محمد حسن مفتي - جريدة عكاظ

عدد القراءات: 1680

تسعى الدولة إلى توفير كافة المستلزمات والمقومات المعيشية الطيبة التي تكفل للمواطن الحياة الإنسانية الكريمة والمستوى الاقتصادي المأمول، ومن المؤكد أن الدولة والمواطن لا ينكران مدى أهمية وجود عمالة أجنبية لسد العديد من الثغرات الوظيفية داخل المجتمع، فغالبية دول العالم وعلى مدار عصور التاريخ المتنوعة تستعين بعناصر أجنبية للعمل داخل أراضيها، سواء كانت هذه العمالة قابعة في قمة الهرم الوظيفي أو في أسفله، فاستقدام عناصر غير محلية تسهم في دفع مسيرة تطور الدولة هو أمر راسخ ومتأصل في التاريخ الإنساني رسوخ البشرية ذاتها.

من غير المقبول أبدا أن ينظر للعمالة الأجنبية بشكل مطلق على أنها استنزاف لموارد الدولة ومنافس للمواطن السعودي، فالواقع أن العمالة الأجنبية يتم استقدامها لأسباب محددة ومعروفة، وهى إما لسد حاجات وظيفية يأنف عنها المواطنون أو لحاجة الدولة لكوادر مؤهلة في بعض التخصصات النادرة تقوم بتدريب المواطنين في عدد من المهن الضرورية مثل الجامعات والمعاهد والمراكز التدريبية المختلفة، وهذا النوع من الاستقدام يعتبر الوجه الآخر للابتعاث الخارجي الذي تسعى إليه كافة دول العالم التي تتطلع لتأسيس وبناء أركانها ودعائمها على نحو أكثر رقيا وتقدما وازدهارا، بحيث تتمكن من هضم واستيعاب منتجات الحضارات السابقة لتبدأ هي في صوغ إنجازاتها وحضارتها الذاتية.

إن السبب الأول هو الأكثر شيوعا لاستقدام العمالة الخارجية، وهو سد احتياجات المجتمع للكثير من الوظائف الشاغرة ذات الرواتب المتدنية التي يأنف عنها المواطن. لا نريد دفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة التي تكره ضوء الشمس، بل علينا أن نواجه الحقيقة بشجاعة لكي نتمكن من وضع الحلول الصادقة، يجب أن نعترف بأن هناك الكثير من المهن التي يرفضها السعوديون ويعرضون عنها إعراضا تاما، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ سائقو العائلات -وليس سائقي المؤسسات- وعمال الحرف، وأيضا معلمو المدارس الأهلية، ونظرا للاحتياج الملح لهذه المهن يتم استقدام العمالة الأجنبية لسد الحاجة في هذا الجانب.

من جهة أخرى، لا يمكننا بحال من الأحوال إلقاء اللوم على وزارة العمل التي تسعى جاهدة لتقليل معدلات البطالة من خلال استراتيجية واحدة فقط هي توطين الوظائف وإحلالها بالسعوديين، فالرواتب في مثل هذه المهن ضئيلة ولا تكاد تفي بالاحتياجات الضرورية للمواطنين وخاصة في مجتمع استهلاكي كمجتمعنا، وهذا قطعا بخلاف النظرة المجتمعية المتعالية لتلك المهن التي تراها مهنا متدنية ولا ترضى لأبنائها بامتهانها، لذلك تظل المشكلة مزمنة وتظل المؤسسات والأسر التي بحاجة للعمالة الأجنبية حائرة بين مطرقة وزارة العمل وسندان الرواتب العالية. من جانب ثان ينبغي أن نمعن التفكير قليلا في السياسة المتبعة عند التعامل مع العمالة الأجنبية، فبعض التعاملات تسيء لنا أولا أكثر مما تسيء لهم، فعلى الجهات المختصة وقبل مساءلة العامل الذي يعمل خارج كفيله أن تحاسب الكفيل نفسه الذي دفعه لأن يسلك هذا المسلك، وللأسف يدرك الجميع أن هناك تجارة متداولة من قبل بعض الذين لديهم عمالة فائضة.

أعتقد أن الحل الحقيقي لمشكلة البطالة هو التوسع في استحداث فرص وظيفية من خلال إنشاء مشروعات اقتصادية، وفي اعتقادي أن ذلك يقع على كاهل المجلس الاقتصادي الأعلى بالمملكة، فهو بمقدوره وضع خطط متكاملة ومتسقة مع العديد من الهيئات والمؤسسات المحلية والعالمية، يجب أن تكون هناك خطط استراتيجية تهدف لإقامة مشروعات اقتصادية عملاقة تستوجب كثافة في الأيدي العاملة، فنحن نستورد منتجات بمليارات الدولارات سنويا، فلماذا لا نبدأ بإنشاء صناعات بديلة للسلع المستوردة مثل الصناعات التجميعية، لماذا لا تسعى الدولة لتأسيس مناطق تجارية حرة مستثناة من الضرائب للمستثمرين الأجانب، شريطة أن يقوم هؤلاء المستثمرون بالتوسع في توظيف العمالة السعودية، هناك خطط وأفكار كثيرة لاستحداث وظائف وخلق فرص عمل ولكن لا أحد يأخذها على محمل الجد، يجب أن نبحث عن أصل المشكلة لا عن ذيلها، ويجب أن نتحلى بنظرة واقعية محايدة موضوعية تجاه مشكلاتنا، لا لنتمكن فقط من حلها، بل لنستأصلها أساسا من جذورها.

المصدر : جريدة عكاظ - 6 جماد الآخر 1434هـ الموافق 16 ابريل 2013م