مجلس الشورى قبل عامين.

من هو الطفل؟! عاد للجدل مجددا في مجلس الشورى عندما طرح ملف نظام حماية حقوق الطفل لمناقشته بعد أن نجح المجلس بشق الأنفس قبل عامين في إقرار رفع سقف الطفولة حتى سن 18 عاما، بالرغم من محاولات رئيس وأعضاء لجنة الشؤون الإسلامية بالمجلس حينها بالإبقاء على علامات البلوغ البيولوجية «كخشونة الصوت وظهور شعر العانة وخلافه» أو سن 15 عاما كحد أعلى لتكليف الصغير وإيقاع الحدود الشرعية عليه وإمكانية تعزيره، وأيد في ذلك الوقت 93 عضوا شوريا رأي هيئة الخبراء باعتماد تعريف الطفل على أساس يصل حتى 18 عاما، مخالفين بذلك مطالب لجنة الشؤون الإسلامية، التي ترى خلاف ذلك.

وجاء التأييد داخل مجلس الشورى، لاعتبار أن مسألة تحديد سن 15 عاما أو علامات البلوغ كحد لتكليف الصغير من المسائل الاجتهادية الخلافية بين الفقهاء، حيث أن منهم من أخذ بعلامات البلوغ من بينهم الشافعية والحنابلة والمالكية، ومن الفقهاء من لم يلتفت إلى هذه العلامات وقرر حدا عمريا للتكليف، ومنهم أبو حنيفة الذي حدد التكليف بسن 18 عاما، أما ابن حزم فذهب إلى اعتبار سن التكليف 19 عاما.

والمفارقة هنا في أن تحديد عمر الطفولة كانت أول وجوه المخالفة بين الأنظمة السعودية ومواد الاتفاقية حيث حددت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل بقولها «لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه»، ووفقا لهذه المادة فإن كل من لم يبلغ سن الثامنة عشرة يعتبر طفلا وتسري عليه أحكام الاتفاقية وما تقضي به من حقوق، أما إذا كانت أنظمة الدولة تحدد سن الرشد بأقل من ذلك، كسبعة عشر مثلا، فيكون طفلا وتسري أحكام الاتفاقية على من لم يبلغ هذا السن، والمشكلة التي تثيرها هذه المادة هو عدم وجود سن محددة كسن للرشد في المملكة بشكل عام، ففيما يتعلق بالتجارة والتعامل مع البنوك فالعبرة بسن الثامنة عشرة، ولا توجد سن محددة لأهلية الزواج، وتوجد سن ثالثة للعمل كموظف عام، حددته المادة الرابعة من نظام الخدمة المدنية بسبعة عشر عاما، وفيما يتعلق بسن الأهلية أو بمعنى أدق سن المسؤولية الجنائية التي تخص الجرائم والعقوبات التي تصدر عن الحدث، فالمسألة قائمة بسن الخامسة عشرة، وهو وضع معوق لتنفيذ الاتفاقية في المجال الداخلي، فلا نعلم بدقة على أي شريحة تنطبق الاتفاقية في المملكة وهنا ينقسم المعنيون بالأمر إلى فريقين فريق يطالب بالأخذ بما حددته المادة الأولى من الاتفاقية ذاتها وهو سن 18 عاما وتعميمه على كل الحالات السابقة، على اعتبار أن القوانين الوطنية لم تحدد سنا آخر من جهة، وعلى أساس رفع سقف الطفولة من قبل مجلس الشورى لـ18 عاما سابقا، وكذلك ما حددته المادة الأولى فقرة (ج) من اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية التي حددت سن الرشد بتمام الثامنة عشرة من العمر، وهو ما أقرته أيضا المادة 41 من نظام الإقامة، إذ اعتبرت القاصر هو من لم يبلغ الثامنة عشرة، وكذلك استندوا إلى أن المادة 22 من ميثاق حقوق الطفل في الإسلام، الذي صدر عن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، وهي إحدى لجان المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة والذي صادقت عليه المملكة عام 2003 أبقت الباب مفتوحا، إذ لم تحدد عمرا معينا للطفل، وإنما أرجعته للقانون المتبع في كل دولة إسلامية.

