عادل بترجي - جريدة عكاظ

عدد القراءات: 1015

هل يمكن القول: إن ما نقدمه من تعليم في مدارس التعليم العام الآن يهيئ الطلاب للمستقبل؟ هل يمكن التأكيد على أن طالب الصف الأول الابتدائي في هذا العام، سوف يتعامل مع متطلبات سوق العمل، أو حتى متوسط متطلبات المجتمع في عام 1450هـ؟ بالتأكيد لا يستطيع أحد أن يجزم أن هذا سيحدث، ليس لأن مناهجنا لا تلائم تطلعات ومتطلبات مجتمعنا الآن فحسب، بل لأن المناهج وضعت قبل عدة سنوات، وأصبح ما تحتويه من معارف ومعلومات قديم مقارنة بالتطور الذي يحدث يوميا في كافة مجالات العلوم والمعارف. لو دققنا البحث في تاريخ الأشخاص الذين ألفوا مناهج اليوم لوجدنا أن أغلبهم قد انتقل إلى الحياة الآخرة، ولو دققنا في سيرهم العلمية لوجدنا أن جميعهم قد تلقى تعليمه الجامعي في الخمسينات من القرن الماضي؛ فكيف نتوقع أن يهيئ هؤلاء منهجا يناسب المستقبل؟ ولعل القارئ يتساءل، من أين لنا بمن يضع منهجا تعليميا يناسب المهارات المطلوبة مستقبلا، وكلنا قد تلقى علومه في الماضي، وحتى قبل ولادة من هم في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية من أبنائنا الآن؟ والجواب على ذلك أنه ليس بإمكاننا العثور على واضع منهج بهذه الصفات؛ لذلك يعلم أبناؤنا ونعلم نحن المربين أن الفجوة في المعلومات والمهارات بين المناهج والواقع لا يساعد الأبناء على مواجهة متطلبات الحياة الآن ناهيك عن متطلباتها في المستقبل. لم يكن بالإمكان قبل التطور الهائل الذي حدث في تقنية الاتصالات والمعلومات، وأدى إلى توفر شبكات الإنترنت سد أي جزء من هذه الفجوة. ولكن بعد هذا التقدم المذهل والسريع يتمكن بعض الدارسين من استخدام قدراتهم ومهاراتهم الشخصية في سد جزء من هذا النقص، ومع دخول الأجهزة المحمولة الصغيرة الحجم مثل: الآيفون، والآيباد،… التي يمكن استخدامها في أي مكان وزمان توجد فيه وسيلة اتصال بالشبكة العنكبوتية زادت إمكانية تقليص الفجوة.

المشكلة الرئيسة التي تواجهها مناهج التعليم العام في بلادنا ليس نقص المعلومة أو قدمها، فهذه مشكلة تواجهها المناهج عموما حتى في أكثر دول العالم تقدما. إن المشكلة الحقيقية في مناهجنا أنها مبنية على المعلومات، وليس على المهارات. من الإنصاف القول: إن المناهج قد خطت خطوة جيدة نحو تصحيح المسار القديم المبني على الحفظ والاسترجاع، وبدأت مؤخرا في طرح بعض المهارات المطلوبة لتهيئة الطلاب للمستقبل، لكن ليس بالكم، ولا بالجودة الكافيين. إن التحدي الذي نواجهه كمربين هو أن نجد المكافئ لمتطلبات تعلم أبنائنا في عالم سريع التغير، ولكي نتمكن من مواجهة هذا التحدي، يجب علينا أن نتحول نحن المربين إلى متعلمين استراتيجيين من خلال التطوير المتعمّد لنظرياتنا نحو التعلم، والوسائل التي نستخدمها. من المهم جدا أن نصبح باحثين متمرسين ومطورين للابتكارات، والتوجهات الجديدة، ومن أكثر الأمور أهمية أن يكون البحث والتطوير والتوجهات الجديدة مبنية على ثقافتنا المحلية آخذة في الاعتبار متطلبات مجتمعاتنا المستقبلية مصطحبة معها تجارب الأمم الأكثر تطورا.

المناهج التي بين أيدينا الآن تحتاج إلى تطوير مبني على إطار يأخذ في الاعتبار عدة مبادئ هامة، أولها: التطور التقني الذي قد أحدث تغييرا في مفهوم أصول التربية، بمعنى آخر لا يمكننا أن نفكر في تطوير المناهج بنفس الأسلوب التقليدي بينما تتغير أساليب التعلم بطريقة دراماتيكية، بسبب وسائل التقنية المتوفرة وسهولة الحصول على المعلومات، ثاني هذه المبادئ: الانفتاح الأممي الذي حدث في نهاية القرن العشرين الذي يملي علينا تأميم المناهج، أي جعلها أممية بحيث يكتسب طلابنا المهارات اللازمة للتعامل مع الأمم الأخرى في عالم أصبحت الحدود الجغرافية والسياسية فيه وهمية، المبدأ الثالث: تطوير مهارات التفكير المبنية على تحديات الحياة المستقبلية التي تشمل ما أطلق عليه «مهارات القرن الحادي والعشرين». من أهم هذه المهارات أن يصبح المتعلم مستهلكا ناقدا لوسائل الإعلام، وذلك بتعليمه كيف يتعامل معها بذكاء المتمرس، المبدأ الرابع: التعرف على فواصل الربط الهامة بين التخصصات العلمية المتعددة، والتعرف من خلال ذلك على تطبيقات تعالج تحديات الحياة العصرية يمكن للطلاب تطبيقها والتدرب عليها، وخامس هذه المبادئ: ولعله من أهمها أن يكون المنهج وسيلة لتطوير مهارات التعلم لدى الطلاب، وليس مصدرا للتعلم، وبذلك يمكن للطالب أن يستمر في التعلم مدى الحياة كونه اكتسب هذه المهارة.

المصدر : جريدة عكاظ - 13 جماد الآخر 1434هـ الموافق 23 ابريل 2013م