الاعتماد الأكاديمي وتقويم التعليم.. (3-3)
د. عبد الإله بن عبد الله المشرف - جريدة الجزيرة
أشرت في المقالين السابقين إلى أهمية تقويم التعليم، وارتباط ذلك بمفهوم الاعتماد المدرسي، وأكدت على أهمية وجود هيئة وطنية لتقويم التعليم مستقلة إداريا ومالياً عن وزارة التربية والتعليم، كما تطرقت إلى بعض التطلعات التي يتطلع إليها المجتمع من وزارة التربية لتحقيق أهداف هيئة..
تقويم التعليم العام، وبعض التوقعات التي ينتظرها المجتمع من هيئة تقويم التعليم.
إن إحداث نقلة ثقافية في مجال الجودة والاعتماد لدى المجتمع المدرسي يتطلب جهداً نوعياً، وتدرجاً في تحقيق الأهداف، ومرحلية في الإنجاز وفق استراتيجية تتسم بالشمولية لجميع العناصر والتكامل بين جميع الشركاء، ولعل من أهم التحديات التي تواجه تحقيق الهيئة لأهدافها بعض المفاهيم الإدارية التي تجذرت في كثير من الكيانات والمنظمات والعقول الإدارية فشكلت إعاقة شبه دائمة تحول دون تحقيق كثير من هذه المؤسسات والهيئات لأهدافها.
إن الانطلاقة الصحيحة في تحقيق الأهداف من خلال تحديد الأولوية بين الإصلاح والتطوير عامل حاسم في النجاح، فكثير من التربويين يرى أن الإصلاح يجب أن يسبق التطوير من منطلق أنه لا يمكن أن تطوّر بيئة غير صالحة، وهذا الكلام نظرياً يصح أن يكون في المصنع أو معمل الإنتاج حيث العطب واضح العيان، سهل الاكتشاف، سريع التشافي، غير أن الوضع التربوي يتطلب معالجة من نوع مختلف ينبع من طبيعة علاقة الإصلاح بالتطوير في الوسط التربوي، فعندما نشحن الهمم والعزائم لدى القائمين على العمل التربوي، ونرفع سقف التوقعات، ونزيح كثيرا من الغيوم التي تحجب الرؤية دون تسرع في قطف الثمرة، فإن عجلة التطوير سوف تسير بثقة واتزان وقدرة على معالجة جميع العيوب التعليمية والفنية والإدارية في أثناء مسيرتها التطويرية، وبالتالي نحقق المعادلة الصعبة الإصلاح من خلال التطوير.
وثاني التحديات الحاسمة التي يخشى من تأثيرها على مسيرة هيئة تقويم التعليم العام استخدام الاستراتيجية التقليدية في عمليات تقويم التعليم وتطوير معايير الجودة في المدارس من قبل هيئة تقويم التعليم العام، بحيث يتم التعاطي مع المدارس ومع المجتمع المدرسي من خلال نظرة تقويمية منفصلة، والتعامل مع وزارة التربية والتعليم من منظورالندية وتتبع العثرات، هذه المنهجية في التعامل مع البيئة التربوية لا تسمح إطلاقا للهيئة أن تجد لها مكاناً محورياً في منظومة العمل التربوي تستطيع من خلاله إحداث التغيير المنشود، لذا لا بد من التغلب على هذه الثقافة التقليدية الإدارية السائدة، والتحول إلى منهجية الشريك والمساند، بحيث تسخر الهيئة كل خدماتها وإمكاناتها لبناء جسور من الثقة مع المدارس بهدف تطويرالمدارس والرقي بها، وتعزيز القناعة لدى القيادات التربوية بالمدارس، وأن يشعر العاملون في الميدان أن الهيئة تقدم لهم خدمات عملية مفيدة قبل أن تكون جهة ناقدة فاحصة.
ومن التحديات المنهجية لكثير من البرامج التطويرية التربوية عدم القدرة على استثمار الخبرات العالمية والنوعية وفق رؤية عملية تطبيقية، فكثيراً ما نختزل الخبرات العالمية في شكليات ورقية نظرية تأثيرها السلبي أحيانا أكثر من تأثيرها الإيجابي، ومن الأمثلة الواضحة على هذا النسق العقيم في الاستيراد الثقافي تجربة الاعتماد المدرسي للمدارس العالمية في المملكة العربية السعودية، حيث أصبحت عمليات الاعتماد في مجملها عمليات ورقية شكلية لا يشعر مدير المدرسة أو مدرسوها بأن حصول المدرسة على شهادة الاعتماد الاكاديمي أحدث نقلة نوعية في الأداء، وأسهم في تحقيق الاستمرارية في التطوير، ويعني هذا ان مفهوم الحصول على الاعتماد الأكاديمي ينحصر في حالات عديدة على أهداف دعائية تسويقية ويكون سبباً في تقاعس المدارس عن التطوير متكئة على تلك شهادة الاعتماد، وهناك مقولة ظريفة في هذا الباب تتمثل في « خذ الأيزو واعمل أللي أنت عايزو».
وقد ساهم في تعميق مشكلة الاعتماد الأكاديمي للمدارس العالمية التطبيق الحرفي لمعايير صممت وبنيت وطبقت في بيئة ثقافية مختلفة بشكل كبير جداً عن البيئة المحلية سواء في نظامها التعليمي أو في ثقافة مجتمعاتها، كما أن طبيعة زيارات التقويم والمتابعة الميدانية للمدارس من جهات الاعتماد عادة ما تكون قصيرة ومحدودة لا تسبر غور العملية التعليمية بل تعتمد على الوثائق النظرية مما أوجد فجوة كبيرة بين ما يتم قياسه وتقويمه من معايير وبين ما ينبغي أن يتم، فمثلا الجانب القيمي والأخلاقي لدى الطلاب لا يحظى بما يحظى به جانب التحصيل العلمي، كما أن مجالات العلاقات الإنسانية وبناء الشخصية وتعميق الهوية الثقافية توشك ألا تجد مكاناً حقيقاً في معايير الاعتماد «المستوردة».
وختاماً فقد أظهرت إحدى الدراسات البريطانية أن 80% من الأخطاء الإنتاجية كانت من مصانع حصلت على شهادة الأيزو في الجودة، مما يؤكد على أننا ينبغي أن ننظر للاعتماد المدرسي على أنه بداية التطوير وليس نهاية المطاف.
المصدر : جريدة الجزيرة - 26 رجب 1434هـ الموافق 5 يونيو 2013م