مخالفة الشريعة

أما الفريق الآخر فيرى أن الاتفاقية في بند العمر تخالف الشريعة الإسلامية لأن الإسلام حدد بداية مسؤولية الإنسان بالبلوغ ومن ضمن هذه المسؤوليات التي وقعت على عاتقه المسؤولية الجنائية، وهذه المسؤولية تقوم في الشريعة الإسلامية على عنصرين أساسيين هما: الإدراك والاختيار، وتختلف الأحكام حسب اكتمال هذين العنصرين؛ لذا فإن مرحلة -الطفولة الدولية- في الإسلام تغطي ثلاث مراحل وهي مرحلة ما قبل التمييز: وهى تبدأ بولادة الإنسان وتنتهى عند السابعة من عمره، أما المرحلة الثانية فهي التمييز: وتبدأ من سن السابعة حتى بداية ظهور علامات البلوغ، «وفى هذه المرحلة لا يسأل الصبى المميز عن جرائمه مسؤولية جنائية، فلا يحد إذا سرق أو زنى مثلا، ولا يقتص منه إذا قتل أو جرح، وإنما يسأل مسؤولية تأديبية، فيؤدب على ما يأتيه من الجرائم، والتأديب وإن كان فى ذاته عقوبة على الجريمة إلا أنه عقوبة تأديبية لا جنائية»، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة البلوغ: وتبدأ ببلوغ الطفل بالعلامات الجسدية المعروفة، وإن تأخر ظهورها فالرأى الراجح عند جمهور الفقهاء بلوغ سن الخامسة عشرة، وفى هذه المرحلة يكون البالغ مسؤولا مسؤولية كاملة عن جميع أفعاله، وتخفيف العقوبة عن البالغ حتى وقت معين ينجم عنه انتشار الجريمة فى المجتمع من خلال هؤلاء البالغين أنفسهم لعلمهم بخفة العقوبة وضعف التبعة، أو من خلال الكبار الذين يستغلونهم -وفق رأيهم-»، لذا فإنهم لا يمانعون بتطبيق سن 18 عاما لباقي الأمور الدنيوية مستثنين القضايا الجنائية والتي يعاقب عليها كل من تجاوز 15 عاما وفق ما تراه الشريعة الإسلامية، وأن أقصى عمر للبلوغ 15 عاما مما يتعارض من بنود الاتفاقية، وهو ما يراه رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى الشيخ عازب آل مسبل الذي طالب في حديث سابق بالإبقاء على السن العمرية 15 عاما أو الأخذ بعلامات البلوغ البيولوجية، لاعتبار تبديله حتى 18 عاما أمرا مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية.

واستند آل مسبل في كلامه على قول الرسول الكريم «رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبي حتى يبلغ»، موضحا أن آخر سن البلوغ هو 15 عاما، بالإضافة إلى إجازة بعض الصحابة بعد بلوغهم سن 15 بالمشاركة في الغزوات.

حد أقصى

لكن عميد شؤون الطلاب في جامعة الطائف والمتخصص في الفقه الدكتور فهد الجهني أوضح أنه إذا لم يبلغ الإنسان الخامسةَ عشرة، ولم تظهر عليه علامات البلوغ الطبيعي «فإن بلوغه يقدر بالسنوات، وقدروه بسن الخامسة عشرة وهو رأي جمهورهم، وفي رأي فقهي آخر: أن البلوغ للذكر إذا لم تظهر عليه علامات البلوغ عند سن الثامنة عشرة والأنثى عند سن السابعة عشرة»، مخالفا رأي آل مسبل في الإبقاء فقط على سن الخامسة عشرة كحد أقصى للبلوغ.

وأضاف الجهني مؤصلا لقضية البلوغ بقوله «البلوغ يعني: الإدراك، يقال بلغ الغلام إذا أدرك كما جاء في مختار الصحاح، والإدراك من الأمور التي يصعب ضبطها في العادة بضابط مقنن، ولكن الشارع ربطه بظهور علامات ظاهرة، ومنها: الاحتلام بالنسبة للذكر والحيض بالنسبة للأنثى، وهذه يمكن أن تظهر في الذكر عند بلوغه الثانية عشرة وفي الأنثى عند التاسعة»، وزاد «الدليل على صحة اعتبار هذه العلامات ما جاء في القرآن «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا… الآية» وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يحتلم… الحديث» ووجه الاستدلال: «أن الشارع جعل الاحتلام علامة على توجه خطاب التكليف للصبي»، وشدد الجهني على أن ظهور علامات البلوغ وسنه مما قد يتأثر بطبيعة البلدان المناخية فالبلاد الحارة غير الباردة.

جدل التعريف

وهنا يوضح رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة الدكتور طلال بكري أن الجدل في مجلس الشورى لم يكن حول سن 15 و18 عاما، مشيرا إلى أن الجدل انتقل للتعريف حيث قدمت اللجنة تعريف الطفل كما جاء في اتفاقية حقوق الطفل وهو «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه».

مفيدا أن المعترضين شددوا على أن التعريف يكون «كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة فقط»، مبينا أنهم لم ينظروا لسن البلوغ ولكنهم نظروا هل هذا الطفل راشد أم لا، ورجح بكري أن يتم الموافقة على التعريف الثاني لتمرير موضوع نظام حماية الطفل لأنه ليس من مصلحة المجتمع التأخير في إقرار هذا الموضوع، وشدد بكري على أنهم ملتزمون بالشريعة الإسلامية في التعاطي مع هذه القضية ومن ثم بالاتفاقيات الدولية.

وأكد رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني أنهم ينظرون في وضع حد لعمر الطفل للرشد وليس للبلوغ، مشيرا إلى أن البلوغ قد يحدث للطفل في وقت مبكر لكنه قد لا يكون راشدا لذلك رأينا الالتزام بالاتفاقية الدولية في وضع سن 18 كسقف لعمر الطفل، لأننا نمنع زواج القاصرات دون سن 18 عاما فكثير من البنات والأولاد في هذا السن قد يكونون بالغين ولكنهم غير راشدين.

وشدد القحطاني على أنه ينبغي توفير حماية لكل إنسان دون سن 18 عاما خصوصا أن المملكة موقعة على الاتفاقية التي من بنودها «ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاما دون وجود إمكانية للإفراج عنهم».

وحول مسألة مخالفة الشريعة الإسلامية فإن القحطاني يرى أن هناك اختلافا فقهيا حول هذه المسألة لأن بعض الفقهاء يرى أن سن البلوغ يصل لسن 18 عاما، مطالبا الفقهاء بأخذ بقاعدة «لاضرر ولاضرار» في هذه المسألة، مؤكدا أن كثيرا ممن هم دون سن 18 عاما في هذا الوقت لا يدركون تصرفاتهم وطائشون غير راشدون لذلك لابد من حمايتهم.

وأوضح القحطاني أن اعتراض مجلس الشورى على جزئية التعريف وهي «ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه» لاتلزم المملكة بتنفيذها لأن التعريف يشمل التعاون بين الدول الموقعة أما شكل التعريف فلكل دولة الحق في صياغته، مطالبا بإبقاء سن الطفولة حتى 18 عاما لأنها لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية خصوصا أن بعض الفقهاء يرى أن سن البلوغ قد يصل لـ18.

تنفيذ الاتفاقية

وأبان القحطاني أن التأخر في تنفيذ الاتفاقية يجعل اللوم مستمرا ضد المملكة، مشددا على أن الدولة قد وافقت على وضع حد للطفل وهو 18 عاما وأن التأخر بسبب الجدل حول العمر مجددا يعرقل تنفيذ اتفاقية الطفل، وبين القحطاني أن المملكة أبدت بعض التحفظات على نقاط مع الاتفاقية تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن بند العمر لم يكن من ضمن النقاط المعترضة عليها.

وطالب القحطاني من أعضاء مجلس الشورى بتحديد عقوبات مقترحة للقضاة للأخذ بها لحماية الأطفال من الإيذاء خصوصا إذا كان المعتدى عليه أبوه أو أمه أو أحد أقربائه، فإن وضع عقوبة مخففة بحق المعتدي على الطفل قد يجدد العنف والأذى له مجددا، مطالبا بعدم تعريض كل إنسان لم يتجاوز عمره 18 عاما لعقوبات مغلظة ومراعاة العمر.

واعتبر المحامي والمختص في الأنظمة والتشريعات الإسلامية الدكتور عبدالعزيز القاسم الاعتماد على نظامين مختلفين في مسألة تحديد سن الرشد للصبي والفتاة عدا ذلك «تناقضا» خصوصا في التعامل في المحاكم والدوائر الحكومية، مطالبا بالأخذ بالسنوات العمرية عوضا عن العلامات البيولوجية للبلوغ في ظل انتفاء أدلة شرعية صريحة تحدد وتلزم بذلك.

ونفى القاسم في حديث سابق وجود دليل صريح لمن اعتبر أن علامات البلوغ هي الحد الفاصل للتكليف كون الأدلة التي استدل بها إنما وردت في التعامل مع المحاربين، والأمر مختلف في هذه القضية.

وشدد على ضرورة اعتماد الدولة واتخاذها تنظيما واضحا يفصل في سن التكليف لما يحقق حماية حقوق الإنسان ودرء العقوبة عن الأحداث ما دام في مرحلة الاشتباه، منوها أن «العقوبات ترد بالشبهات».

ودعا المحامي والباحث الحقوقي عضو الجمعية السعودية لرعاية الطفولة الدكتور عدنان الزهراني إلى ضرورة معاملة كل من دون الثامنة عشرة معاملة واحدة عند ارتكابهم للجنايات والجرائم، مفيدا أن التكليف الشرعي يختلف عن سن الرشد.

مضيفا «فيما يتعلق بالتكليف الشرعي الذي تتعلق به الواجبات الشرعية ينبغي ألا يكون فيه خلاف لأنه يرتبط ببلوغ الإنسان مع تمتعه بالعقل، أما ما يتعلق بالمأخوذات الجنائية والحقوق التعاقدية فهذا ينظر فيه إلى الأصلح لمجتمعنا في هذه الأيام مقارنة بالمذاهب الفقهية الأخرى، والذي يظهر أن هذا السن يفضل أن يكون في حدود 18 عاما ليلاقي هذا القرار المبادئ التي اعتمدت عالميا لتقليل التفاوت في تطبيق القوانين».

سن الرشد

وشدد الزهراني على أن هذا لا يتناقض مع روح الشريعة بدليل أن الله سبحانه وتعالى علق تسليم أموال اليتامى إليهم بالرشد وليس بمجرد البلوغ، فأمر سبحانه وتعالى باختبارهم فإن كانوا أهلا لأخذ أموالهم دفعت إليهم وإلا فلا، وقال الزهراني «من الأولى أن يعتبر في هذا الأمر فيما يتصل بالجانب الجنائي وإذا ما أرادنا أن نقارب في هذه المسألة فلا نحتاج لإجراء الاختبار، فإن المقاربة تقول إن تحديد ذلك بالمرحلة العمرية المذكورة آنفا وهي 18 عاما، حد يمكن الركون إليه بالنظر إلى غالب حال الناس، إذا لوحظ أن هذا السن يكون سن الرشد عند كثير من الناس، فالاعتبار بالغالب هنا أولى طالما أننا لم نصل لآلية تحسم المسألة من جهة الاختبار فكان الرجوع لغالب حال الناس حلا في هذا الباب».

وطالب الزهراني بضرورة أن تحسم الدولة المسألة في وضع حد لسن الطفولة وهو سن الثامنة عشرة حتى فيما يتعلق بالأحكام القضائية، معتبرا أنه طالما يوجد هناك اختلاف فقهي في المسألة فإن لولي الأمر أن يحسم المسألة لأنه سيختار أحد هذه الآراء الفقهية متمشيا مع القاعدة التي تقول «حكم الحاكم يرفع الخلاف»، وذكر الزهراني أنه ربما يرفض بعض المحامين الترافع في بعض قضايا الأطفال لمعرفته بأن القاضي قد لا يحكم حكما مخففا عليهم باعتبارهم فوق 15 عاما، رغم أنهم يكونون لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم.

واعترف الزهراني بوجود قضاة يحاكمون بعض من تقل أعمارهم عن 18 عاما بأحكام الكبار، مؤكدا على أن إقرار عمر 18 سيمنع القضاة من اتخاذ أحكام قضائية قاسية بحق الأطفال.

ولفت الزهراني إلى وجود قضاة يحاولون التخفيف على الأطفال بمحاكمتهم بأحكام مخففة قدر الإمكان، معتبرا أن عدم إقرار عمر معين سيجعل هناك تناقضا في الأحكام والمعاملات بشكل عام، مطالبا المتجادلين بالتفريق بين سن البلوغ وسن الرشد.

حدود الله

واتفق القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث مع بعض ما جاء به الزهراني واختلف في نقاط أخرى حيث رأى أنه لا يمكن ترك الحدود التي أمر الله بها كالقصاص عند ارتكاب من هم فوق 15 جرما تكون عقوبته القصاص، معتدا بأن التكليف الشرعي للشخص يرتبط بالبلوغ وهو ظهور العلامات المعروفة أو وصوله لسن 15 كأقصى حد، واتفق الغيث مع الزهراني بأن هناك خلطا كبيرا بين سن الرشد وسن البلوغ.

ورأى الغيث أن الطفل في السعودية ينال كامل حقوقه التي كفلها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وفند الغيث بعض مزاعم الجهات الحقوقية حول تنفيذ أحكام الإعدام لمن هم أقل من 15 سنة بقوله «العبرة بوقت الجريمة وهل هو مكلف أم لا، والتكليف في الشريعة الإسلامية له شرطان: العقل أي عدم الجنون والبلوغ أي بإحدى علامات البلوغ المعروفة شرعاً وأقصاها بلوغ الخامسة عشرة للرجل والمرأة».

وأفاد الغيث أن هناك فرقا بين البلوغ المتفق عليه بكونه عند الخامسة عشرة كحد أقصى، وبين أن الرشد يعني عدم السفه، فالبلوغ يترتب عليه حقوق دينية ودنيوية، أما الرشد فيترتب عليه حقوق أخرى كالتركة العائدة له ونحو ذلك، مشيرا إلى اختلاف العلماء في تحديد سن الرشد، مغلبا ارتباطه بالشخص نفسه وما يظهر عليه من علامات وممارسات تبين رشده من عدمه.

وأوضح الغيث أن عقوبة القتل في الشريعة الإسلامية تكون إما عن حق خاص كالقصاص أو حق عام بنوعيه الحدود كرجم الزاني المحصن والتعزيرات كالمفسد في الأرض، مفيدا أنه إن كان الحق العام يمكن معالجته لأن الحدود تدرأ بالشبهات والتعازير يشملها العفو، إلا أن الحق الخاص لا يمكن التصرف فيه، لأن أصحابه يطالبون به ولا يجوز مخالفة الشريعة تحت ضغط أي جهة، مطالبا باحترام ثوابتنا الدينية السماوية المقدسة.

وشدد الغيث على وجود خلط بين سن البلوغ وسن الرشد، فسن البلوغ لا يزيد عن خمسة عشر عاماً وهو باتفاق المسلمين، ويبنى عليه الحقوق الدينية والدنيوية، وأما سن الرشد فهو محل الخلاف.

اعتبارات أخرى

وأوضح أن الرشد له اعتبارات في تملك الإرث والحقوق المالية والقوانين المدنية ونحو ذلك، وحتى في أماكن التوقيف، حيث يوقف الأحداث حتى الثامنة عشرة في دور الملاحظة الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وليس في سجون وزارة الداخلية، وكذلك الفتيات لهن مؤسسة خاصة بهن للتوقيف، وكل هذا لاعتبار السن ومراعاته، وكذلك للأحداث والفتيات بهذا السن قضاء خاص في داخل أماكن التوقيف لمراعاة سنهم وشعورهم ونفسيتهم، ولا يجلبون للمحاكم عند المحاكمة بل القاضي هو الذي يشخص إليهم في محكمة خاصة بهم.

لكن رئيسة مجلس إدارة جمعية حماية الأسرة الدكتور إنعام الربوعي انتقدت تنفيذ الأحكام القضائية بكافة أشكالها ومن ضمنها القتل قصاصا بحق كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة، مؤيدة كلامها بأن هذه الفئة العمرية لا تميز.

ورأت الربوعي أن عدم تحديد سن معين للطفولة حتى الآن تترتب عليه مضار عديدة من ضمنها تعليق ملف حماية الطفل وإعاقة تطبيق قوانين حقوق الطفل التي وقعت عليها المملكة، وتسويغ تزويج القاصرات وتنفيذ العقوبات القضائية القاسية بحق الأطفال.

وتساءلت الربوعي ما دام وقعنا على الاتفاقية فلماذا نتجادل؟! وتابعت «كان من الأولى أن نتجادل قبل التوقيع على الاتفاقية»، مطالبة بضرورة تطبيق الاتفاقية واعتماد سن الثامنة عشرة، كون من يحتج بأن البنت أو الولد يبلغان في سن الخامسة عشرة كلام ليس عليه دليل علمي، خصوصا بأن هناك أطفالا يبلغون في سن أكبر بحسب المنطقة التي يكونون فيها، سواء كانت باردة أو حارة، والمملكة تتمتع ببيئات مختلفة.

عضـوان في كبار العلماء يفـرقــــــان بين سن البلوغ وسن الرشد

من جانبه فرق عضوان من هيئة كبار العلماء بين سن التكليف وسن الرشد حيث بين المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع أن سن التكليف الشرعي يتم بثلاثة أمور للذكور هي (إنبات شعر اللحية والعانة والاحتلام وخشونة الصوت)، مفيدا أن المرأة تزيد على الرجل بالحيض.

مضيفا: «إن حصلت هذه العلامات سواء للذكر أو الأنثى فإنه يصبح شخصا مكلفا شرعيا، وإن لم تحصل هذه العلامات فإن البلوغ محدد بسن 15 كحد أقصى».

وأوضح المنيع أن سن الرشد محدد بالكفاءة في حسن التصرف بالمال، مشيرا إلى أن هذا الأمر لايحصل إلا بعد البلوغ واكتمال العقل، مفيدا أن بعض الأبناء يصل عمره إلى خمسة وعشرين عاما لكنه لم يصل إلى سن الرشد بسبب طيشه وسوء تصرفه، ولفت المنيع إلى أن العلماء قد اختلفوا في تحديد سن الرشد فمنهم من قال 18 عاما وآخرون في العشرين وغيره، مؤكدا أن سن الرشد يختلف من شخص لآخر بحسب حسن تصرفه بالمال الذي يدفع إليه، موضحا أن ابتلاء اليتم بالمال يكون من قبل الوصي مصداقا لقوله تعالى «وابتلوا اليتامى فإن انستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم»، مشددا على ضرورة إخضاع الشخص للاختبار للتأكد من أهليته ووصوله إلى سن الرشد من عدمها قبل دفع المال له..

واتفق عضو هيئة كبار العلماء عضو مجلس القضاء الأعلى الدكتور علي بن عباس الحكمي مع ما جاء به المنيع بأن هناك فرقا بين سن البلوغ وسن الرشد، مفيدا أن سن التكليف له العلامات الظاهرة، لكن الحكمي رأى أن الفقهاء اختلفوا في الحد الأقصى لعمر البلوغ في حالة عدم ظهور علامات البلوغ فمنهم من قال بـ 15 سنة وبعض الفقهاء قالوا إن آخر سن للبلوغ هو 18 عاما، مبينا أن لكل فريق منهم دليلا يرجح به كلامه، وشدد على أن المسألة فقهية خلافية ومفتوح المجال فيها للاجتهاد ومايراه أهل العلم، مشيرا إلى أن الحكم النهائي لولي الأمر الذي يختار الرأي الفقهي الذي يرى به المصلحة، مشيرا إلى أنها قاعدة هامة في المسألة الفقهية الخلافية، مبينا أنه عند اختيار ولي الأمر للرأي يمكن أن يلزم المجتمع به، وأوضح الحكمي أن الأقوال الشاذة لاعبرة لها ولايعتد بها، وأفاد الحكمي أن سن الرشد يتعلق فقط في قضية التصرف في المال بالنسبة لليتامى والتي تقيم بحسب حسن التصرف بالمال.

ورأى الحكمي أن مرحلة الطفولة لم تتحدد لاختلاف العلماء حولها، مؤكدا على أنها مسألة حساسة لما يترتب عليها من أحكام شرعية، معلقا إياها بعلامات البلوغ فإن لم تظهر فهي تترواح في الفئة العمرية مابين 15 إلى 18 عاما.

المصدر: جريدة  عكاظ  الخميس6 ذي القعدة 1431 هـ. الموافق  14 أكتوبر 2010م